تعرضت حكومة الوفاق الليبية إلى ضربة أربكت صفوفها، بعد أن بات وجودها مهدداً بين مطرقة المظاهرات الحاشدة التى خرجت ضد تمهيدها للتدخل الأجنبى التركي، وبين سندان محاولات انقلاب بدت أولى ملامحها بخطة دبرها وزير الداخلية باشاغا للإطاحة بفائز السراج. وبات المجلس الرئاسى الليبى الذى يقوده فائز السراج يعيش محنة عصيبة، فالاحتجاجات الشعبية التى تطالب باستقالته وكل الأجسام السياسية الأخرى، تعنى أن سلطة العمالة والخنوع لتركيا لم تعد قادرة على تمثيل الليبيين، لا فى طرابلس ولا فى أى مكان. وبعد سقوط ورقة الرجل الأقوى فى حكومة الوفاق، فتحى باشاغا، أصدر رفيقه فائز السراج قراراً بإيقافه عن العمل وإحالته إلى التحقيق، بشأن بياناته الأخيرة «المنحازة للمتظاهرين». ووفق بيان للمجلس الرئاسى الليبي، فإن وزير الداخلية الموقوف بتهمة محاولة الانقلاب على السراج، يخضع حالياً للتحقيق وذلك على خلفية قتل المتظاهرين، الذين استيقظ ضمير «حكومة السراج» فجأة للبحث عن حقوقهم، فيما كلفت الحكومة خالد أحمد التيجانى بتسيير مهام وزارة الداخلية فى طرابلس. وتوقع مراقبون للمشهد الليبى بأن تتطور الأمور بين الميليشيات المسلحة الموالية لباشاغا والأخرى الموالية للسراج، كما لم تستبعد خروجها عن السيطرة باشتباكات مسلحة بين الطرفين والتى قد يكون من ضحاياها مدنيين، خاصة أن ميليشيات مصراتة ستحاول الانتقام لفقدان نفوذها فى طرابلس بعد رحيل الرجل الأقوى لها. ونظم المئات من سكان مدينة مصراتة، مسقط رأس وزير داخلية حكومة الوفاق المقال فتحى باشاغا، اعتصاما احتجاجا على إيقافه من المجلس الرئاسى وتحويله للتحقيق الإدارى، خلال 72 ساعة من صدور القرار. وأفادت مصادر «بأن عددا من ميليشيات مصراتة أعلنت النفير واستدعت منتسبيها ورفعت من استعدادها من أجل التوجه إلى العاصمة طرابلس، لاحتمال حدوث أى مواجهات مع الميليشيات المؤيدة لفايز السراج، معتبرة أن قرار السراج بإقالة باشاغا جاء لإرضائها. وأصدر أهالى مدينة مصراتة بيانا أعلنوا فيه رفضهم قرار المجلس الرئاسى فى طرابلس بإيقاف باشاغا احتياطياً عن العمل والتحقيق معه بشأن التصاريح والأذونات وتوفير الحماية اللازمة للمتظاهرين فى طرابلس. من جانبها، اعتبرت البعثة الأممية فى ليبيا، فى بيان صدر عنها أمس السبت، أن البلاد تشهد «تحولاً لافتاً» يؤكد الحاجة «لعملية سياسية شاملة». وطالبت البعثة الأممية بفرض سيادة القانون فى ليبيا وباحترام حق التعبير السلمى عن الرأى. وتعيش طرابلس منذ أيام أوقاتًا عصيبة، بين سكان غاضبين من تردى الأوضاع المعيشية وتراجع مستوى الخدمات من جهة، وانشقاق بين الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق أبرزه الحراك الأخير من جهة أخرى. وتوسع صراع الميليشيات إلى محاولة انقلاب على رئيس الحكومة فائز السراج قادها وزير داخليته فتحى باش أغا مع بعض «المساعدات» من أطراف أخرى. لكن خلف الكواليس، يعتقد أن رجلا آخر لعب دورا مهما فى هذه المحاولة، دعم باش أغا وساعد على تأليب الميليشيات على بعضها البعض، هو القيادى الإخوانى البارز خالد المشرى. ويعد المشرى أحد مراكز القوى فى حكومة طرابلس، فهو رئيس المجلس الاستشارى الأعلى للدولة، الذى لا يمكن للمجلس الرئاسى أن يصدر قرارا إلا بالرجوع إليه. لكن الأخطر هو أن المشري، الذى استقال شكليا من حزب العدالة والبناء الإخوانى بعد أن شارك بتأسيسه لكنه يظل مرتبطا فكريا وتنظيميا بالإخوان، يعد رجل تركيا الأول فى طرابلس. فلا يكاد السياسى البارز يغيب عن أى خبر يربط أنقرةبطرابلس، وكثيرا ما تترك له حكومة السراج مهام اللقاءات الحساسة مع القادة الأتراك، وليس أدل على ذلك مقابلته قبل يومين مع الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته مولود شاوش أوغلو. ويلعب المشرى دورا مهما فى تلميع الدور التركى وغسل يدى أنقرة من أفعالها فى الغرب الليبي، وشرعنة التغلغل التركى داخل بلاده. وفى عز الأزمة التى شهدتها طرابلس، برز اسم المشرى الذى انضم إلى باش أغا فى تدبير الحركة الإخوانية بدعم تركي، بالاستعانة بميليشيات مصراتة فى مواجهة ميليشيات طرابلس التى تدين بالولاء إلى السراج. وفى استعراض لدور المشرى فيما حدث فى طرابلس، الجمعة، أشار رئيس مركز الأمة الليبى للدراسات الإستراتيجية محمد الأسمر فى تصريح ل»سكاى نيوز عربية»، إلى أن المدينة «باتت مقسمة بين 3 محاور».