حين شاهدت إصرار رئيس الوزراء الاثيوبى/"آبى أحمد "ووزير خارجيته "جيدو اندرجاشيو" على إنكار تعهداتهما السابقة بعدم البدء فى ملىء خزان سد النهضة خلال شهر يوليو الجارى الا بعد الاتفاق مع دولتى المصب "مصر والسودان" وكذا تجنب تكرار مواقف التجاهل الاثيوبية تجاه الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع مصر والسودان ..أيقنت إننا أمام أحد رأيين:وهما اما الخوف من الرأى العام الداخلى خاصة تجاه قومية الاورومو الغاضبة "كأكبر قومية اثنية فى البلاد"والعمل على إسكات المعارضين خاصة فى ضوء العنف المتصاعد.. والذى بلغ ذروته فى موجة الاحتجاجات الأخيرة التي ضربت البلاد، بسبب مقتل المغني واسع الشعبية "هاشالو هونديسا" ومئات القتلى والجرحى الآخرين . وأما الرأى الثانى فهو إننا أمام حكومة غير ملتزمة بما سبق وتعهدت به سواء فى مواجهة الاتحاد الأفريقى الذى تتشدق بوساطته وكذا مجلس الأمن الدولى...وبعض الوساطات ومحاولات تقريب وجهات النظر بين الجانبين خاصة من جانب قوى دولية:كالولاياتالمتحدة أوالصين وروسيا..أو قوى إقليمية كالسعودية أوالسودان"كخصم ووسيط" أو إريتريا حاليا "كوسيط حالى وخصم لدود سابق مع اثيوبيا". ولعل ما يثير دهشتى واستغرابى أن شخصية رئيس الوزراء الاثيوبى هى شخصية دولية ولقد نال للتو جائزة نوبل فى السلام عن دوره فى إحداث المصالحات التاريخية فى منطقة القرن الأفريقى وخاصة بين بلاده واريتريا لزيارته التاريخية لها بعد توليه دفة الحكم بشهور قليلة. الوساطة الاريترية: لاشك أن أريتريا لديها مكانة خاصة لدى القاهرة، والتى تتمتع بخطط واستراتيجيات متشابهة مع الجانب الإريتري فى عدد من التسويات فى المنطقة, فعلى سبيل المثال تتمتع إريتريا بموقع متميز في القرن الإفريقي وتستطيع أن تكون لاعبا رئيسيا في ملف سد النهضة ، بالإضافة إلى أن مصر شريكة لإريتريا في تأمين المجري الملاحي للبحر الأحمر، في إطار التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب. كما أن مصر مهتمة بما يحدث في الصومال التي لها حدود مع إريتريا والتحركات التركية هناك، بجانب بحث سُبل التعاون المشترك بين البلدين في التنمية...وتزداد أهميتها بعد أن نجحت اثيوبيا فى تحييد موقفى :جيبوتى والصومال من قرار مجلس الجامعة العربية المؤيد لمصر.. ويرى المراقبون أن "الجانبين:المصرى والاريترى لديهما رابط حيوي في البحر الأحمر وعلاقات خاصة قبل انفصال إريتريا عن إثيوبيا قبل قرابة أكثر من ربع قرن ".وكان المحللون يتحدثون كثيرا عن إريتريا على أنها الجار اللدود لاثيوبيا وقد حدثت بينهما 3 مواجهات دامية من 1998 وحتى عام 2000 وجولات عديدة من الحوار والتحكيم الدولى على منطقة بادمى الحدودية..واستمر الوضع على هذا النحو حتى مجىء آبى احمد فى أبريل 2018 وزيارته التاريخية لاريتريا فى يوليو من نفس العام ..وبدء عودة التمثيل الدبلوماسي والطيران وحركة التجارة والمصالح بين البلدين..فى إطار المصالحات التاريخية التى حدثت فى منطقة القرن الأفريقى فى ذلك العام ونال آبى أحمد عنها جائزة نوبل للسلام. وصف الوسيط الاريترى : والواقع أن إريتريا كانت دائما عنصرا استراتيجيا فى العلاقات الإثيوبية المصرية حتى الكنسية منها..لدرجة أن رغبة الكنيسة الاريترية فى أن تحظى برعاية الكنيسة القبطية الأم عقب استقلال الدولة رسميا كان له وقع سيىء على العلاقات الكنسية بين مصر واثيوبيا ولم تتحسن الا بوساطة أرمينية بعد ذلك بقرابة أربعة عشر عاما ولكن فى ضوء المصالحة الاخيرة بين اثيوبيا وإريتريا هل يكون للوسيط الاريترى صاحب المواقع المتميزة على البحر الأحمر والذى تتميز علاقاته مع إسرائيل بالخصوصية أيضا نفس القوة والنفوذ بعد تغير أطراف المعادلة؟وعودة علاقاته مع اثيوبيا لتكون علاقات طبيعية؟..ولاننسى بالطبع الخبرة التاريخية والحصافة للرئيس الاريترى "أسياسى أفورقى"وتوليه مسئولية بلاده منذ الاستقلال:كأحد أهم وأبرز قادة المنطقة. ولعل ما يقلقني هو استمرار فشل المفاوضات الثلاثية"مصر-اثيوبيا-السودان"برعاية الاتحاد الافريقى والوسطاء الأفارقة والدوليين..وعدم تحرك الموقف الاثيوبى قيد أنملة فى المفاوضات..بل والتهديد بملأ بحيرة السد خلال الشهر الجارى من جانب كل من : رئيس الوزراء ووزير الخارجية"كما سبق الذكر"..بل وزعم بعض المواقع السودانية أن اثيوبيا قد بدأت سرا فى التخزين..