يبدو جليا أن الدور التركي في ليبيا يشهد تراجعا أمام نجاح الوساطات المصرية في خلق مجال لحل الأزمة الليبية، ما يؤثر على أطماع أنقرة في الطاقة الوفيرة الكامنة بشرق البحر المتوسط. ومن الواضح أن النظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان رضخ للضغوط التي يتعرض لها لتقليص أهدافه العسكرية في ليبيا، لدرجة أن عليه قبول الدور المصري في ليبيا، وهو ما نلمسه في التصريحات التركية الأخيرة حول ضرورة تحسين العلاقات مع القاهرة. اقرأ أيضا: أردوغان يستسلم: مستعدون للحوار مع مصر وفقا لتقرير نشره موقع "المونيتور" المختص بشئون الشرق الأوسط، فإن مصر أثبتت قدرتها على التوسط بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، في المقابل يتراجع النفوذ التركي رغم الدعم غير المسبوق لميليشيات حكومة الوفاق عسكريا واستخباراتيا. وبحسب التقرير، فإن الاقتتال الداخلي في حكومة الوفاق يمثل خطرا إضافية على المصالح التركية في طرابلس في عملية التسوية المرتقبة، وبعبارة أخرى، فضلت تركيا في الحفاظ على الميزة التي اكتسبتها من التدخل العسكري واسع النطاق في ليبيا. علاوة على ذلك، دفع الصراع بين فايز السراج رئيس حكومة الوفاق ووزير داخليته فتحي باشاغا أنقرة إلى إدراك أنها لا تستطيع السيطرة على كل شيء هناك من خلال نشر الجنود والميليشيات. ورغم هذا التراجع، لكنه لا يعني أن تركيا ستتنحى وتترك الآخرين يديرون الأمر. يشير التقرير إلى أن الأطراف الليبية أجبرت على الدخول في محادثات جادة بسبب الجمود في ساحة المعركة بعد أن وضعت مصر "خط أحمر" في سرت والجفرة ذات الأهمية الاستراتيجية، موضحا أن القاهرة نجحت في تبني اقتراح وقف إطلاق النار بين الجيش الليبي وميليشيات حكومة الوفاق. ومع اندلاع احتجاجات في الشوارع الليبية بسبب تردي المعيشة والحالة الاقتصادية، وجدت أنقرة نفسها في أزمة وصراع بين رجالها في حكومة الوفاق، فما كان منها إلا أن تحاول منع تلك الحكومة من الانهيار. ومنذ مواجهة السراج وباشاغا، ينظر كثيرون إلى أن هناك تحركات مناهضة من قبل الطرفين لمقاضية النظام التركي، حيث أغضب السراج حليفه أردوغان بمحاولات التقرب من فرنسا والإطاحة بعدد من القيادات الإخوانية في إدارته. وفي جميع الحالات لا يزال لتركيا دور فعال في طرابلس رغم إعلان فايز السراج اعتزامه الاستقالة قبل بداية أكتوبر، لكنه يتراجع يوما عن الآخر، وبحسب التقرير، فإن أنقرة لا تستطيع توجيه حلفائها الليبيين نظرا لأن التوازن بينهما هش للغاية، وهو ما يجعلها غير قادرة على إدارة الحوار بين الأطراف المتصارعة. ويسلط التقرير الضوء على الاتفاق بين الأطراف الليبية في المغرب ومن بعدها مصر على تقاسم السلطة والخروج بتفاهمات، وهو ما يغضب تركيا لكنها مجبرة على قبول الدور المصري القيادي في تلك المصالحة. ومن بين الأسباب التي تجبر تركيا على الرضوخ لذلك، هو الدعم الدولي الذي تحظى به المبادرة المصرية والأممية للحوار السياسي، فضلا عن زيادة النفوذ الروسي وعدم رغبة النظام التركي في الدخول في صدام معه مجددا. إضافة إلى ذلك، ومقابل رضوخها، قد ترغب أنقرة في تهميش دور الجيش الوطني الليبي وإجراء المحادثات من خلال مجلس النواب برئاسة المستشار عقيلة صالح وحكومة الوفاق، كما أنها مستعدة لفعل أي شيء للمناورة والخداع مقابل الحصول على نصيب من الغاز والنفط في شرق البحر المتوسط.