رصدت كاميرا صدي البلد حال قبر العز بن عبد السلام شيخ الإسلام وسط مقابر البساتين,وهو عبارة عن أطلال وأحجار متهدمة بلا سقف,يتوسطها شاهد القبر وأمامه تجويف في أحد الجدران يبدو إلي حد كبير مثل القبلة التي توجد في المساجد. المثير في الأمر أن كثيرين من سكان المنطقة هناك وزوار المقابر لا يعرفون أن هذا قبر العز بن عبد السلام (578-660ه) الفقيه والداعية الإسلامي الذي ولد بدمشق,وهو شافعي المذهب، أشعرى العقيدة، اشتهر باسم العزّ (أي عزّ الدّين) بن عبد السلام. برز في زمن الحروب الصليبية وعاصر الدول الإسلامية المنشقة عن الخلافة العباسية في آخر عهدها. ولعل أبرز نشاطه هو دعوته القوية لمواجهة الغزو المغولي التتري وشحذه لهمم الحكام ليقودوا الحرب على الغزاة، خصوصا قطز قائد جيوش السلطان عز الدين أيبك.وعلاوة على هذا، اشتهر العزّ بالورع والصرامة في دينه، وبقوة شكيمته، وتحمله الشدائد في سبيل مبادئه العليا. وبقيت صورته كذلك إلى يومنا هذا في الذكرة الجماعية للمسلمين. وصل العزّ بن عبد السلام إلى مصر سنة 639ه، فرحّب به الملك الصالح نجم الدين وأكرم مثواه، ثم ولاّه الخطابة والقضاء. وكان أول ما لاحظه العزّ بعد توليه القضاء قيام الأمراء المماليك، وهم مملوكون لغيرهم، بالبيع والإشتراء وقبض الأثمان والتزوّج من الحرائر، وهو ما يتعارض في نظره مع الشرع الإسلامي، إذ هم في الأصل عبيد لا يحق لهم ما يحق للأحرار. فامتنع أن يمضي لهم بيعاً أو شراء، فتألّبوا عليه وشكوه إلى الملك الصالح الذي لم تعجبه بدوره فتوى العزّ، فأمره أن يعْدل عن فتواه، فلم يأتمر بأمره، بل طلب من الملك ألا يتدخل في القضاء إذ هو ليس من شأن السلطان. وأدّى به أنكاهره لتدخّل السلطان في القضاء أن قام فجمع أمتعته ووضعها علي حماره ثم قال: «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها»[1]؟ إشارة منه إلى الآية القرآنية. ويرْوى أنّه تجمّع أهل مصر حوله، واستعدّ العلماء والصلحاء للرحيل معه، فخرج الملك الصالح يترضّاه، وطلب منه أن يعود وينفذ حكم الشرع.[2]). فاقترح العزّ على الأمراء المماليك أن يعقد لهم مجلساً وينادي عليكم (بالبيع) لبيت مال المسلمين[3]. وعندما نصحه أحد أبنائه بأن لا يتعرّض للأمراء خشية بطشهم، ردّ عليه بقوله: «أأبوك أقلّ من أن يُقتل في سبيل الله؟» وفي آخر دولة الأيّوبيين تولت الحكم امرأة هي شجرة الدر، في تجربة تعدّ الثّاثة في تاريخ الإسلام (بعد تولي رضية الدين سلطنة دلهي 634-638ه، وأروى بنت أحمد الصليحي باليمن 492-532ه)وكان العزّ بن عبد السلام من الذين استنكروا الأمر وعارضوه جهرة، لاعتقاده مخالفة ذلك للشرع، ولم يدم حكم شجر الدرّ سوى 80 يوما، إذ تنازلت على عرشها للأمير عزّ الين أيبك الذي تزوّجته وبقيت تحكم من خلاله. وبعد وصول قطز لسدّة الحكم في مصر، وظهور خطر التتار ووصول أخبار فظائعهم، عمل العزّ على تحريض الحاكم واستنفاره لملاقاة التتار الزاحفين. ولما أمر قطز بجمع الأموال من الرّعية للإعداد للحرب، وقف العزّ بن عبد السلام في وجهه، وطالبه ألا يؤخذ شيئا من الناس إلا بعد إفراغ بيت المال، وبعد أن يخرج الأمراء وكبار التجار من أموالهم وذهبهم المقادير التي تتناسب مع غناهم حتى يتساوى الجميع في الأنفاق، فنزل قطز على حكم العزّ بن عبد السلام.