يثار في الآونة الحالية الحديث حول الصناديق والحسابات الخاصة وامكانية استخدامها في الموازنة العامة للدولة, خاصة في ظل الأوضاع المالية الحالية. اذ يري البعض انها تحتوي علي مبالغ ضخمة تتجاوز في جملتها التريليون جنيه, وهو مايزيد علي ضعف الموازنة العامة للدولة, بل وذهب البعض الآخر إلي الحديث عنها باعتبارها تمثل موازنة مصر الخفية, والتي يمكن ان تساعد في سد عجز الموازنة وغيرها من الأهداف. وللأسف الشديد فإن هذا الحديث لم يقتصر علي بعض وسائل الاعلام والصحافة, بل امتد ليشمل قطاعا عريضا من المثقفين والأخطر من ذلك بعض الاقتصاديين المشهود لهم بالحكمة والفهم الدقيق لامور المالية العامة. أولا: حقيقة الوضع المالي: ويرجع الخطأ اساسا الي القراءة الخاطئة لما جاء في تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات, عن الحسابات الختامية للموازنة العامة للدولة, والخلط بين الميزانية العمومية للدولة والموازنة العامة. اذ اشار الجهاز في تقريره الي ان جملة ارصدة الحسابات الجارية الخاصة بجانب الخصوم بالميزانية العمومية لحسابات الخزانة العامة في 30 /6/2010 قد بلغت نحو1355489.6 مليون جنيه وللاسف فقد تلقف البعض هذه الكلمات وخلط بينها وبين الحسابات والصناديق الخاصة وهذا ليس صحيحا علي الاطلاق اذ ان الحديث السابق يتناول الميزانية العمومية لحسابات الجهاز الاداري للدولة, وهو مايختلف تماما عن حسابات الصناديق الخاصة. حيث تتضمن الميزانية العمومية ارصدة الحسابات المركزية لوزارة المالية واهمها الدين العام بشقيه الداخلي وتبلغ نحو779.3 مليار جنيه في ذات التاريخ, والخارجي وتبلغ نحو146.7 مليار جنيه, وكذلك المساهمات في منظمات دولية ومحلية وتبلغ نحو101.9 مليار جنيه. وارصدة الاموال المخصصة علي ذمة عمليات بالبنك المركزي وتبلغ نحو318 مليار جنيه. وبعبارة اخري فان الحديث هنا عن ارصدة في الميزانية العمومية ولذلك جاء الحديث في تقرير الجهاز المركزي تحت عنوان حسابات الخصوم. وهي مسالة تختلف تماما عن الموازنة العامة للدولة وعن حسابات الصناديق الخاصة. اما عن اجمالي ارصدة الحسابات والصناديق الخاصة المفتوحة لدي البنك المركزي ضمن حساب الخزانة الموحد فقد بلغت نحو36.5 مليار جنيه في نهاية يونيو.2010منها نحو10.7 مليار تخص وحدات الجهاز الاداري و8.1 مليار للإدارة المحلية و8.2 للهيئآت الخدمية و8.3 مليار للهيئات الاقتصادية بالإضافة الي نحو669 مليون لاشخاص اعتبارية عامة. ثانيا: الأوضاع القانونية والآثار السلبية: قد جاءت اساسا وفقا لقانون الموازنة العامة للدولة رقم53 لسنة1973, والذي سمح بانشاء مثل هذه الكيانات وهي حسابات انشئت لتحقيق اغراض معينة ولها كيانات ادارية مستقلة وتمول نفسها ذاتيا من خلال الموارد التي تحددها قرارات انشائها او لوائحها الخاصة بها., وبعبارة اخري فقد كان الهدف من هذه المسألة هو ايجاد بعض المرونة في إدارة بعض الجهات بحيث تتمكن من توفير بعض الموارد التي تساعدها في تحقيق اهدافها. مع ملاحظة ان بعضها قد انشيء بموجب قوانين مثل قانون الادارة المحلية رقم43 لسنة1979 وقانون تنظيم الجامعات رقم49 لسنة1972 وقانون التعليم رقم139 لسنة1981 وتعديلاته والبعض الآخر بموجب قرارات جمهورية او وزارية او قرارات من