لماذا تأخذنا اللحظة ويستغرقنا الحدث ونتوه فى التفاصيل ونتجاهل الموضوعية ونخاصم النظرة العلمية؟ لماذا نثور بلا سقف كالأمواج الهادرة ثم نهدأ بلا مبرر كالمياه الساكنة؟ لماذا نحب حتى العشق اذا افتتنا بزعيم فنوقع له على بياض وبلا شروط ونكره بلا حدود لحد الاساءة للنفس اذا راحت لحظة العشق لسبب موضوعى او غير موضوعى ؟. هل لأننا شعب عاطفى بسيط استملح ان يرمى البذور ثم يستريح بلا عمل حتى يقوم بجمع الحصاد والحصول على الثمار ؟ هل لأننا مجتمع أبوى خلط منذ القدم بين الاله والكاهن والحاكم وترك زمام نفسه لهذا الحاكم الاله ؟ فهل لهذا وغيره لم نستطع ان نمارس السياسة وننشئ الاحزاب خارج هذا النطاق الأبوى البطريركى ؟ . لذا كانت كل تجاربنا الحزبية منذ نشأتها حتى الآن تعتمد على الأب الزعيم القائد ؟ وهل لهذا دائماً ما نعتمد على الزعيم والمخلص والمنقذ الذى يحل مشاكلنا ويحقق آمالنا بعصاه السحرية بعيداً عن فكرة المشاركة الايجابية والعمل المنتج الذى يحل هذه المشاكل ويحقق تلك الامال ؟اذا كانت هذه هي الاسباب او غيرها كثير ولكن النتيجة الفعلية والواقع المعاش يقول اننا وحتى الان وبالرغم من هبتين جماهيريتين رائعتين فى يناير 2011 ويونيو 2013 لم تستطع نخبتنا السياسية ان تنشئ احزاباً حقيقية تمارس دورها بين الجماهير حتى تصبح هذه الاحزاب هي تلك الالية السياسية لكى تشارك الجماهير فى اتخاذ القرار بعيداً عن الزعيم والمخلص . ولفشل هذه الاحزاب قبل يناير وبعد مرحلتها الثانية منذ عام 1977 كان هناك شكلاً جديداً بديلاً للأحزاب وهي الحركات السياسية . فكانت حركة كفاية التى أعلنت فى ديسمبر 2004 ابداعاً جديداً لمواجهة الحصار الحديدى حول الاحزاب الديكورية التى مررها نظام مبارك فكسرت كفاية حاجز الخوف ونزلت للشارع رافعة شعار لا للتوريث ولا للتمديد وحركت الشارع واضافة تراكماً جديداً فى طريق التغيير والثورة القادمة . وبعد سقوط مبارك تضاءلت الحركة وانتهت بانتهاء السبب والشعار الذى انشئت من أجله. وفى 6 ابريل 2008 خرجت حركة شبابية لمساندة عمال المحله الكبرى فى تظاهراتهم ضد مبارك وكانت ايضاً اضافة لتراكم الثورة وامتداداً لروح كفاية . ثم وجدنا فكرة تمرد تلك الفكرة العبقرية التى اوجدتها الظروف وافرزتها الضرورة التى عبرت عن مكنون الشعب المصرى الرافض لنظام الاخوان . فكانت الفكرة هى اداة للتعبير عما بداخل هذا الشعب ولذا وقع الشعب على الاستمارات اى على الفكرة . فهذه الفكرة ليست لها صاحب ولا هى حزب ذات اجندة سياسية ينضم اليه المواطن ايماناً بتلك الاجندة ولكن كانت تمرد تعبيراً عن حاله انتهت بنجاح الفكرة وخروج الجماهير فى 30 يونيو . ولهذا لم يصبح لهذه الفكرة مبرراً عملياً لوجودها ككيان على أرض الواقع . اذن كانت هذه الحركات تعبيراً عن تركيبة الشعب العاطفية وطريقة تناوله للسياسية واسلوبه فى المشاركة السياسية. فوجدنا هذه الحركات شبه موسمية تؤدى دورها لأيمان الشعب عاطفياً بها اكثر من الاقتناع بالمشاركة الموضوعية والعملية . والاهم اننا وجدنا ان هناك سلبيات مشتركة بعيداً عن ايجابيات اللحظة ومبررات الحدث والنتائج المرحلية لهذه الحركات . وهذه المشتركات السلبية هي بلا شك نتاج للأعلان التلقائى عن هذه الحركات لمواجهة حدث بذاته بعيداً عن فكرة الاستمرارية التى تتسم بها الاحزاب . كما ان هذه الحركات لا يخلو الانضمام اليها من عادة اعتادت عليها النخبة وهي الظهور الاعلامى والتواجد السياسى لأثبات الذات او الحصول على مصلحة خاصة . ولذا وجدنا الانقسام المشين داخل هذه الحركات . وجدنا حالات التخوين من القيادات كل منهم للآخر سواء شبهة التخوين للخارج او للسلطة والامن فى الداخل . وهنا ليس بغريب ان يتمسك بعض الشباب الذين فرضوا انفسهم على فكرة تمرد بمراكز وهميه لضمان الحصول على مكاسب شخصية ووجدنا انقساماً حول مساندة السيسي او صباحى بما يعنى ان هذه الحركات بالرغم من ضرورة وجودها وتأديتها لدور لحظى فى كل الاحوال افرازاً لحالة الضرورة . فمتى نعى ضرورة المشاركة السياسية الحقيقية من منطلق الايمان بالموقف والقناعة بالهدف والانتماء للوطن حتى لا تأخذنا المصالح الذاتية القاتلة للنفس والمفسدة للسياسة والمهددة لوطن عظيم لابد ان يظل وطناً لكل المصريين وبسواعد كل المصريين .