غريب هى الهجمة على منظمات المجتمع المدنى ،فقد جاءت فى وقت تصور فيه الكثيرون أن عهد اقتحام الجمعيات الشرعية قد انتهى ،وأن مصر تستعد لبناء دولة القانون والمؤسسات التى تحترم كل كيان شرعى حصل على تراخيص قانونية لمزاولة نشاطه ويخضع لرقابة العديد من مؤسسات الدولة التى من شأنها أن تراقب عمل كل الجمعيات الأهلية من الأخوان المسلمين (غير المرخصة قانونا ) حتى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ((المرخصة قانونا)) ،ودون الحاجة لاستخدام أسلوب المداهمات على مستوى الإجراءات ،هناك مجموعة من التجاوزات المقلقة التى شهدتها الهجمات الأخيرة على مقار منظمات حقوق الإنسان ،منها أن قضاة التحقيق الذين أصدروا هذا القرار تم تعيينهم بغير الطريق الذى رسمه قانون الإجراءات الجنائية (باب قاضى التحقيق ) الذى ينص على أن يتم تعيين هؤلاء القضاة بقرار من رئيس المحكمة وبطلب من وزير العدل،كما تم إغلاق وتشميع المقار دون قرار قضائى ،وبالتالى تمت أعادة تسليم بعضها بعد ثبوت خطأ أجراء الإغلاق ،وأخيرا خرق قاعدة سرية التحقيق بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية بتسريب مضمونها بما يؤثر على سير العدالة ويسئ إلى سمعة بعض المنظمات والأفراد قبل انتهاء التحقيق والوصول إلى نتائج محددة . والسؤال المطروح هل قضية التمويل الأجنبى مرفوضة من حيث المبدأ أم لا؟ وإذا كام الحال كذلك فكيف نطبقها على الجميع ،وهل تمويل الأجنبى الذى يبدأ من جهاز غسل كلى فى مستشفى انتهاء بتمويل جمعية أهلية يجب رفضه من حيث المبدأ أم أن المسألة تخضع لمواءمات وحسابات سياسية لاعلاقة لها بالقانون ،وأن الأصل فى الموضع هو قبول التمويل الأجنبي ((الذى يذهب لمؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدنى والنشاطات التنموية )) والمطلوب فقط هو أن تتابع أجهزة الدولة الرقابية لا الأمنية عمل هذه الجمعيات لضمان شفافية صرف الأموال وعدم الفساد؟ العمل الاهلى فى كل بلدان العالم ممول ،صحيح أن من الأفضل أن يكون الجانب الأكبر من هذا التمويل وطنيا ،ولكن ما العمل أذا كانت كل المراكز الحقوقية وحتى المراكز البحثية العامة والخاصة تعتمد على التمويل الاجنبى لان رجال الأعمال فى مصر فضلوا الإنفاق على الصحف والقنوات الفضائية وليس على مراكز بحثية تفيد المجتمع والنخبة وصانع القرار ،أو على جمعيات حقوقية تناضل من أجل احترام حقوق الإنسان وحماية كرامته. لأحد ينكر دور عدد من الجمعيات الحقوقية فى فضح كثير من ممارسات النظام السابق ،ومواجهة كثير من الانتهاكات التى طالت العديد من النشطاء فى الوقت الحالى ،وبالتالى فأن اتهامها بأنها تقف وراء أحداث عنف أوتحريض فى مصر هو اتهام لايوجد دليل واحد عليه . صحيح أن التمويل الأجنبى للأحزاب والسياسيين والمرشحين فى انتخابات تشريعية أومحلية أرئاسية مدان قانونا ومرفوض أخلاقيا وسياسيا ،وفى حال ثبوته يجب محاسبة مرتكبيه قانونيا ،وهو أمر يختلف تماما عن حق الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى فى التحرك دون قيود مثلما هو الحال فى كل بلاد الدنيا، وحال وقت طى صفحة المداهمات العشوائية التى تعيدنا خطوات للوراء.