أبرز تصريحات رئيس الوزراء: لا أعباء جديدة على المواطن حتى نهاية البرنامج مع صندوق النقد    إيران توقف سفينة محملة ب 4 ملايين لتر من الوقود المهرب وتعتقل كامل أفراد الطاقم    أحمد عبد الرؤوف يعلن قائمة الزمالك لمواجهة سموحة في كأس عاصمة مصر    حيثيات رفض دعوى عفاف شعيب ضد محمد سامي بتعويض 5 ملايين جنيه    هو إحنا هناكل طرق وكباري، مستشار رئيس الوزراء يجيب (فيديو)    محافظ القليوبية: انتهاء توريد الأجهزة الطبية لمستشفى طوخ المركزي    بعد إخلاء سبيله.. دفاع شاكر محظور تسديد نص مليون جنيه وإنهاء خروجه غدا    أسرة طارق الأمير تتلقى العزاء الجمعة فى مسجد آل رشدان بمدينة نصر    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    10 آلاف متسابق ومتسابقة يحصلون على جوائز مالية في النسخة العاشرة من سباق زايد الخيري في مصر    رحمة وسلام    "التضامن": 54 مليار جنيه دعم تكافل وكرامة.. و4.7 مليون أسرة مستفيدة    لجنة الدراما بالمجلس الأعلى للإعلام تستضيف السيناريست أيمن سلامة    اشتياق.. تحذير.. شكر وتقدير    شاهد، قداس الأقباط الكاثوليك احتفالًا بعيد الميلاد في المنيا    وسرحوهن سراحا جميلا.. صور مضيئة للتعامل مع النساء في ضوء الإسلام    مسؤول روسي: موسكو تصبح مركزا رئيسيا لإنتاج المسيرات للجيش الروسي    بحضور مستشار رئيس الجمهورية.. تنظيم اليوم السنوي الأول لقسم الباطنة العامة بطب عين شمس    رئيس جامعة الأزهر: لدينا 107 كليات بجميع المحافظات و30 ألف طالب وافد من 120 دولة    كوت ديفوار ضد موزمبيق.. شوط سلبي في كأس أمم إفريقيا    رئيس الكنيسة الأسقفية يدعو المؤمنين لصلاة الاستعداد ضمن طقوس قداس الميلاد    أمين مساعد حماة الوطن بالجيزة: استمرار قوافل زاد العزة يؤكد ثبات الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية    رئيس الوزراء: مصر كانت بتتعاير بأزمة الإسكان قبل 2014.. وكابوس كل أسرة هتجيب شقة لابنها منين    رئيس جامعة المنصورة ونائب وزير الصحة يوقِّعان بروتوكولًا لتعزيز التطوير والابتكار    القبض على المتهم بإنهاء حياة والدته بسبب مشغولات ذهبية بالمنيا    بالأسماء.. مصرع شخص وإصابة 18 آخرين إثر انقلاب ميكروباص في أسوان    مدرب بنين: قدمنا أفضل مباراة لنا رغم الخسارة أمام الكونغو    ليفربول يجتمع مع وكيل محمد صلاح لحسم مستقبله    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    محافظ قنا يعقد اجتماعًا موسعًا للاستعداد لانطلاق الموجة ال28 لإزالة التعديات    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    السكة الحديد: تسيير الرحلة ال41 لنقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية    تقارير: نيكولاس أوتاميندي على رادار برشلونة في الشتاء    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    الصحة تواصل العمل على تقليل ساعات الانتظار في الرعايات والحضانات والطوارئ وخدمات 137    جامعة قناة السويس تعلن أسماء الفائزين بجائزة الأبحاث العلمية الموجهة لخدمة المجتمع    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    النائب محمد رزق: "حياة كريمة" نموذج للتنمية الشاملة والتحول الرقمي في مصر    كوت ديفوار تواجه موزمبيق في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025.. التوقيت والتشكيل والقنوات الناقلة    محافظ قنا يستقبل وفد وزارة العدل لمتابعة مشروعات تطوير مكاتب الشهر العقاري    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    عفت محمد عبد الوهاب: جنازة شقيقى شيعت ولا يوجد عزاء عملا بوصيته    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    190 عامًا من التشريع لرعاية الأطفال.. كيف تصدرت مصر حماية الطفولة عالميا؟    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    قرار جمهوري بتجديد ندب قضاة للجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية    محافظ الجيزة يتابع الاستعدادات النهائية لإطلاق القافلة الطبية المجانية إلى الواحات البحرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    "البحوث الزراعية" يحصد المركز الثاني في تصنيف «سيماجو» لعام 2025    ضياء السيد: إمام عاشور غير جاهز فنيا ومهند لاشين الأفضل أمام جنوب إفريقيا    وزيرا التعليم العالى والشباب يكرمان الطلاب الفائزين فى بطولة برشلونة    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    رئيس شعبة المصورين: ما حدث في جنازة سمية الألفي إساءة إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يجوز صيام شهر رجب؟.. والأحاديث الواردة فيه
