لا يشبه رمضان في حلب، شمال سوريا، هذا العام أي رمضان سبق أن عاشته العاصمة الاقتصادية للبلاد وأهلها. فالزينة الرمضانية التي اعتادت أن تكتسي بها في أول أيام الشهر الفضيل، استبدلتها ثاني أكبر المدن السورية بكم هائل من الدمار والخراب الذي طال مبانيها وبناها التحتية، وضحكات الأطفال وتهليلاتهم بقدوم الضيف الكريم والمكرم غابت هذا العام عن الشوارع وحلّ مكانها دوي الانفجارات الهائلة التي حولت أحلام أولئك الأطفال من وردية الى حمراء قاتمة بلوم الدم الذي سال ويسيل في البلاد منذ أكثر من عامين. ومنذ مارس 2011، تطالب المعارضة السورية بإنهاء أكثر من 40 عامًا من حكم عائلة بشار الأسد. إلا أن النظام السوري اعتمد الخيار العسكري لوقف الاحتجاجات؛ مما دفع سوريا إلى معارك دموية بين القوات النظامية التي تدعمها إيران وحزب الله اللبناني ضد قوات المعارضة التى يدعمها الغرب؛ حصدت أرواح أزيد من 100 ألف شخص، فضلا عن ملايين النازحين واللاجئين، ودمار واسع في البنية التحتية، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. "حالة كبيرة من الحسرة والحزن يعيشها أهالي حلب الذين غزوا الأسواق لشراء وتخزين ما يمكن تخزينه من مواد غذائية أول أيام الشهر المبارك، إلا أنهم فوجئوا في أحيان كثيرة بنفادها وبالمحلات المغلقة"، هكذا يصف محمد الحلبي، الناطق باسم اتحاد تنسيقيات الثورة السورية في حلب ،إحدى التنسيقيات الإعلامية التابعة للمعارضة، المشهد المعقّد التي عاشها أهالي حلب في أول أيام شهر رمضان. ويضيف الحلبي في حديث مع وكالة "الأناضول": "لحوم الدجاج والخراف لم تعد متوفرة بالأسواق؛ وبالتالي معظم المطاعم أغلقت أبوابها، كما أن معظم الأفران في حلب لا تعمل إلا قلة قليلة يقف أمامها الآلاف من المدنيين في طوابير طويلة ويتحكم في إنتاجها الجيش والشبيحة في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الجيش الحر، وتباع الربطة (تحتوي على 8 أرغفة) في السوق السوداء خارج الفرن ب 300 ليرة (أي ما يعادل دولار أمريكي واحد بسعره الحالي أمام الليرة السورية و6 دولارات بسعره قبل الثورة والذي كان يبلغ 50 ليرة فقط) وأحياناً تتجاوز سعرها تلك القيمة في حين أنها من المفترض أن تباع بسعر لا يتجاوز 20 ليرة فقط حسب تسعيرة حكومة النظام." حال محلات الصاغة والمجوهرات كحال باقي المحلات، فقد أغلقت أبوابها بعد ارتفاع سعر غرام الذهب إلى 11000 ليرة سورية، أي حوالي 36 دولارا أمريكيا (بسعر صرف يبلغ 300 ليرة سورية للدولار الواحد)، ويقول الحلبي: "معظم شركات الحوالات والصرافة أغلقت كذلك بعد ملاحقة النظام لها، وذلك بعد وصول سعر صرف الدولار إلى 300 ليرة أما سعر إسطوانة الغاز فيبلغ 8000 ليرة (26 دولاراً بسعر الصرف الحالي)، ولتر البنزين 1200 ليرة (4 دولارات). أما الخضروات اللازمة لإعداد صحن الفتوش الرمضاني الشهير، فمعظمها غير متوفر كالبقدونس والخس والنعناع والكوسا، وكذلك كثير من الفواكه التي أصبحت من الرفاهية في ظل الظروف المعاشية الصعبة التي يعاني منها المواطن السوري بعد أكثر من 27 شهراً على الصراع في البلاد. ويبقى وضع الماء والكهرباء سيئ جداً في المدينة بسبب إصرار النظام على قطعها عن الأهالي كعقوبة جماعية لهم بسبب موقفهم المعارض له، ما ينذر، ودائما بحسب الحلبي، بكارثة إنسانية وشيكة ستحل بأهالي حلب. وتشن قوات النظام السوري على محافظة حلب وخاصة الريف الشمالي منها، حملة عسكرية ضخمة بغية استعادة مناطق واسعة خاضعة لسيطرة الجيش السوري الحر منذ أكثر من عام، ويعاني المدنيون في قرى ومدن المحافظة ظروفاً معيشية صعبة بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه تلك القوات عليها بغية التضييق على الجيش الحر وإفقاده القاعدة الشعبية .