عندما أعلن نبأ اختطاف مسلحين لرئيس الوزراء الليبي علي زيدان من فندق في طرابلس فجر الخميس بدا الأمر وكأن الإسلاميين المتشددين قاموا بانقلاب مفاجئ قد يكون دمويا. لكن تبين في نهاية الأمر أن المسلحين يعملون مع حكومة زيدان الذي عاد إلى عمله بحلول منتصف النهار. وعجزت الابتسامات المتوترة أمام الكاميرات عن إخفاء معالم الفوضى التي أبرزها الحادث الذي وصفه الخاطفون بأنه عملية "لإلقاء القبض" على زيدان ووصفته الحكومة بأنه "اختطاف". وبعد مرور عامين على الانتفاضة المدعومة بحملة جوية غربية والتي أطاحت بالزعيم الليبي معمر القذافي ظلت الجماعات المتناحرة التي يشكلها المعارضون القدامى والميليشيات القبلية هي صاحبة السلطة الحقيقية في مواجهة الحكومة والقوات المسلحة العاجزة عن الدفاع عن نفسها ناهيك عن حقول النفط التي تمثل ثروة ليبيا. وكان من المفترض أن يكون جناح زيدان في فندق كورينثيا المطل على البحر المتوسط هو المكان الأكثر أمانا في طرابلس. ذلك أن المبنى الفخم لا يضم جناح رئيس الوزراء فحسب بل كذلك بعض السفارات والبعثات الأجنبية التي شددت إجراءاتها الأمنية عقب مقتل السفير الأمريكي في ليبيا على يد إسلاميين متشددين قبل عام. ولكن في الساعات الأولى من صباح الخميس اقتحم نحو 15 رجلا مدججين بالسلاح الفندق ومعهم ورقة يقولون إنها مذكرة اعتقال لزيدان. ولم تطلق رصاصة واحدة في العملية واقتاد المسلحون زيدان الذي كان يرتدي ملابس النوم إلى خارج الفندق. وفي وقت لاحق شوهدت صور يظهر فيها زيدان الدبلوماسي السابق والمعارض الذي عاش في المنفى خلال حكم القذافي وهو عابس الوجه ومن حوله رجال يرتدون ملابس مدنية. وسارع مسؤولو الحكومة إلى القول إن رئيس الوزراء تعرض للاختطاف. ولكن حراس الفندق قالوا إنه تم "إلقاء القبض" عليه وأشاروا إلى أن الرجال الذين أخذوه ربما يكونوا من مقاتلي المعارضة السابقين الذين يعملون مع الحكومة. ولا شك أن هذا الحادث لم يكن مفاجئا. ذلك أن الإسلاميين المتشددين في ليبيا حذروا من شن هجمات انتقامية بعد العملية العسكرية التي نفذتها الولاياتالمتحدة لإلقاء القبض على رجل يشتبه أنه من تنظيم القاعدة في طرابلس قبل أيام. وربط المسلحون في أول حديث لهم بعد الحادث بين خطف زيدان واعتقال أبو أنس الليبي المطلوب لضلوعه في هجمات على السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا قبل 15 عاما. غير أن المسلحين لم يكونوا من القاعدة أو الإسلاميين المتشددين بل كانوا بالفعل من مقاتلي المعارضة السابقين المنتمين إلى غرفة عمليات ثوار ليبيا وهي جماعة تتعاون مع وزارة الداخلية ويفترض أنها تعمل على بسط الأمن في العاصمة. ولكن في غضون ساعات أدرك المسلحون أن احتجاز زيدان كان خطأ وبدأوا في البحث عن طريقة للخروج من هذه الأزمة حسبما قالت مصادر سياسية. وأكد متحدث في البداية عملية الخطف ولكنه تراجع بعد ذلك نافيا أن تكون الجماعة على صلة بالحادث. وبدأت المفاوضات عبر سلسلة من المحادثات الهاتفية. ولقي الحادث إدانة من واشنطن وبروكسل وموسكو. وقال نوري أبوسهمين رئيس المؤتمر الوطني الليبي إنه أجرى اتصالا بزعيم الجماعة لطلب إطلاق سراح رئيس الوزراء. وأضاف أن هاتفه كان مغلقا ومن ثم اتصل بنائبه. وأطلق سراح زيدان بعد نحو ست ساعات ولم تتضح بعد تفاصيل الإفراج عنه. وتوجه زيدان إلى اجتماع مع وزراء حكومته في محاولة لإظهار أن الحكومة تسيطر على الأوضاع. وفي تصريحات بثها التلفزيون شكر رئيس الوزراء الميليشيات التي ساهمت في إطلاق سراحه وقال في تصريح مقتضب إن الليبيين يحتاجون إلى الحكمة للتعامل مع هذا الموقف.