نشر في صدى البلد يوم 30 - 01 - 2022

هل يجوز صيام شهر رجب؟ لأن بعض الناس يذكرون أن تخصيص شهر رجب بالصيام بدعة محرمة، وأن الفقهاء الذين استحبوه -كالشافعية- مخطؤون، وهم قد استندوا في قولهم هذا لأحاديث ضعيفة وموضوعة، فهل هذا صحيح؟
قالت دار الافتاء، إن الصحيح عند جمهور الفقهاء استحباب التنفل بالصيام في شهر رجب كما هو مستحب طوال العام، والصوم في رجب بخصوصه وإن لم يصح في استحبابه حديثٌ بخصوصه، إلا أنه داخلٌ في العمومات الشرعية التي تندب للصوم مطلقًا، فضلًا عن أن الوارد فيه من الضعيف المحتمل الذي يُعمل به في فضائل الأعمال.
وأضافت: رَجَب من الأشهر الحُرُم التي ذكرها الله عَزَّ وجَلَّ في مُحكم التنزيل؛ حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: 36]، وهذه الأشهر هي: ذو القَعدة، وذو الحِجة، والمُحَرَّم، ورَجَب، كما بينتها السنَّة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام؛ حيث روى الإمامان البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِى بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ». وهذه الأشهر الحرم هي أشرف الشهور، بالإضافة إلى شهر رمضان، وهو أفضلها مطلقًا. انظر: "حاشية الشرقاوي على التحرير" (1/ 426، ط. دار إحياء الكتب العربية، فيصل الحلبي).
وأوضحت دار الافتاء: ورجب كان من الشهور الْمُعَظَّمة عند العرب؛ فأكثَروا من أسمائه على عادتهم في أنهم إذا هابوا شيئًا أو أحبوه أكثروا من أسمائه، وكثرة الأسماء تدلُّ على شرف المسمَّى، أَو كمالِه في أَمر من الأمور، كما ذكره العلامة الفيروز آبادي في "بصائر ذوي التمييز" (1/ 88، ط. المجلس الأعلى للشئون الإسلامية)، وقد أورد العلامة ابن دحية الكلبي ثمانية عشر اسمًا من أسمائه في كتابه "أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب" (ص: 30، ط. المكتب الإسلامي)، منها: الفرْد؛ لأنَّ الأشهر الحرم الأُخر وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، وَالمحرّم متتابعة، وَرجب فرد، ومنها الأصم؛ لأنَّه ما كان يُسمع فيه قعقَعة سلاح؛ لتعطيلهم الحَرب فيه، إلى غير ذلك من بقية الأسماء التي ذكرها ابن دحية.
وقد جمع الإمام أبو محمد الحسن الخَلَّال جملة مما ورد في فضائل شهر رجب، ولابن عساكر جزء في فضل رجب، وللعلامة ابن دحية الكلبي كتابه: "أداء ما وجب" الذي سبقت الإشارة إليه، وجمع الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضًا جملة مما ورد في فضل رجب وبيَّن درجتها في "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب"، وقد أفرد الكلام عليه باستيعاب أيضًا الحافظ ابن رجب الحنبلي في "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف".
ومما ورد في فضل رجب من السُنَّة: ما رواه النسائي وغيره من حديث سيدنا أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ». قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تبيين العجب" (ص: 12): [فهذا فيه إشعار بأنَّ في رجب مشابهة برمضان وأن الناس يشتغلون من العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان؛ لذلك كان يصومه صلى الله عليه وآله وسلم، وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل رجب، وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم] اه.
ومما ورد في فضل صيام شيء منه: ما رواه الإمام أبو داود عن مجيبة الباهليَّة، عن أبيها، أو عمها، أنَّه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمَّ انطلق، فأتاه بعد سنة، وقد تغيرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله، أما تعرفني؟ قال: «وَمَنْ أَنْتَ؟» قال: أنا الباهلي، الذي جئتك عام الأول، قال: «فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟»، قال: ما أكلت طعامًا إلا بليل منذ فارقتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟»، ثم قال: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ»، قال: زدني؛ فإن بي قوة، قال: «صُمْ يَوْمَيْنِ»، قال: زدني، قال: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، قال: زدني، قال: «صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ»، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها، ثم أرسلها.
