عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النوبة ... حكايات الوطن المفقود
نشر في صدى البلد يوم 06 - 10 - 2011

في مجالس أهل النوبة ، لا تكاد تخلو الحكاوى من اسم الوطن المفقود. يتذكر النوبيون أنهم هجروا قسرا من أراضيهم وأجبروا على ترك كل شيء أحبوه.
بداية المأساة ، كما يسميها أهل النوبة ، كانت في عام 1902 عندما تم تنفيذ المرحلة الأولى من تعلية سد أسوان وارتفاع منسوب المياه ، ثم التعلية الثانية والثالثة عامي 1912 و 1933 .
وبعد ذلك، حدثت الكارثة الكبرى، حسب وصف أحمد كاجوج الناشط السياسي وهو من مواليد قرية " بلانة " ، بعد زيارة الرئيس جمال عبد الناصر عام 1964 .
حينها وعد عبد الناصر أهل النوبة بمستقبل وحياة أفضل بعد إقامة السد العالي . ولكن بعدها بأشهر قليلة تم تهجيرهم قسرا من أمام النيل الى الصحراء.
معاناة التوطين
الحاجة نفيسة – 85 عاما- تتذكر التهجير كأنه حدث بالأمس وتسرد معاناة الرحلة ومعاناة التوطين. " حملونا في البواخر التي كانت مخصصة لنقل الماشية وأتوا بنا الى الصحراء وقالوا لنا هذا مسكنكم ، لقد كنا نعيش حياة هادئة على ضفاف النيل وكنا نزرع ونربي الماشية والجمال ، هنا لم نستطع عمل أي شيء ، يعيش أولادي وزوجاتهم وأطفالهم في أربع غرف فقط ، ولايوجد مصدر للرزق" هذا بعض مما تتذكره الحاجة نفسية.
ويتذكر الحاج داود علي رحلة التهجير. حينها كان عمره 11 عاما ويقول بحزن " أتذكر أهل القرية ، كانوا يعلمون أنهم سيتركون كل شيء في المساء ولكن في نفس اليوم استيقظوا في الصباح الباكر وسقوا أراضيهم ، ونظفت النساء المنازل ، لم يكن أحد يصدق أنهم سيتركون كل شيء وراءهم ، أتذكر جدتي عندما أغلقت باب منزلنا ودفنت المفتاح تحت العتبة على أمل العودة مرة أخرى ، أنا كنت أربي الحمام وقبل رحيلي ملئت لهم الماء والطعام ، كل هذا يرقد الآن تحت مياه بحيرة ناصر ".
ويبقى النيل جزءا من ذاكرة أهل النوبة بل هو أحيانا بؤرة هذه الذاكرة. ولذا فهو يرتبط بذكريات الحاج داود في قرى التهجير، " كانت كل العابنا مرتبطة بالنيل عندما قدمنا إلى هنا في الصحراء لم نجد إلا العقارب التي كانت منشرة بكثرة ، وكانت تقتل كل يوم عددا من النوبيين ، فكنا نتحدى بعضنا كي نعرف من منا يستطيع ان يقتل أكبر عدد من العقارب كل يوم ، وكنا نلهو بها كأنها حيوانات أليفة ".
مساوئ التهجير
يرى النوبيون أن أكبر مساويء التهجير هو تهميش الحضارة النوبية ، وضياع اللغة والثقافة والعادات والتقاليد ، ويتهمون الأنظمة التي تعاقبت على حكم مصر بتعمد ذلك ، وتذويبهم في الثقافات والحضارات المختلفة التي تجاورهم .
يقول منتصر أحمد وهو باحث في اللغة والتراث النوبي ، إن اللغة النوبية "تندثر بحكم الهجرة ، ومعظم الكلمات لا تستعمل الآن بالاضافة الى عدد كبير من العادات والتقاليد ، ويرجع السبب في ذلك أن تلك العادات كانت مرتبطة بالنيل وتتم على ضفافه والنوبيون الآن لا يسكنون بجوار النيل ، وبالتالي لا يقومون بتلك الطقوس".
يضيف أحمد أنه رغم الجهود الحثيثة التي يقوم بها عدد من المثقفين النوبيين إلا أنها غير كافية للحفاظ على تلك الحضارة العريقة .ويوضح انه تم إعداد معجم يضم أكثر من 3500 كلمة نوبية ، ويجري الآن العمل على إعداد قاموس ترجمة من النوبية إلى العربية ومن النوبية إلى الانجليزية .
ومن الأوضاع التي يرى النوبييون أنها ساعدت على تعميق مشكلتهم ، هو هجرة شبابهم إلى مناطق القاهرة والاسكندرية والسويس بالاضافة إلى هجرة عدد كبير منهم إلى خارج مصر في دول الخليج والدول الأوروبية ،لأن قلة الموارد وانعدام الوظائف جعل الشباب النوبي غير قادر على التكيف في ظل تلك الأوضاع. وبالتالي فهم يفضلون السفر مباشرة بعد انتهاء دراستهم الجامعية وأدائهم الخدمة العسكرية.
وحسب التقديرات فإن النوبة تفقد كل عام المئات من شبابها وخبراتها التي لاتسطيع دفع عجلة التنمية والتقدم في هذه المنطقة ، بسبب تجاهل الدول لكل المشاريع التنموية التي يمكن أن تقام هناك.
