يهل علينا كل عام شهر عظيم مبارك، ألا وهو شهر رمضان الكريم، تلكم الشهر الذى ينتظره المسلمون في جميع أنحاء العالم بشغف وشوق كبير، ولما لا وهو شهر الصيام في النهار والقيام في الليل وتلاوة القرآن في كل وقت، إنه شهر العتق من النار والغفران من الذنوب والأوزار، شهر الصدقات والإحسان على الفقراء والمساكين، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، وتغفر فيه السيئات. شهر تجاب فيه الدعوات (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ)، وترفع فيه الدرجات، وتمحى فيه العثرات، إنه الشهر الذى يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع الكرامات، ويجزل فيه لأوليائه العطايا والكرامات. شهر جعل الله صيامه ثالث أركان الإسلام الخمسة، وأول من قام بصيامه هو المعصوم صلى الله عليه وسلم. وأيضا من فضائل هذا الشهر العظيم أنَ فيه ليلة خيرمن ألف شهر، من حرم فضل هذه الليلة فقد حرم الخير كله، فيجب على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يستقبلوا هذا الشهر بالفرح والسرور والعزيمة الصادقة على صيامه وقيامه والمسابقة فيه إلى الخيرات والمبادرة فيه إلى التوبة النصوح من سائر الذنوب والسيئات والتناصح والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى كل خير لكى يفوزوا بالكرامة والأجر العظيم في هذا الشهر المبارك. فمن الصعب علينا جميعا حصر فوائد الصيام لكثرتها دينيا واجتماعيا وصحيا، فإن الصيام له فوائد كثيرة وحكم عظيمة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة كالحقد والحسد والبطر والبخل، وتعويدها للأخلاق الكريمة كالصبر والحلم والجود والكرم ومجاهدة النفس فيما يرضي الله ويقرب لديه. ومن فوائد الصيام أيضا أنه يبين للعبد مدى ضعفه وفقره وحاجته لربه، ويذكره الصيام بعظيم نعم الله عليه ( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، ويذكره أيضًا بحاجة إخوانه الفقراء فيوجب له ذكر شكر الله سبحانه، والاستعانة بنعمه على طاعته، ومواساة إخوانه الفقراء والإحسان إليهم، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه الفوائد في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة:183).
عندما فرض الله عز وجل الصيام خاطب عباده قائلا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]. فرغب الله تعالى المؤمنين في الصِّيام بالنِّداء بالإيمان؛ لتثمر التَّقوى في القلوب لِعلَّام الغيوب، فحقِّق أخي الحبيب التقوى في بيتك، وفي عملك، بل في كل مناحي الحياة؛ لتحقِّق الغاية الأسمى من الصِّيام لا مجرد ترك الطَّعام والشراب. من هدى رمضان أخي الصائم أختي الصائمة أنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: (اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ علَيْنَا بِالأَمْنِ والإِيمَانِ، وَالسَّلامَةِ والإِسْلامِ، رَبِّي ورَبُّكَ اللَّه ، هِلالُ رُشْدٍ وخَيْر)«أخرجهالترمذي»فعلموا أولادكم وبناتكم هذا الدعاء، وشجعوهم على حفظه، وَذَكِّرُوهم غُرة كل شهر عربي بقوله صلى الله عليه وسلم.فالصيام يربي في الإنسان الصبر على تحمُّل المشقة، ومكابدة الطاعة، والصبر عن فعلالمعصية، والصابر موعود بالجزاء الحسن من الله في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر:10]. أيضا من هدى رمضان الاقتصاد والتوسط ، فهما صفتان من صفات الأنبياء، وكذلك من سنة رسول الله صلىالله عليه وسلم ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : (السَّمْتُ الحَسَنُ -أي المظهر الحسن-وَالتُّؤَدَةُ -أي التمهّل والتأني- وَالاِقْتِصَادُ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ)«أخرجه الترمذي»، فهيا بنا نبتعدعن الإسراف في رمضان، ونُحيي سنة التوسط والاعتدال. كذلك من هدى رمضان أن الصيام يربي في الإنسان خلُقَ الجود والإنفاق، وذلك حينما يشعر الصائم بالفقير والمحتاج، ولهذا كان الصائم مدعُوًّلصرف المال في وجوه الخير، كما كان حال النبي في رمضان، فقد صح عنه أنه كان في رمضان أجودَ بالخير من الريح المرسلة. وأخيرا: شهررمضان الذي أنزل الله فيه القرآن، فيه الهداية والنور للناس، فعليك أخي الحبيب الحرص على مصاحبة القرآن وتلاوته والعمل بما فيه؛ لتسعد في الدنيا والآخرة. كيف نتعلم من رمضان؟ يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].فذكر الله تعالى آية الدعاء خلال آيات الصِّيام، إشارة إلى قرب الصائم من الله، وقبول الدعاء منه، فادع الله تعالى مخبتًا منيبًا إليه؛ فإنه قريب مجيب سبحانه وتعالى. لا تُعب طعامًا، ولا تُقلل من جهد أمك أو زوجتك أو من أعدَّ لك الطعام في رمضان، بل جازِه بالدعاء وقول المعروف، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ) «متفق عليه ». الصيام يربي في الإنسان فضيلة الشُّكر، فحينما يتذوق الصائم طعمَ الشبع بعد الجوع يُدرك نعمة الله تعالى عليه فيشكرها، وبالشكر يُخلف الله علينا بالمزيد؛ قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7]. وأيضا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيْئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ) «رواه: الترمذي»، فقد كان صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فهيا بنا نُحي سنة التصدق والإنفاق ولو بالشيء اليسير؛ فالصدقة طُهرة للصائم وزكاة لماله، وسعادة له في الدنيا والآخرة. والصيام يربي في الإنسان التسابق إلى الخير، وهو خلُقٌ لا يوجد إلا في صادق الإيمان؛ ولذلك اتصف به الأنبياء، ومُدِحوا به، قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء: 90] والصيام كذلك يربي في المسلم عُلُوَّ الهِمَّة؛ وذلك حين يتسابق المسلمون في العبادة، فالله تعالى قد جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه يتسابقون فيه لطاعته، فمن سبقوا أفلحوا وفازوا، ومن تخلفوا خسروا وخابوا؛ قال تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26]. والصيام يربي الإنسان على حفظ الجوارح من الآثام، والابتعاد عن ما يُغضب الله تعالى؛ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: «إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وَبَصَرُكَ، وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَحَارِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَصَوْمِكَ سَوَاءً» أخرجه البيهقي في فضائل الأوقات. وأخيرا فإن الصيام يربي في الإنسان التقوى، فمن امتنع عن المباح في نهار مضان، كان امتناعه عن المحرمات بعد رمضان عليه أيسر؛ فغاية الصوم في الإسلام تحقيق التقوى؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].