وما رواه الإمام البيهقي في "فضائل الأوقات" عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا سَقَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ».
لكن هذه الأحاديث لا يصح منها شيء، بل لا يصح شيء في هذا الباب كما ذكر الحافظ؛ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تبيين العجب" (ص: 11): [لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديثٌ صحيحٌ يصلح للحجة] اه.
وروى الإمام البيهقي عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: "في الجنة قصر لصُوَّام رجب". قال الإمام أحمد: "وإن كان موقوفًا على أبي قلابة وهو من التابعين، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ عمن فوقه ممن يأتيه الوحي، وبالله التوفيق".
وتلك الأحاديث الواردة في صومه أو صوم شيء منه وإن كانت ضعيفة فإنَّها مما يعمل به في فضائل الأعمال على ما هو المقرر عند عامة العلماء في مثل ذلك، كما نقله الإمام النووي وغيره؛ قال الإمام النووي في كتابه "الأذكار" (ص: 8، ط. دار الفكر): [قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا] اه.
وقال في "التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث" (ص: 48، ط. دار الكتاب العربي): [ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من الضعيف والعمل به من غير بيان ضعفه في غير صفات الله تعالى، والأحكام؛ كالحلال والحرام وغيرهما، وذلك كالقصص، وفضائل الأعمال، والمواعظ، وغيرها مما لا تعلق له بالعقائد والأحكام، والله أعلم] اه.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 54، ط. المكتبة الإسلامية): [تقرر أن الحديث الضعيف والمرسل والمنقطع والمعضل والموقوف يعمل بها في فضائل الأعمال إجماعًا، ولا شك أن صوم رجب من فضائل الأعمال فيكتفى فيه بالأحاديث الضعيفة ونحوها، ولا ينكر ذلك إلا جاهل مغرور] اه.
وحتى لو لم يرد في الباب هذه النصوص الضعيفة فإنَّ النصوص الصحيحة الأخرى العامَّة التي تُرَغِّب في الصيام التطوعي مطلقًا تكفي في إثبات المشروعيَّة؛ إذ إن القاعدة عندهم أن العام يبقى على عمومه، والمطلق يجري على إطلاقه حتى يأتي مخصص أو مقيد. انظر: "البحر المحيط" للعلامة الزركشي (5/ 8، ط. دار الكتبي)، و"التلويح على التوضيح" للعلامة التفتازاني (1/ 117، ط. مكتبة صبيح).
ومن هذه النصوص الصحيحة: ما رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»، وما رواه الإمام أحمد عن صدقة الدمشقي أن رجلًا جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن الصيام، فقال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الصِّيَامِ صِيَامَ أَخِي دَاوُدَ؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا».
وقد ذكر الفقهاء هذا الاستحباب وقرروه في كتبهم، وهو مذهب الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، ومن نصوص الأحناف ما جاء في "الفتاوى الهنديَّة" (1/ 202، ط. دار الفكر): [(المرغوبات من الصيام أنواع): أولها: صوم المحرم. والثاني: صوم رجب. والثالث: صوم شعبان وصوم عاشوراء] اه.
وأمَّا السادة المالكيَّة: فقد جاء في "مختصر خليل" و"شرحه" للشيخ الدردير (1/ 516، ط. دار الفكر): [(و) ندب صوم (المحرم ورجب وشعبان) وكذا بقية الحرم الأربعة، وأفضلها المحرم، فرجب، فذو القعدة، والحجة] اه.
وأمَّا السادة الشافعية: فقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (1/ 432، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(وأفضل الأشهر للصوم) بعد رمضان: الأشهر (الحرم)؛ ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب؛ لخبر الإمام أبي داود وغيره: «صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ»، وإنَّما أمر المخاطب بالترك؛ لأنَّه كان يشق عليه إكثار الصوم، كما جاء التصريح به في الخبر، أمَّا من لا يشق عليه: فصوم جميعها له فضيلة، (وأفضلها المحرم)؛ لخبر مسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ»، (ثَّم باقيها)، وظاهره استواء البقية، والظاهر تقديم رجب؛ خروجًا من خلاف من فَضَّله على الأشهر الحُرُم، (ثمَّ شعبان)] اه.