المحافظين. والحسابات والصناديق الخاصة اما انها حسابات وصناديق مستقلة بذاتها اي انها تمثل في حد ذاتها كيانا إداريا يدخل في الموازنة العامة للدولة بمسماه, مثل صندوق التنمية الثقافية وصندوق السجل العيني وصندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية وصندوق ابنية دور المحاكم والشهر العقاري وصندوق دعم وتطوير خدمات الطيران وغيرها. او انها تتبع الوحدات الادارية التي انشئت بداخلها سواء في الجهاز الاداري او المحافظات او الهيئات الخدمية, من امثلة ذلك حساب الخدمات والتنمية المحلية بالمحافظات, وحساب الاسكان الاقتصادي بالمحافظات وحساب استصلاح الاراضي وكذلك الحسابات الخاصة التي تمول من الرسوم والانشطة بالمدارس وصناديق تحسين الخدمة وغيرها. وجدير بالذكر ان عدد الصناديق والحسابات الخاصة بالمحافظات بلغ نحو5564 صندوقا وحسابا بينما يوجد1320 صندوقا وحسابا خاصا بالجامعات. عموما فقد أدي التوسع الكبير في هذه الصناديق إلي عدة مشكلات أهمها: مخالفة مبادئ الموازنة خاصة الوحدة والشمول: مما لاشك فيه أن قيام بعض الوحدات بفتح حسابات خاصة بالبنوك يتم إيداع بعض المتحصلات بها والصرف منها خارج الموازنة يعد مخالفة لمبدأ العمومية الوارد بالمادتين(3 و9) من قانون الموازنة رقم53 لسنة1973 وتعديلاته ففيما يتعلق بوحدة الموازنة فانه لا يجوز تخصيص مورد معين لنفقة محددة, بل يجب أن تتجمع جميع موارد الدولة في الخزانة العامة والتي تقوم بتوزيعها علي مختلف جوانب الإنفاق العام وفقا لما يرتئيه المجلس التشريعي عند مناقشة وإقرار الموازنة. بينما نلحظ ان هذه الصناديق تحتفظ بمواردها للانفاق علي بنود محددة وهو مايؤدي الي اختلالات اساسية في الاولويات التي وضعها المجتمع للانفاق العام. كما ان التوسع في هذه الصناديق قد اهدر مبدأ الشمول والذي بمقتضاه يجب أن تتجمع كل موارد الدولة ونفقاتها في إطار واحد يسهل متابعته, وبالتالي لا يجوز ان تنشأ حسابات خارج هذا النظام. ازدواجية المهام والوظائف: بنظرة عامة علي الخدمات والانشطة التي تقوم بها هذه الصناديق والحسابات الخاصة فاننا نجد انها تقدم خدمات تقوم بها أصلا الوحدات الإدارية المختلفة, أو يمكن أن تقوم بها, مما يوجد ازدواجية في المهام والاختصاصات هذا فضلا عن ان القائمين عليها هم من العاملين اساسا بتلك الوحدات الإدارية, بصرف النظر عمن تتم الاستعانة بهم ويعملون بنظام المكافأة من خارج الوحدات. مع ملاحظة أنها غالبا ماتؤدي أعمالها ليس فقط باستخدام العمالة الاصلية الموجودة بالوحدة الإدارية, ولكنها تستخدم أيضا الأصول الثابتة لهذه الوحدات. انتزاع سلطات التشريع: اذ نلاحظ ان بعض اللوائح المالية لهذه الصناديق والحسابات تتيح فرض رسوم علي متلقي الخدمة التي توفرها الدولة كالتعليم والصحة وغيرهما, وبذلك اصبحت هذه الصناديق بمثابة كيانات مستقلة بذاتها, وتعمل وفقا لاسس ولوائح مختلفة, الامر الذي يحتاج الي اعادة نظر من جديد. والاخطر مما سبق هو قيام هذه الصناديق بالتوسع في الانفاق علي مجالات اخري غير التي خصصت من اجلها وعلي رأسها التوسع الكبير في المرتبات والمكافآت الممنوحة لبعض العاملين بها. ثالثا: الحلول المقترحة: مما سبق يتضح لنا خطورة استمرار الاوضاع علي ماهي عليه حاليا, الأمر الذي