يعد الذكر من الأمور التي لا حياة للقلوب دونها، فهو نور الدنيا ومؤنس وحشة القبر ومفرج الضائقة والكرب والشفيع يوم العرض. وقد كشف الدكتور مختار مرزوق عبدالرحيم أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية أصول الدين جامعة الأزهر فرع أسيوط عن بعض فوائد الإكثار من ذكر الله تعالى. ذكر ينير لك الدنيا ويؤنس وحشة القبر وقال مرزوق، إن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط، فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله تعالى. ويشرح ابن القيم رحمه الله تعالى هذه الفائدة العظيمة فيقول ما خلاصته : قال الله تعالى: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} فالأول هو المؤمن استنار بالايمان بالله ومحبته ومعرفته وذكره، والآخر هو الغافل عن الله تعالى المعرض عن ذكره ومحبته، والشأن كل الشأن والفلاح كل الفلاح في النور، والشقاء كل الشقاء في فواته. وتابع في بيانه فوائد ذكر الله تعالى: لهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يبالغ في سؤال ربه تبارك وتعالى حين يسأله أن يجعله في لحمه وعظامه وعصبه وشعره وبشره وسمعه وبصره ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وخلفه وأمامه، حتى يقول واجعلني نورا فسأل ربه تبارك وتعالى أن يجعل النور في ذراته الظاهرة والباطنة، وأن يجعله محيطا به من جميع جهاته، وأن يجعل ذاته وجملته نورا، فدين الله عز وجل نور، وكتابه نور، ورسوله نور، وداره التي أعدها لأوليائه نور يتلألأ، وهو تبارك وتعالى نور السماوات والأرض. ومن أسمائه النور، وأشرقت الظلمات لنور وجهه. وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الطائف «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك، أو ينزل بي سخطك. لك.العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك» كما قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ليس عند ربكم ليل ولا نهار، نور السماوات من نور وجهه. وقد قال تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربها}، فإذا جاء تبارك وتعالى يوم القيامة للفصل بين عباده وأشرقت بنوره الأرض، وليس إشراقها يومئذ بشمس ولا قمر، فإن الشمس تكور والقمر يخسف ويذهب نورهما، وحجابه تبارك وتعالى النور. علي جمعة: الذكر بيئة طيبة تترعرع فيها بقية العبادات دعاء يوم 12 من شهر شعبان.. هذا الذكر يفتح لك الأبواب المغلقة قال أبو موسى: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال «إن الله لا ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه، عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه» ثم قرأ {أن بورك من في النار ومن حولها}. فاستنارة ذلك الحجاب بنور وجهه ولولاه لاحرقت سبحات وجهه ونوره ما انتهى إليه بصره. ولهذا لما تجلى تبارك وتعالى للجبل وكشف من الحجاب شيئا يسيرا ساخ الجبل في الأرض وتدكدك ولم يقم لربه تبارك وتعالى. وهذا معنى قول أبن عباس في قوله سبحانه وتعالى: {لا تدركه الأبصار} . قال: ذلك الله عز وجل، إذا تجلى بنوره لم يقم له شيء. وهذا من بديع فهمه رضي الله تعالى عنه ودقيق فطنته، كيف وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه الله التأويل. وشدد أن الرب تبارك وتعالى يرى يوم القيامة بالأبصار عيانا، ولكن يستحيل إدراك الأبصار له، وأن رأته فالادراك أمر وراء الرؤية، وهذه الشمس ولله المثل الأعلى نراها ولا ندركها كما هي عليه ولا قريبا من ذلك، ولذلك قال ابن عباس لمن سأله.وأورد عليه {لا تدركه الأبصار} فقال: ألست ترى السماء؟ قال: بلى. قال: أفتدركها؟ قال: لا. قال: فالله تعالى أعظم وأجل. وقد ضرب سبحانه وتعالى النور في قلب عبده مثلا لا يعقله إلا العالمون فقال سبحانه وتعالى: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم}. كما قال أبي بن كعب: مثل نوره في قلب المسلم. وهذا هو النور الذي أودعه في قلبه من معرفته ومحبته والايمان به وذكره، وهو نوره الذي أنزله إليهم فأحياهم به وجعلهم يمشون به بين الناس، وأصله في قلوبهم ثم تقوى مادته فتتزايد حتى يظهر على وجوههم وجوارحهم وأبدانهم، بل ثيابهم ودورهم، يبصره من هو من جنسهم وسائر الخلق له منكر. فإذا كان يوم القيامة برز ذلك النور وصار بإيمانهم يسعى بين أيديهم في ظلمة الجسر حتى يقطعوه، وهم فيه على حسب قوته وضعفه في قلوبهم في الدنيا، فمنهم من نوره كالشمس وآخر كالقمر وآخر كالنجوم وآخر كالسراج وآخر يعطي نورا على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفأ أخرى إذا كانت هذه حال نوره في الدنيا فأعطى على الجسر بمقدار ذلك، بل هو نفس نوره ظهر له عيانا، ولما لم يكن للمنافق نور ثابت في الدنيا بل كان نوره ظاهرا لا باطنا أعطى نورا ظاهرا مآله إلى الظلمة والذهاب.