سوليدار أو هدية الملح هي البلدة الأشهر الآن حول العالم، بعد أن أصبحت محور اهتمام وسائل الإعلام العالمية، خلال الأسبوع الماضي، لما تشهده من معركة كبرى بين روسياوأوكرانيا، بعد أن حشدت ترسانتها العسكرية من طائرات وصواريخ، وقوات برية، بل ومرتزقة الفاجنر الشهيرة للسيطرة على تلك البلدة ليصنف الخبراء العسكريين، بأنها أكبر صدام بين الجيشين خلال الحرب الدائرة، فما السر وراء تلك البلدة. ولمن لا يعرف، فإن سوليدار التي كانت معروفة سابقًا باسم كارلو ليكنختوفسك لمدة أربعين عاما (من عام 1965 وحتّى 1991)، هي مدينة تقع في منطقة باخموت الواقعة في مقاطعة دونتسيك في أوكرانيا، وتقع المدينة على بعد 18 كم من مدينة باخموت، وعدد سكانها 10490 وفق تقديرات 2022، وخلال الحرب الحالية، اتخذت سوليدار أهمية اقتصادية كبيرة بسبب ثرواتها الاقتصادية. من يسيطر على سوليدار؟ إنه السؤال الذي يشغل بال كافة وسائل الإعلام، والمتابعين، فحتى الآن لم يتيقين أحد لمن تخضع البلدة من كلا الجيشين، سواء الروسي، أو الأوكراني، ففي الوقت الذي أعلنه فيه الجيش الروسي، فرض سيطرته على المدينة منذ أمس الجمعة، أعلن حاكم منطقة دونيتسك، بافلو كيريلينكو اليوم، إن المدينة تدور بها معارك طاحنة بين قوات كييف والقوات الروسية، ولا تزال تحت سيطرة أوكرانيا، فهذه المدينة القريبة من باخموت هي من أكثر النقاط سخونة على الجبهة"، بحسب وكالة "فرانس برس". وربما خلال الساعات القادمة تتضح حقيقة الوضع على الأرض، وإن كانت كافة المؤشرات ترجح استمرار وجود قتال بداخلها، وهو ما لم تنكره روسيا، ولكنها تبرر ذلك بأنها جيوب صغيرة من الجيش الأوكراني، وهي تقوم بمطاردتها، وهو ما يشير إلى عدم وجود سيطرة تامة لأحد الجيشين على البلدة، وإن كانت معظم مناطقها خاضعة لسيطرة موسكو. أول نجاح روسي كبير منذ شهور ويعد الانتصار الروسي داخل تلك البلدة، التي تشتهر بمناجم الملح شرقي أوكرانيا، هو ما من شأنه أن يكون أول مكسب كبير لموسكو في ساحة المعركة منذ نحو 6 أشهر، وذلك على الرغم من تقليل كييف والغرب من أهمية الاستيلاء على البلدة، وهذا الانتصار جاء بعد أن دفعت روسيا، بموجات متتالية من الجنود والمرتزقة إلى قتال كانت له خسائر فادحة في الأرواح تكبدها الطرفان. وبالرغم من إعلان أوكرانيا، أن تلك البلدة بلا جدوى، وسيطرة روسيا عليها إن تمت، ستكون سيطرة على أرض قاحلة دمرها القصف، وهي منطقة من غير المرجح أن تؤثر في الحرب الأشمل، إلا أن ضراوة الدفاع للجيش الأوكراني عنها، وحجم الحشد الروسي لها يعكس أمرا مختلفا .. فما السر وراء ذلك؟ تلك أهمية البلدة بالنسبة إلى الدفاع الروسية وعن هذا الأمر قالت وزارة الدفاع الروسية إن الاستيلاء على سوليدار يمكنه قطع طرق الإمدادات الأوكرانية إلى مدينة باخموت القريبة الأكبر حجما، وحصار القوات الأوكرانية المتبقية هناك. وتحاول روسيا الاستيلاء على باخموت منذ شهور في حرب ضارية. وعلى مدار أشهر، تشن روسيا ضربات مكثفة على مدينة باخموت شرقي أوكرانيا، حيث تضع أوكرانيا قوات وعتادا وتحصينات من أجل منع سيطرة موسكو على المدينة، ووصفتها وسائل إعلام غربية بأنها "مفرمة لحم"، حيث تحولت باخموت في الوقت الراهن إلى ساحة المعركة الرئيسية في الحرب، واعتبرها محللون "نقطة حاسمة معنويا" بالمعارك شرقي أوكرانيا، و"أي اختراق هناك سيسمح للقوات الروسية بالتقدم أكثر خلف الخطوط الأوكرانية". نقطة انطلاق فيما يرى الباحث المتخصص في الشأن الدولي، أحمد العناني، وفقا لما نشرته "سكاي نيوز"، أن الانتصارات التي حققها الجيش الروسي ضد نظيره الأوكراني والميليشيات في سوليدار على مدار الساعات الأخيرة، تعد الانتصار الأهم للجانب الروسي، فهذا الانتصار مكسب جيواستراتيجي لروسيا من أجل رفع عزيمة جنودها بعد ضربات كبيرة تعرضت لها في الأشهر الماضية. وعن أسابه لهذا الوصف يقول العناني، إن أهميتها تأتي كأول معركة تبدأ فيها روسيا في توظيف قوات فاجنر بشكل صحيح وسليم في المنطقة الشرقية، والانتصار أيضا يعطي دفعة قوية لقوات روسيا لإحراز مزيد من التقدم في الجبهات والمدن الأخرى، فسوليدار على بعد 10 كيلومترًا من باخموت، فهي تقع في وسط خط دفاع سيفيرسك، وستسمح السيطرة على باخموت