وهذه كلها عوامل تصب فى خانة عدم الاستقرار والقلق المتوقع فى كل وقت من جراء عقلية اثيوبية صلبة لا تؤمن بعقيدة التفاوض وتريد أن تملى إرادة الأمر الواقع على الآخرين مهما كانت حجم الأضرار التى يمكن أن تنتج عن هذا الصلف والغرور غير المبرر. الوساطة السعودية بين مصر وإثيوبيا لحل أزمة سد النهضة؟ تم طرح الموقف السعودي أثناء القمة العربية المصغرة مع الأمين العام للأمم المتحدة بشأن سد النهضة الإثيوبي فلقد شارك نائب مندوب المملكة العربية السعودية الدائم لدى الأممالمتحدة " خالد بن محمد منزلاوي" في الاجتماع الافتراضي للجنة العربية المصغرة مع الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، وجرى خلال الاجتماع بحث سبل إيجاد حل لأزمة سد النهضة بين مصر والسودان وأثيوبيا.وطالب نائب مندوب المملكة العربية السعودية الدائم لدى الأممالمتحدة، الأمين العام بأن يقوم بالمساعي الحميدة مع الدول المعنية والتأكيد على أن المفاوضات هي السبيل الوحيد للوصول لحل عادل وشامل يراعى مصالح مصر والسودان المائية..وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول دور المملكة القادم في تلك الأزمة.حيث يرى مراقبون أن السعودية دولة شقيقة ومساندة لمصر في الحق، كما أن مصر تساند السعودية في كل مواقفها، ونفس الحال بالنسبة للإمارات والبحرين، فلا تستطيع مصر ولا تلك الدول التخلي عن بعضها البعض في تلك المواقف السياسية والدبلوماسية والاقتصادية...خاصة أن السعودية لها علاقات متشعبة دبلوماسية واقتصادية وسياسية مع الدول الثلاث في أزمة سد النهضة،"مصر –السودان-واثيوبيا" وأيضا تمتلك الرياض علاقات اقتصادية مع معظم دول القارة السمراء.ولقد أشار رئيس مركز القرن الأفريقى للدراسات إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية عملت على جمع الفرقاء خلال الفترة الماضية كوسيط، وهى لا تود أن تقوم بدور الوسيط رغم أن لها علاقات طيبة مع إثيوبيا، لكنها ترغب في الوصول إلى حل ولكن هذا لا يعني أنها ترغب في الوساطة، وقد تكون التصريحات السعودية بشأن سد النهضة من أجل مساعدة المسؤولين الإثيوبيين على العودة إلى طاولة التفاوض وإيصال رسالة أن الأمن المائي لمصر والسودان يمس أيضا السعودية والدول العربية قاطبة . وحول وساطة السعودية بين مصر وإثيوبيا، يذكر أن السعودية عندما ترمي بثقلها في هذا الأمر فهي قادرة بما تمتلكة من علاقات جيدة مع جميع الأطراف على الخروج برؤية توافقية ترضي الجميع وتنزع فتيل النزاع من خلال جدولة مراحل ملء سد النهضة، والاتفاق على تنظيم هذا العمل حتى لا تتضرر الدول الثلاث، حيث تحظى الدبلوماسية السعودية بمكانة خاصة لدى الحكومة الإثيوبية التى ترى في السعودية وسيطا نزيها يحرص على مصالح الجميع ولا يرضى بإلحاق الضرر بأي طرف.فضلا عن مكانة بعض رجال الأعمال الاثيوبيين-السعوديين على نمط الشيخ والملياردير السعودى"الشيخ العمودى"وقدراته الاستثمارية غير العادية فى اثيوبيا فى العديد من المشروعات. مجلس الأمن: أعلن مجلس الأمن الدولي الأربعاءقبل الماضى ، أنه "سيراقب تطورات أزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا خلال شهر يوليو/ الجارى تحت رئاسة ألمانيا، وبحسب أجندة مجلس الأمن لشهر يوليو الجاري، "انتقلت رئاسة المجلس من فرنسا إلى ألمانيا، لتشرف على تطورات أزمة سد النهضة بناء على ما جاء في جلسة يوم الاثنين قبل الماضي، وتنص الأجندة على أن يراقب مجلس الأمن تطورات أزمة سد النهضة، وأن يعقد اجتماعا في حال دعت إليه الحاجة". رؤية مستقبلية: لعله ليس من المستغرب تجميد الموقف على النحو الحالى وعدم الوصول لاتفاق حتى الآن ..والذى بلا شك أثار حفيظة الدبلوماسية المصرية ومسؤلى الرى وكافة الأجهزة السيادية فى الدولة ...لكن يتبقى الحرص المصرى على الالتزام بنهج التفاوض ,وعدم ورود فكرة الحرب او التلويح بها أصلا ...رغم التعنت الاثيوبى والذى يقدم تفسيرا واضحا لما تنتهجه اثيوبيا ويرجعنا دائما لنقطة الصفر..وكأن مفاوضات العشر سنوات الماضية قد ذهبت أدراج الرياح وبكل ماتضمنته من مداولات وجدالات لم تنتهى لشىء ملموس على أرض الواقع.. فهل حقا يعنى هذا نهاية باب المفاوضات والدخول فى مجالات أخرى لا يعلم مداها الا الله.؟.خاصة وبعد أن ضاق المفاوض المصرى بألاعيب المفاوض الاثيوبى ومراوغاته وعدم رغبته فى التوصل لاتفاق مرضى وعادل للجميع ولكن فقط إطالة أمد المفاوضات والتهرب من الالتزام بأى توقيع أو تعهد بعدم الاضرار بالآخر...لحين البدء فعلا فى ملأ السد بدون اتفاق وبالتالى بدء مرحلة اللاعودة فى قضية سد النهضة.