تكافل على طريقة أهل النوبة
كنت أتوقع عندما أزور قرى التهجير في مركز نصر النوبة والتي يبلغ عددها 45 قرية ، أن أرى تجمعات عشوائية غير مرتبة تنتشر فيها أكوام القمامة والمتسولين .
ولكن ماشاهدته عكس ذلك فكل القرى التي استطعت زيارتها تميزت بالنظافة والنظام والهدوء ، الجميع هناك يعيش في مجتمع متعاون ومنظم ، ويرجع النوبيون سبب ذلك إلى النظام التكافلي الذي يعتبر أساسا في المجتمع النوبي ، حيث يوجد في كل قرية عدد من الجمعيات النوبية التي تتشارك وترعى مصالح المواطنين في الأفراح وفي الأحزان، وبالإضافة إلى عمل منظمات المجتمع المدني فالعادات والأخلاق النوبية تحتم أن يتعاون الجميع في كل الأمور، هناك في البيوت لا تعلم من هم أصحاب البيت الحقيقيين فتجد أصحاب البيت وأبناء عمومتهم وأيضا جيرانهم، يتشاركون الطعام والحديث.
طور النوبيون أيضا قرى التهجير التي يعيشون فيها ، فهم يقولون إن البيوت الموجودة الآن لم تكن على هذه الحال عندما استلموها وأنهم قاموا بالعديد من عمليات الاصلاح في البيوت والطرقات حتى أصبحت ماعليه الان.
وعود ..وحلم يتجدد
تجدد حلم العودة للنوبيين بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. وحشد المثقفون وقادة المجتمع النوبي جهودهم للمطالبة بالعودة إلى النوبة القديمة. ومؤخرا اعتصموا أمام مبنى محافظة أسوان ، واستطاعوا لفت الأنظار حتى استمع لهم رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف وتشكيل لجنة لإعادة توطين النوبيين في أرضهم القديمة .
وجدد هذا الحراك السياسي الأمل في نفوس النوبيين وبدأوا في إقامة الأفراح ابتهاجا وسعادة باقتراب العودة كما يقولون .
ويقيم المجتمع النوبي الآن العديد من الفعاليات والمؤتمرات التي يحشد لها شباب النوبة لتوعية مجتمعاتهم. واندهشت بشدة من التنظيم المحكم لهذه الاجتماعات بما يمثل ثقافة مجتمع شديد الاحترام والتنظيم، وتشهد مشاركة نسائية وشبابية واسعة وفعالة.
بهذه الكلمة عبرت سهام بهلول وهي شابة تعمل في مدرسة أزهرية ، عندما سألتها عن الطريقة التي تطالب بها بالعودة الى النوبة القديمة وهي لم تولد فيها ولم تعش فيها أصلا .
فقالت " لقد رأيت النوبة في قلبي وجدتي تحكي لي كيف كانوا يعيشون هناك، لقد أحببت تلك الارض التي ارها ولم ازرها مطلقا ، وأريدالعودة اليها وتعميرها وتخليد ذكرى أجدادي ".
مرحلة مهمة
ويشعر النوبيون أنهم مقبلون على مرحلة مهمة من تاريخهم . فبعد تجدد الآمال بالعودة إلى الوطن الأصلي ، وبعد سنوات من الظلم الذي يرون أنهم تعرضوا له حتى عندما نفذت الحكومة بالتعاون مع منظمة الأغذية العالمية " الفاو " مشروعا لإعادة توطينهم سلمت البيوت إلى مواطنين من محافظات الوجه البحري.
ويقول ابراهيم دهب نائب الأمين العام للاتحاد النوبي "إن مطالب النوبيين مستحقة، فهم ضحوا من أجل كل المصريين عندما كان مشروع السد العالي مشروعاً قومياً ، وتركوا كل شيء وراءهم من أجل مصر وهم لايريدون شيئا إلا العودة إلى الأرض التي تركوها ، ليضمنوا مستقبلا أفضل للأجيال القادمة والذين لا يريدون أن يولدوا ويكبروا في نفس الظروف التي تعرضوا لها ، ويؤكد أن النوبيين سيستمرون في النضال السلمي حتى يحصلوا على مرادهم الذي يؤمنون أنه حق تاريخي أصيل".
ويرد إبراهيم دهب أيضا على من يلمحون إلى فكرة التقسيم وأن النوبة سوف تنفصل عن مصر فيقول إن النوبيين هم الأصل في مصر ، ومن المستحيل أن ينفصل الرأس عن الجسد ، ولو كان هناك نوبي لايريد أن يكون مصريا فهو غير نوبي من الأساس ، لأن النيل الذي يعد شريان الحياة في الحضارة والثقافة النوبية هو في الأساس كلمة نوبية تعني " الشراب " .
ويبقى الحلم متأصلاً في نفوس النوبيين يراودهم أينما حلوا ورحلوا، لا يريدون إلا العودة إلى موطنهم الأصلي على ضفاف بحيرة ناصر، بجوار رفات أجدادهم وأطلال منازلهم التي خرجوا منها مكرهين قبل 47 عاما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.