بالتحرك نحو المدن الكبيرة التي ما زالت تسيطر عليها كييف في دونباس، مثل سلافيانسك وكراماتورسك، لذلك ستكون نقطة انطلاق جديدة للجيش الروسي داخل أوكرانيا. أهمية السيطرة على سوليدار تتميز مدينة سوليدار بتلالها المرتفعة التي تمنحها ميزة الإشراف على خطوط الإمداد الإستراتيجية بين منطقتي لوغانسك ودونيتسك، والاستيلاء عليها يعني تطويق مدينة باخموت من الشمال وتعطيل خطوط الاتصال الأوكرانية. وتحدث العميد أبي نادر في تصريحات إعلامية، عن أهمية السيطرة على منطقة سوليدار من نواحٍ عديدة، قائلاً: "من الناحية العسكرية، هي بلدة كان يضع فيها الأوكرانيون بنية عسكرية متماسكة، والسيطرة عليها هي خسارة للأوكرانيين على الجبهة الشرقية، إذ أتلفت المعركة معدات عسكرية خاصة بهم، وفقدوا الكثير من جنودهم، أي أنّ خسائر أوكرانيا كانت فادحة في هذه المنطقة على الصعيدين المادي والبشري". من الناحية الجغرافية، فإن سوليدار هي منطقة تتوسط سيفرسك، التي ما زالت تحت سيطرة الأوكرانيين، ومدينة باخموت، وإذا اكتملت السيطرة عليها وتقدم الجيش الروسي غرباً، فإنه يستطيع أن يقسم جبهة الدفاع الأوكرانية إلى شطرين، وتصبح هناك إمكانية للضغط شمالاً عبر سوليدار نحو الجنوب، وإكمال الحصار على باخموت التي تعد أيضاً رئيسية، وهي عقدة طرق رئيسية بين مدن مهمة. هل كانت القرية مركز تدريب لخبراء بريطانيين؟ ويبدو أن لتلك البلدة أهمية اخرى كشفت عنها بعد الأنباء التي تتحدث عن وجود ضحايا من عسكريين بريطانيين، وهو ما يشير إلى احتمالية أن البلدة بالفعل كانت نقطة مركزية لتدريب الجيش الأوكراني، حيث قال الخبير العسكري الروسي العقيد فيتالي كيسيليوف، إن المرتزقة البريطانيين الذين قتلوا في سوليدار، كانوا على الأغلب في صفوف لواء المغاوير رقم 77 التابع للقوات الأوكرانية، وفق ما نشرته روسيا اليوم. وأعرب الخبير عن اعتقاده، بأن هؤلاء المرتزقة – وفقا لوصفه - عملوا هناك كمدربين أو كمراقبين، وأضاف "شارك اللواء رقم 77، الذي يعتبر من قوات النخبة في الجيش الأوكراني، في الدفاع عن سوليدار، ويلفت النظر أن العديد من ضباط وصف ضباط هذا اللواء، تدربوا في بريطانيا، وعلى الأغلب كان المرتزقة البريطانيون، الذين قتلوا في سوليدار، إما مدربين مشرفين على العمل في هذا اللواء أو مراقبين. ولكنهم في كل الأحوال كانوا متواجدين في صفوف هذه الوحدة القتالية". سبب محاولة روسيا السيطرة على هذه المنطقة يبدو أن هناك اتفاق بين الخبراء العسكريين، أن معركة بلدة سوليدارهي نقطة انطلاق للجيش الروسي للسيطرة على منطقة دونباس، وهنا يكون التساؤل عن مدى أهمية تلك المنطقة في الحرب الروسية الاوكرانية، خصوصا إذا علمنا أنه منذ إبريل 2022، قامت روسيا بنقل معظم جهدها الحربي إلى شرق أوكرانيا بعد سحب قواتها من قرب العاصمة الأوكرانية كييف، لتبدأ من بعدها المعركة على المنطقة المعروفة باسم دونباس. ودونباس هي منطقة إنتاج الفحم والصلب القديمة في أوكرانيا، ووفقا لرؤية الجيش الروسي، فإن تلك المنطقة تعني جمل منطقتين شرقيتين كبيرتين هما لوهانسك ودونيتسك واللتين تمتدان من خارج ماريوبول في الجنوب وصولا إلى الحدود الشمالية، وهذا الجزء أغلب ساكنيه ينطق بالروسية أكثر من الأوكرانية، ولذلك تعتبرها موسكو روسية أكثر منها أوكرانيا. وعندما بدأت الحرب، كان ما يقرب من ثلثي المناطق الشرقية في أيدي الأوكرانيين، أما الباقي، فقد كان يديره وكلاء روسيا والذين أقاموا دويلات مدعومة من موسكو خلال حرب بدأت قبل 8 سنوات، وقبل اندلاع الحرب بقليل، اعترف الرئيس الروسي بوتين باستقلال المنطقتين الشرقيتين عن أوكرانيا. وإذا احتلت روسيا كلتا المنطقتين الكبيرتين سيحقق فلاديمير بوتين نوعا من الإنجاز في هذه الحرب، وستكون الخطوة التالية بعد ذلك هي إلحاق دونباس بروسيا، تماما كما فعل مع شبه جزيرة القرم بعد استفتاء يفتقد إلى المصداقية في عام 2014. يعتقد الجيش الأوكراني أن بوتين يريد السيطرة الكاملة ليس فقط على دونباس ولكن أيضا على منطقة خيرسون الجنوبية والتي تقع في شمال وغرب شبه جزيرة القرم فمن شأن ذلك أن يمنحه جسرا بريا على طول الساحل الجنوبي إلى الحدود الروسية والسيطرة على إمدادات المياه لشبه جزيرة القرم.