لا تزال السياسات الخارجية للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن لم تتبلور بعد، وبدا أن الأشهر الأولى لإدارته أعطت إيران الضوء الأخضر لإرتكاب ما تشاء من التصرفات في المنطقة لتشعلها من جديد، بحسب وصف العديد من المحللين والمراقبين، وذلك بسبب النهج المتساهل والمتردد حيال طهران التي تأخذ زمام المبادرة حتى الآن مرة تلو الأخرى ولا تلقى ردعًا من قبل واشنطن. ومن ناحية إيران، تجد طهران أن سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة تمثل فرصة لا يجب تفويتها بالنسبة لها. وقال هادي برهاني، أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة طهران إن على إيران استغلال فرصة سياسة بايدن في الشرق الأوسط لحل المشاكل والصراعات. وأضاف رهاني لصحيفة "انتخاب" الإيرانية، أن "هذه الفرصة لن تدوم إلى الأبد، حيث يمكن أن يؤدي عدم الاستفادة من هذه الفرصة إلى أضرار جسيمة وندم شديد. وزعم:"شهد الشرق الأوسط تطورات مهمة في وقت قصير منذ وصول بايدن. قطر والسعودية تصالحتا. قطر ومصر أيضا على وشك المصالحة. لقد تقاربت تركيا من مصر والسعودية، وهذا هو الأساس لحل الخلافات بين الكتلتين الإخوانيتين والسعودية في المنطقة. من المرجح أن تمهد هذه التسوية الطريق للسلام والاستقرار في ليبيا. لقد توقف التطبيع مع إسرائيل في المنطقة. دول تطبيع مثل المغرب والإمارات تشعر بالضرر. إدارة بايدن تلغي وعود ترامب لما بعد التطبيع مع إسرائيل من جدول الأعمال. أوقفت بيع مقاتلات F-35 للإمارات، ولن تدعم الولاياتالمتحدة موقف المغرب بشأن الصحراء الغربية". ويشار إلى أن حديث إدارة بايدن بشأن الإمارات والمغرب لم تخرج بصيغة قرارات، بل في سياق مراجعة الإدارة الجديدة لسياسات الإدارة السابقة، لذا فإن قضيتي مقاتلات إف 35 والصحراء الغربية لا تزالا محل مراجعة من واشنطن. وادعى:"السبب الرئيسي هو سياسة بايدن المختلفة في الشرق الأوسط. تختلف هذه السياسة اختلافًا جوهريًا عن سياسة ترامب في الشرق الأوسط. بايدن غير مستعد للتضحية بالمصالح الوطنية الأمريكية من أجل السياسات الإقليمية لتل أبيب والرياض (يقصد المضادة لإيران). يعرف بايدن أن الولاياتالمتحدة خسرت الكثير في العالم بسبب دعمها لإسرائيل والسعودية. تم التشكيك في مكانة الولاياتالمتحدة ومكانتها العالمية في عهد ترامب. ترامب انتهك قرارات الأممالمتحدة والقانون الدولي من أجل إسرائيل. يسعى بايدن إلى إصلاح الولاياتالمتحدة وإعادة الولاياتالمتحدة إلى وضعها السابق كدولة يثق بها الحلفاء، وخاصة مواطني الغرب". واعتمد برهاني في حديثه ذلك على الإشارات المتشددة تجاه السعوية التي أصدرتها إدارة بايدن خلال الانتخابات الرئاسية، والتي اختلفت الآن وأدركت أن السعودية حجر رئيس لأي سياسة أمريكية في الشرق الأوسط، وهو ما ظهر من خلال تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن وغيره من مسؤولي الإدارة بأن العلاقات بين أمريكا والسعودية لم تختلف. وأوضح برهاني أن:"سبب مهم آخر للتطورات هو أن دول الشرق الأوسط أدركت أن بايدن انتهج سياسة مختلفة في الشرق الأوسط. لقد أدركوا أن الشرق الأوسط يسير على طريق مختلف. بايدن، على عكس ترامب، لا يسعى لتصعيد الصراع في المنطقة. يرى بايدن السلام والمصالحة في الشرق الأوسط في مصلحة الولاياتالمتحدة. لذلك، اقتربت دول المنطقة من هذه الفرصة وسعت إلى حل خلافاتها. تقترب العديد من الصراعات الطويلة الأمد في الشرق الأوسط من نهايتها". وتابع:"يبدو أن إيران متخلفة عن الركب. تستغل دول المنطقة الفرصة الحالية لحل المشاكل، لكن إيران حتى الآن لم تستغل هذه التطورات بشكل جدي. لا تزال مشاكل إيران الإقليمية دون حل ولا تزال مسافة إيران عن الدول الأخرى في المنطقة كبيرة. علاقات جديدة وترتيبات جديدة تتشكل في المنطقة". وحذر:"إذا لم تكن إيران في هذه الترتيبات أو تأخرت في الوصول إليها، فلن تحصل على فوائد جدية. هذه الترتيبات والتطورات لن تنتظر إيران. كما نرى المنطقة تشهد تحركات جديدة. يتم حل النزاعات الكبيرة في المنطقة. علاقات جديدة تتشكل، لكن إيران بقيت بلا قبعة. على ما يبدو، لا تزال إيران لا تصدق أن سياسة بايدن مختلفة في الشرق الأوسط وأنه يستمر في العمل بالنهج ذاته الذي كان في عهد ترامب. أو أنها تفهم وتصدق ولكنها مترددة في اتخاذ إجراء للاستفادة من الفرصة الحالية. ومع ذلك، ليس لديها السرعة اللازمة للاستفادة من الوضع الحالي. لا تزال خلافات إيران مع دول المنطقة قوية. هذه الفرصة لن تدوم إلى الأبد. يمكن أن يؤدي عدم الاستفادة من هذه الفرصة إلى أضرار جسيمة وندم شديد". منذ قدوم إدارة بايدن بدا أنها تسعى لتهدئة التوترات في المنطقة وخاصة في اليمن، حيث رفعت جماعة الحوثي الموالية لإيران من قائمة واشنطن للجماعات الإرهابية، للتمهيد لحل سياسي، لكن إيران وجهت الحوثيين لرفع وتيرة الهجمات على السعودية لإشعال الصراع من جديد داخل اليمن وخارجه. كما أكدت إدارة بايدن أنها تريد إعادة واشنطن إلى الاتفاق النووي مرة أخرى رغم المعارضة الإسرائيلية الشديدة، ولكن مع إجراء تعديلات موسعة لتشمل المزيد من القضايا الخلافية مع طهران، التي قالت إنها ترفض التفاوض قبل عودة واشنطن إلى الاتفاق ورفع جميع العقوبات الموقعة عليها، لتظل أزمة الاتفاق النووي عالقة في هذه النقطة، وتصعد إيران من تخليها عن التزاماتها ببنوده وتفرض واشنطن عقوبات جديدة عليها.