في عصر جائحة كورونا المستجد، أُسس لمصطلح جديد كثر استخدامه وهو: التباعد الاجتماعي للوقاية من الفيروس، ضمن خلط واضح بين التباعد الاجتماعي الفعلي والتباعد الجسماني، أو ما نسميه في حقيقة الأمر التباعد الجسدي، مما دفعني للسؤال، هل المطلوب هو التباعد الاجتماعي وقطع العلاقات الحميمية في المجتمع، أم التباعد الجسماني والحفاظ على المسافات الجسدية للوقاية من هذا الفيروس الخطير، وما يترتب على ذلك من آثار اجتماعية تجعلنا على أعتاب مرض اجتماعي قد يتحول إلى وباء جديد؟. في ظل جائحة كورونا اختلفت العادات والتقاليد والقيم، فقفزنا دون أن ندرك قفزات مكوكية لَم تكن خيارًا إلا رغبة في الحماية الصحية، فلجأنا إلى الحظر الاجتماعي الجزئي، ثم الحظر بشكله الكلي، ثم التباعد الاجتماعي وعدم المخالطة، كل ذلك في سبيل النجاة والخلاص، فتحقق مع ذلك جملة من السلوكيات التي قد أسهمت جائحة كورونا في الإقلاع عنها، أو قد تكون أسست لها في شتى نواحي حياتنا اليومية الفردية والأسرية، وعلى مستوى المجتمع بشكل عام. وبالرجوع قليلًا إلى الماضي لمعرفة ماذا كان يعني المعنى التقليدي البسيط لمصطلح (التباعد الاجتماعي وعدم المخالطة) في ممارساتنا وحياتنا اليومية، وكيف كنا نفهمه وفقًا للثقافة العامة في المجتمع آنذاك، والتي كانت تشير إلى الابتعاد عن مخالطة من لديهم أمراض اجتماعية وسلوكيات مرضية معدية، والخارجين عن التقاليد والقيم والعادات المصرية المعروفة، وكذلك الخروج على قواعد الضبط الاجتماعي الرسمي وغير الرسمي. أما واقع الحال اليوم وفي هذه الظروف المختلفة قد تكون الكلمة واحدة في الكتابة واللفظ ولكن الاستخدام والتوظيف اختلف كثيرًا، فالتباعد الاجتماعي أصبح له مفهومه الجديد في ظل جائحة كورونا، فالحقيقة أن المقصود به هو التباعد الجسماني فقط والمسافات الجسدية، وهي تدابير مكافحة العدوى غير الصيدلانية، التي يوصي بها مسؤولو الصحة العامة؛ لوقف انتشار أو انتقال المرض حسب التعليمات الصحية والوقائية المعلنة من قبل منظمة الصحة العالمية، وليس التباعد الاجتماعي وقطع العلاقات الاجتماعية والإنسانية وصلة الأرحام والأخوة في الدين؛ لأن هذا سيؤدي إلى تغيير اجتماعي كبير قادم فيما بعد في مختلف جوانب حياتنا. نحن مقبلون على نمط اجتماعي جديد بسبب الفهم الخاطئ لفكرة التباعد من أجل الوقاية سيؤثر على كافة سلوكياتنا الحياتية، سنعيش أسلوبًا ونمطًا جديدين في المخالطة، وطباعًا جديدة في الجلوس، وطرقًا مبتكرة في التحية والتعانق الذي كان جزءًا من ثقافتنا المصرية، وسنرى حدودًا دنيا مقتصرة ومدروسة في المشاركات الاجتماعية، وستصبح بالفعل المشاركة في واجب العزاء والفرح والسرور بكافة تفاصيلها في أضيق حالاتها، وبالطرق والوسائل الإلكترونية الحديثة كالفيس بوك والواتس آب، والتي كانت مرفوضة وتُعد خرقًا وخروجًا على الآداب في السابق. هذا علاوة على التغيير الذي طال طريقة أداء العبادات في مختلف حالاتها؛ لاعتبارات صحية، واجتماعية معتمدة على إرث جديد اسمه التباعد الجسماني وعدم المخالطة والحفاظ على المسافات الآمنة. وفي سياق هذا الحديث الذي غدا واقع الساعة أذكّر بوجود دراسة جديدة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تشير إلى أهمية استمرارية التباعد الاجتماعي وعدم المخالطة حتى عام 2022م، هذا كإجراء رسمي تتبعه الدولة، فما بالك عن تأثير ذلك على الامتثال الشعبي، سيصبح ذلك سلوكًا متجذرا ثابتا لا يمكن العودة عنه في جملة التصرفات وطريقة ونمط وشكل الحياة الاجتماعية المقبلة. أخيرا أقول: إنني لست ضد التغيير إن كان إيجابيًّا في سلوكياتنا، لكن فيروس كورونا خلق ثقافته الخاصة وعاداته الاجتماعية الجديدة، التي سيكون لها تأثير على السلوك الإنساني، ولن تمر دون أن تترك بصماتها على العلاقات الاجتماعية في بلادنا، ومن أهمها العلاقات الأسرية والاجتماعية والعلاقة بين الأجيال الحالية. نحتاج في الوقت الحالي إلى دعم بعضنا بعضًا، ولكن مع الحفاظ على التباعد الجسدي قدر الإمكان، وليس التباعد الأسري وقطع الأرحام بحجة الخوف من المرض؛ لأن صلة الأرحام لا يجوز شرعًا قطعها نهائيًّا، ولكن يمكن الاقتصار فيها على السؤال بشكل مستمر، كإلقاء السلام، والتهنئة في الأعياد والمناسبات، حتى لو كان ذلك عن طريق المكالمات والرسائل الهاتفية. حافظوا على التباعد الجسدي، لكن ابقوا على الاتصال بالناس اجتماعيًّا، ولو من خلال الاتصالات والزيارات الخفيفة مع الحفاظ على التعليمات الصحية والوقائية؛ لأن هذا يعتبر ضمانة لسلامة المجتمع وتماسكه وقوته؛ لأن الإسلام أمر الإنسان أن يكون واصلًا لرحمه، محسنًا لجاره؛ لأن تماسك المجتمع وسلامته يكمنان أساسًا في الحفاظ على صلة الرحم وحسن الجوار. حافظوا على مسافات جسدية، ولكن في هذه الأوقات العصيبة أيضًا حافظوا على تواصل اجتماعي وعاطفي مع الأصدقاء والأحباب والأهل، من خلال التراحم والتماسك، من أجل أن نتقوى به على محاربة المرض.