على الرغم من كلّ الجهود التي تُبذل في سبيل تحقيق المساواة وتشجيع تقبّل الآخر، إلاّ أننا لازلنا مع ذلك نرى في مجتمعاتنا العديد من التصرّفات المُهدِّدة أو غير المريحة وقت الأزمات ، وهذا ما حدث بالفعل فى الآونة الأخيرة بعد أزمة كورونا التي اجتاحت العالم أجمع، فحالة الفزع والهلع التي اجتاحت البعض منا جعلت من تصرفاتهم غير منطقية وجعلتهم لا يعملون العقل بسبب عدم الوعي والمعرفة بفيروس كورونا والتهويل الشديد والمعلومات الخاطئة والشائعات التي يتم تداولها بين الناس ، ومن هنا بدأ المصاب بكورونا يعاني من النبذ والوصمة المجتمعية ليس وهو حي فقط بل إذا توفاه الله أيضا وظهر ذلك عندما رفض بعض الأهالي دفن ذويهم والتنكر منهم ورفض قرى بأكملها دفن المتوفين ، ولم يقف الموضوع عند من أصابوا بالفعل بل عند من نشتبه في إصابتهم بمجرد ظهور أي أعراض عليهم كالكحة والعطس، بل وصل الأمر إلى من يعملون بمستشفيات العزل من أطباء وممرضين وعاملين أيضا و الذين ينبذهم البعض الآن ويرفضوا التعامل معهم ،بل وصل الأمر إلى وصمة قرى أو مدن أو حتى دول بأكملها بوصمة فيروس الكورونا ، وكل هذه السلوكيات تؤدي إلى تشكيل وصمة عارٍ وخلق العنصرية تجاه أولئك الذين يعانون من الإصابة بل والذين يساعدوهم على الشفاء أيضا الأمر الذي يؤدي الي عدم تصريح البعض عن مرضهم خوفا من الوصمة المجتمعية. الوصمة هي الرفض الاجتماعي الشديد لشخص أو مجموعة من الناس وذلك لأسباب اجتماعية مميزة مقبولة عند الغالبية ، بحيث أن فاعل الأمر المسبب للوصمة يكون موسومًا بها، ومميزًا عن باقي أفراد المجتمع. ويمكن للوصمة الاجتماعية أن تنشأ من مدى إدراك مفاهيم اجتماعية مثل الاضطراب النفسي والإعاقة وأمراض مثل الجذام ، بالإضافة إلى التوجه الجنسي، ولون البشرة، ومدى التدين، ودرجة التعلم وغير ذلك. والأصل في هذه الكلمة العلامة أو الوصمة التي كانت توضع على العبيد لتمييزهم. ولنا أن نتصور التأثير السلبي لكل ذلك على صحة المصابين نفسيا وعلى الأطقم الطبية التي تعمل معهم ،و مدى الألم النفسي والمعاناة والكرب الذين يشعرون به إزاء النبذ والوصمة الاجتماعية وتأثير كل ذلك على مناعتهم النفسية بالسلب ، بالإضافة لشعور المصاب بمشاعر الذنب والخطيئة بسبب الإصابة وأنه أصبح عبء وحمل على المجتمع ، لذا أطلب منك عزيزي القارىء أن تضع نفسك مكان المصاب لمدة خمسة دقائق ثم تختبر كل الانفعالات التي ستشعر بها إزاء كل هذه المخاوف من المرض مضافا عليها عبء القلق والفزع من الوصمة المجتمعية ... والآن على قدر ما كان عليه الشعور مختلطا من قلق وخوف وألم فلنأخذ بعض الخطوات الإيجابية للمساعدة في مناهضة وصمة الكورونا وإليك ما يمكن فعله لدعم المصابين والعاملين بمستشفيات العزل. أولا: ثقف نفسك أنت ومن حولك عن الإصابة بفيروس كورونا وعن كيفية انتقاله لتصحيح المفاهيم الخاطئة وعدم الاستجابة للشائعات ونشر المعلومات الخاطئة من المصادر المجهولة والحصول على المعلومات فقط من منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة والسكان. ثانيا : إذا علمت أن أحد أقاربك أو جيرانك أو أيا من معارفك قد أصيب بفيروس كورونا ادعمه نفسيا وطمأنه وقم بالاطمئنان علية إذا أمكن من خلال الهاتف ومكالمات الفيديو أو الرسائل النصية الداعمة له وذكره بنقط قوته وأنه قد استطاع أن يمر بالعديد من الأزمات من قبل وسيستطيع أن يمر بتلك الأزمة أيضا بإذن الله تعالى. ثالثا: إذا رأيت موقف يصم فيه البعض شخص مصاب أو أحد العاملين بمستشفيات العزل ، فلتتخذ موقف إيجابي وتدافع عنه وليكن لك دور في رفع وعي الآخر وتصحيح المفاهيم المغلوطة لديه. رابعا :إذا كنت تعرف أحدا ممن يعملون بمستشفيات العزل من الأطقم الطبية أو الممرضين أو أيا من العاملين ادعمه باستمرار و ارسل له بعض من رسائل الامتنان لما يبذله من مجهود في سبيل إنقاذ المصابين وإنقاذنا جميعا. خامسا : لا تعاير المصاب بفيروس كورونا بإصابته و أحسن استخدام الكلمات للتعبير عن إصابته مع مراعاة مشاعره ، ولا تزد من هم وثقل الخوف والقلق عند المصاب بهم آخر من الوصمة المجتمعية، ولا تستخدم كلمات مثل وباء أو طاعون أو حالات أو نهاية العالم لأن ذلك يزيد من الوصمة ويجرح مشاعر المصابين وذويهم. سادسا : عدم مشاركة أيا من المنشورات التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي التي تتهكم وتسخر من الإصابة بفيروس كورونا لأن ذلك بدوره يجرح ويؤلم مشاعر المصابين وذويهم والذين هم في أشد الحاجة للدعم النفسي حتى يتخطوا المحنة ،بل ساعد في نشر قصص النجاح والأخبار المتفائلة لبعض المتعافين من المرض والتي تصل نسبتهم إلى 85%. سابعا : عبر عن رأيك حول ظاهرة وصمة العار المرتبطة بفيروس كورونا، عبّر عن رفضك ومحاربتك لها خلال الاجتماعات والفعاليات المختلفة، فمثل هذا الأمر قد يساعد الآخرين ممن لا يمتلكون الشجاعة الكافية على أن يفعلوا الشيء ذاته، بل قد يساعد المصابين أنفسهم على تقبّل إصابتهم. ثامنا :بعد خروج المتعافين من العزل الصحي سيحتاجون للكثير من الدعم النفسي والاهتمام ، فحاول قدر المستطاع دعمهم ومساعدتهم على رجوعهم التدريجي لحياتهم الطبيعية. فى النهاية اعلم أن أيا منا معرض للإصابة بالفيروس في أي وقت ، فعامل المصابين بدعم واهتمام كما تحب أن تعامل إذا كنت مكانهم في يوم من الأيام، وكن إيجابيا في رفع النبذ والوصمة عنهم..