يتطلب الحد من هذه المعاملات المالية والحد من النفقات السنوية التي يرخص بها بموجب تشريعات أخري بخلاف قانون الموازنة. خاصة ان الإقلال من المعاملات التي تتم خارج الموازنة يؤدي إلي المزيد من الشفافية ويجعل الحكومات أكثر شعورا بالمسئولية تجاه المالية العامة وتفرض انضباطا علي صانعي السياسة. من هذا المنطلق جاء القانون رقم139 لسنة2006 بتعديل أحكام القانون رقم127 لسنة1981 بشأن المحاسبة الحكومية, والذي ادخل مفهوم حساب الخزانة الموحد بالبنك المركزي, وبمقتضي هذا القانون تم استدعاء كافة أموال الجهات الإدارية من البنوك المختلفة إلي حساب الخزانة الموحد مع الحفاظ علي ملكية هذه الأموال للجهات صاحبة الحساب, وتظل هي المتصرف الاساسي فيها سحبا وإيداعا, ويحق لها بعد موافقة وزارة المالية الحصول علي عائد عن هذه الأموال. وقد استثني من ذلك وزارة الدفاع وهيئة الامن القومي وجميع اجهزتهما وكذلك صناديق التأمين والمعاشات والرعاية الاجتماعية والصحية الأمر الذي يسمح بوجود غطاء مالي للخزانة العامة للدولة يساعدها علي الحد من الاقتراض طالما وجدت هذه الأموال غير المستغلة من جانب الجهات ومن ثم يساعد علي تخفيض أعباء الدين العام. وعلي الرغم من هذه الخطوة المهمة والضرورية والتي مكنت وزارة المالية من رؤية ومتابعة هذه الأموال وأوجه إنفاقها إلا أنها لم تكن اكثر من مجرد تحويل الاموال من حسابات البنوك المختلفة الي حساب البنك المركزي, وبالتالي ظلت تعاني عدم تحقيق مبدأ الشمولية والعمومية. كما أن القانون المذكور قد سمح لوزير المالية استثناء بعض هذه الجهات او الشخصيات الاعتبارية العامة من الانضمام لحساب الخزانة الموحد وسمح لها بفتح حسابات باسمها او باسم الصندوق والحسابات الخاصة التابعة لها خارج البنك المركزي, وهو استثناء لامحل له من الاعراب في هذه الحالة حيث يفتح الباب علي مصرعيه لوزير المالية للتحكم في هذه المسألة. وعلي نفس المنوال فقد اعطي القانون المذكور لوزير المالية الحق في الحصول علي عائد من هذه الاموال لبعض الجهات دون غيرها, وفي هذا تفرقة لامعني لها وتعطي لوزير المالية حقوقا كثيرة وقدرة علي التحكم في أنشطة ومسارات هذه الصناديق دون مبرر موضوعي, وبالتالي فالأصل في الاشياء ان تحصل هذه الجهات علي العائد دون تفرقة. . وعلي الجانب الأخر لم يعد من المنظقي الاكتفاء بالنسبة التي تحصل عليها حاليا وزارة المالية من هذه الصناديق والتي تتراوح مابين5% و10% من ايراداتها, بل ان الامر يتطلب دراسة بعض الحلول المقترحة في هذا المجال, ويصبح من الضروري دراسة هذا الموضوع برمته بحيث تضع الاليات السليمة والمناسبة للتعامل مع هذه الصناديق والحسابات الخاصة بما يضمن لها تحقيق الاهداف المنوطة بها, كما يساعد علي تحقيق متطلبات الشفافية لكافة بنود الموازنة ومصادر التمويل وكذلك تعميق المفاهيم المحاسبية للإدارة المالية السليمة, وضبط التدفقات النقدية في الخزانة العامة بما يعزز من مفهوم وحدة الموازنة لإحكام ضبط الإنفاق العام في المجتمع. وفي هذا السياق لابد من العمل مرة اخري بالمنشور الوزاري رقم12 لسنة2011 والذي وضع الضوابط القانونية علي هذه الصناديق اذ نص علي عدم جواز صرف اي مكافات لمجالس الادارات او ممثلي وزارة المالية من هذه الحسابات.