تخيم أجواء من التوتر على قمة الاتحاد الأوروبي وروسيا التي تعقد اليوم ببروكسل في ظل تصاعد القضايا الخلافية بين الطرفين وعلى رأسها الأوضاع المضطربة في أوكرانيا. وتعد هذه القمة هي القمة 32 بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، ويمثل الجانب الأوروبي فيها رئيسي الاتحاد الاوروبي هرمان فان رومبوي والمفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو بينما يمثل الجانب الروسي الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف. ومن المتوقع أن تتناول القمة مجالات التعاون الاقتصادي والتجاري بين الطرفين والتعاون في قطاع الطاقة الذي يمثل محورا رئيسيا في العلاقات الثنائية. كما يتوقع أن تبحث القمة آفاق إقرار نظام الدخول بدون تأشيرات على الرحلات القصيرة لمواطني روسيا إلى دول الاتحاد والأخيرة إلى روسيا. ومن المتوقع أن تشمل مجالات النقاشات أيضا سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية إضافة إلى الملفات الخارجية ذي الاهتمام المشترك مثل الأزمة السورية وعملية السلام في الشرق الأوسط والقضية النووية الإيرانية. ويتوقع المراقبون أن تحتل الأزمة الأوكرانية مكانة هامة في المباحثات الأوروبية الروسية حيث أنها لعبت دورا أساسيا في توتر العلاقات بين الجانبين في الآونة الأخيرة. فمنذ قرابة شهرين تشهد أوكرانيا، الجمهورية السوفييتية السابقة، حركة احتجاجات غير مسبوقة ضد نظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش إثر قراره العدول عن توقيع اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي لصالح توطيد العلاقات مع روسيا. ومع تواصل المظاهرات ازدادت حدة الأزمة لتأخذ منعطفا للأسوأ بعد إقرار قوانين تشدد العقوبات بشكل صارم ضد المتظاهرين مما أدى إلى ازدياد التعبئة في صفوف المعارضة المؤيدة لأوروبا وتصاعد الاضطرابات في كييف وغيرها من المدن الرئيسية في أوكرانيا. وانتقد الاتحاد الأوروبي التصعيد العنيف للأزمة في أوكرانيا مطالبا السلطات بضرورة التوصل إلى حل سريع للأزمة والتمهيد لحوار حقيقي بين السلطات والمعارضة والمجتمع المدني". كما حمل الاتحاد الأوروبي مسؤولية تصاعد الأزمة إلى الضغوط التي تمارسها موسكو على كييف ، مبديا دعمه بشكل صريح للمعارضة المناهضة ليانوكوفيتش والمؤيدة لأوروبا. من جانبها أبدت موسكو اعتراضها على الدعم الأوروبي للمعارضة الأوكرانية معتبرة أنه"غير لائق"، مشيرة إلى أنها تأخذ على الاتحاد الأوروبي تدخله كثيرا في شوؤن الدول المنبثقة عن الاتحاد السوفييتي السابق وعلى رأسهم أوكرانيا. وبشكل عام تمارس روسيا ضغوطا قوية على بقية جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة لمنع حدوث أي تقارب اقتصادي أو تجاري مع الاتحاد الأوروبي ، وفي هذا الإطار فرضت روسيا حظرا تجاريا وهددت بخفض إمدادات الغاز في محاولة لإقناع جيرانها بعدم الانضمام للاتحاد الأوروبي وهو ما يكشف إصرارها على التصدي للسياسة الخارجية الأوروبية تجاه دول الكتلة الشرقية. وتعتبر أزمة أوكرانيا خير دليل على نجاح السياسة الروسية في تحقيق هدفها. وقد مرت العلاقات الأوروبية الروسية بمراحل مختلفة من الصعود والهبوط خلال العقدين الماضيين، أي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، غير أن فترات التوتر كانت هي السائدة على علاقات الجانبين. فمن ناحية ينتقد الاتحاد الأوروبي مرارا وتكرارا السياسات الروسية سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، ويرى أن القيادة الروسية بزعامة فلاديمر بوتين قد تراجعت عن القيم والمبادئ المتفق عليها في اتفاق "الشراكة والتعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي" الموقع عام 1994، والذي انتهى مفعوله عام 2007 دون أن يجدد أو يُستبدل باتفاق جديد. من ناحيتها ، تبدي روسيا امتعاضها إزاء عملية توسع الاتحاد الأوروبي نحو الجمهوريات السوفييتية السابقة حيث ترى في ذلك استراتيجية لإزاحتها من منطقة حيوية للغاية لمصالحها كما أنها ترفض السعي الأوروبي لنشر معاييره القيمية والحقوقية ومفهومه لآليات اقتصاد السوق في دول الكتلة الشرقية. والواقع أن هناك الكثير من القضايا التباينية الجادة بين الطرفين، مثل طرق التنمية الاقتصادية وسياسات الطاقة وقضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان والأمن في القارة الأوروبية إضافة إلى سبل التعامل مع الجمهوريات السوفيتية السابقة. وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة بين الجانبين حول العديد من القضايا غير أن علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري تساهم بشكل أو بآخر في توطيد العلاقات الأوروبية الروسية. فقد أصبحت روسيا الشريك الثالث للاتحاد الأوروبي بعد الولاياتالمتحدة والصين، مع تقدير حجم المبادلات بنحو 340 مليار عام 2012 حيث تقدر الصادرات الأوروبية إلى روسيا بنحو 123 مليار يورو بينما تقدر الواردات الروسية بنحو 213 مليار يورو. وتبلغ حصة الاتحاد الأوروبي في التجارة الخارجية الروسية نحو 50 في المئة، وتمثل الطاقة الركيزة الأساسية في العلاقات الاقتصادية للطرفين حيث تصدر روسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي حوالي 80 في المئة من إجمالي صادراتها النفطية ، و70 في المئة من إجمالي صادراتها من الغاز، و50 في المئة من إجمالي صادراتها من الفحم. في المقابل تصدر دول الاتحاد الأوروبي إلى روسيا 18 في المئة من منتجات البتروكيمائيات و10 في المئة من المواد الغذائية وحوالي 45 في المئة السلع الاستثمارية والتكنولوجية من معدات وآلات إلى روسيا. وبناء على ما سبق يتفق المراقبون على أنه بالرغم من أجواء التوتر التي تخيم على القمة الأوروبية الروسية اليوم غير أن المصالح الاقتصادية المشتركة بينهما كفيلة بأن تضفي قدرا من المرونة في مباحثاتهما وتمنع أي تصعيد جديد في العلاقات على خلفية المشكلات السياسية بينهما.