وأمَّا السادة الحنابلة فقالوا بكراهة إفراده بالصوم، وهذا من مفردات مذهبهم، وهذه الكراهة تنتفي بفطر بعضه ولو يوم واحد، أو بصوم شهر آخر من السنة معه، حتى وإن كان ذلك الشهر ليس تاليًا له. انظر: "الإنصاف" للعلامة المرداوي (3/ 346-347، ط. دار إحياء التراث العربي).
وقد ذكر الحافظ ابن الصلاح في "فتاويه" (ص: 80، ط. مكتبة العلوم والحكم): أن من صام رجب كله لم يُؤَثِّمْهُ بذلك أحد من علماء الأمة.
وشنع العلامة ابن حجر الهيتمي على من ادعى تحريم صيام رجب في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 53)؛ حيث سئل رحمه الله تعالى عن ذلك، فقال: [أمَّا استمرار هذا الفقيه على نهي الناس عن صوم رجب فهو جهل منه وجزاف على هذه الشريعة المطهرة، فإن لم يرجع عن ذلك وإلا وجب على حُكّام الشريعة المطهرة زجره وتعزيره التعزير البليغ المانع له ولأمثاله من المجازفة في دين الله تعالى، وكأن هذا الجاهل يغتر بما روي من أن جهنم تسعر من الحول إلى الحول لصوام رجب، وما درى هذا الجاهل المغرور أن هذا حديث باطل كذب لا تحل روايته، كما ذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح، وناهيك به حفظًا للسنة وجلالة في العلوم] اه.
ثم نقل فتوى سلطان العلماء العز بن عبد السلام في الرد على ما نقل عن البعض في المنع من صيام رجب؛ فقال: [سئل رحمه الله تعالى عما نقل عن بعض الْمُحَدِّثين مِن مَنْع صوم رجب وتعظيم حرمته، وهل يصح نذر صوم جميعه؟ فقال في جوابه: نذر صومه صحيح لازم يتقرب إلى الله تعالى بمثله، والذي نهى عن صومه جاهل بمأخذ أحكام الشرع، وكيف يكون منهيًّا عنه مع أن العلماء الذين دونوا الشريعة لم يذكر أحد منهم اندراجه فيما يكره صومه؟! بل يكون صومه قربة إلى الله تعالى؛ لما جاء في الأحاديث الصحيحة من الترغيب في الصوم؛ مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَقُولُ اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصَّوْمَ»، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»، وقوله: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الصِّيَامِ صِيَامَ أَخِي دَاوُدَ؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» وكان سيدنا داود عليه السلام يصوم من غير تقييد بما عدا رجبًا من الشهور، ومن عظم رجبًا بجهة غير ما كانت الجاهلية يعظمونه به فليس مقتديًّا بهم، وليس كل ما فعلوه منهيًّا عن فعله، إلا إذا نهت الشريعة عنه، أو دلت القواعد على تركه، ولا يترك الحق لكون أهل الباطل فعلوه، والذي ينهى عن صومه جاهل معروف بالجهل، ولا يحل لمسلم أن يقلده في دينه؛ إذ لا يجوز التقليد إلا لمن اشتهر بالمعرفة بأحكام الله تعالى وبمآخذها، والذي يضاف إليه ذلك بعيد عن معرفة دين الله تعالى، فلا يقلد فيه، وَمَنْ قَلَّدَهُ غُرَّ بِدِينِهِ] اه.
وما ذُكِر في السؤال من كون الشافعيَّة قد استدلوا على استحباب صوم رجب بحديثٍ موضوعٍ: فباطل غير صحيح؛ قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/ 54): [روي في فضل صومه أحاديث كثيرة موضوعة، وأئمتنا وغيرهم لم يعولوا في ندب صومه عليها حاشاهم من ذلك]اه.
وينبغي أن يحرص المسلم على العمل بفضائل الأعمال التي منها صيام رجب سواء كله أو بعضه، ولو مرّة واحدة في العمر؛ ليكون من أهل ذلك الفضل؛ قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 8): [اعلم أنَّه ينبغي لمن بلغه شيء في فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرّة واحدة؛ ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقًا، بل يأتي بما تيسر منه؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق على صحته: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بشيءٍ فأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطعْتُمْ»] اه.
وبناءً عليه: فإنه يستحب صيام شهر رجب، وهو وإن لم يصح في استحباب صيامه حديثٌ بخصوصه، إلا أن صيامه داخلٌ في العمومات الشرعية التي تندب للصوم مطلقًا، فضلًا عن أن الوارد فيه من الضعيف المحتمل الذي يُعمل به في باب الفضائل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.