* أصداء سياسية بعيدة المدى بعد هجمات أرامكو الإرهابية * موقف السعودية الحازم وتأييده من أمريكا غير المعادلة * هل تندلع الحرب على إيران.. وماذا ستفعل أوروبا في حال اندلاعها خلال اجتماع مهم على هامش دورة انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بين رؤساء دول كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا، توحد الثلاثة الكبار على إلقاء اللوم على إيران فيما يخص هجمات أرامكو في 14 سبتمبر الجاري، بعد أن كانت مواقفهم متباينة بين الإدانة والتحذير، وهو ما يعني اقتراب الموقف الأوروبي من نظيره الأمريكي، فهل يسير بذلك الموقف الأوروبي بشكل كامل مع الأمريكي في إدانة إيران وتشديد العقوبات عليها؟ وعقد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون اجتماعًا ثلاثيًا مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مقر الأممالمتحدةبنيويوركبالولاياتالمتحدةالأمريكية، قبل انعقاد الدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة. أدت هجمات 14 سبتمبر على صناعة النفط في المملكة العربية السعودية إلى تصاعد التوترات في منطقة تعاني بالفعل من أزمة متصاعدة بين الولاياتالمتحدةوإيران. أعلن المتمردون الحوثيون اليمنيون عن مسئوليتهم عن الهجمات، التي تسببت في تدمير خمسة في المائة من إمدادات العالم من النفط الخام، لكن مايك بومبو، وزير الخارجية الأمريكي، ألقى باللوم بسرعة على إيران، وألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى عمل عسكري قائلًا إن جيش بلاده مستعد، بينما أعلنت بعدها السعودية بأيام قليلة نتائجها الأولية عن طبيعة الهجمات، وألقت فيها باللائمة على إيران، فالأسلحة التي استهدفتها كانت إيرانية. وبينما أدانت السعودية وأمريكاإيران، واتفق بعدها الأوروبيون على إدانتها كذلك، رفض الرئيس الإيراني حسن روحاني أي تورط لبلاده في الهجوم الذي تم بطائرات مسيرة وصواريخ كروز، في حين حذر دبلوماسييه من أن طهران مستعدة ل "الحرب الشاملة" في حالة وقوع هجوم أمريكي أو سعودي على إيران. وأثارت تداعيات الهجمات الآمال الهشة لعقد اجتماع بين ترامب وروحاني في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي، وكان الكثيرون يأملون في أن تؤدي المحادثات المباشرة إلى تخفيف الاحتكاكات التي أثارها قرار ترامب العام الماضي بالتخلي عن اتفاق متعدد الأطراف يحد من البرنامج النووي الإيراني ويعيد فرض عقوبات على طهران، لكن هذا لم يتم. لكن تشير التحليلات إلى تغير في الموقف الأوروبي بسبب التسرع الإيراني وسياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها وأدت إلى إدانة دولية لها. فقد دعمت المملكة المتحدةوفرنسا وألمانيا - الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015 والذين كانوا يحاولون منذ أشهر إنقاذ الاتفاق - تقييم واشنطن لصفقة 2015، وحمّلت إيران مسؤولية الهجمات على منشآت نفط بقيق وهجرة خريص بالسعودية. ويبدو أن الدول الثلاث تدعم مطالب الولاياتالمتحدة للتوصل إلى اتفاق جديد يتناول أيضًا دعم طهران للجماعات المسلحة الإقليمية بالإضافة إلى برنامج الصواريخ الباليستية. وقالوا (دول أوروبا ال3) "لقد حان الوقت لقبول إيران التفاوض بشأن إطار طويل الأجل لبرنامجها النووي وكذلك بشأن القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي، بما في ذلك برنامج الصواريخ وغيرها من وسائل إيصالها". وقال محللون إن البيان المشترك يمثل تغييرا كبيرا في السياسة الأوروبية بشأن إيران. وقال جورجيو كافييرو الرئيس التنفيذي لشركة جلف ستيت أناليتيكس ومقرها الولاياتالمتحدة "تحول أوروبا نحو موقف البيت الأبيض ... سيزيد من تضييق آفاق الاتحاد الأوروبي في تمكين طهران من التحايل على العقوبات التي تفرضها الولاياتالمتحدة". أضاف كافييرو: "سوف يفسر البيت الأبيض تحول أوروبا على أنه علامة على أقصى قدر من الضغط على إيران، في حين أن طهران ستعتبره أحدث علامة على مدى افتقار الأوروبيين إلى النفوذ السياسي والجغرافي الاقتصادي للخروج عن الولاياتالمتحدة حقًا بأهم القضايا المتعلقة بايران". واستجابت إيران عكسيًا منذ أشهر مع التحرك الأمريكي الضاغط عليها من خلال البدء في تقليص التزاماتها بموجب الاتفاق النووي ، محذرة من أنها ستتخلى عن الاتفاق إذا فشلت الدول الأوروبية في الوفاء بالنواحي الاقتصادية من خلال اتخاذ خطوات ملموسة للمساعدة في مواجهة تأثير العقوبات الأمريكية. واستمرت المملكة المتحدةوفرنسا وألمانيا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، في دعم الصفقة، التي وقعت عليها روسيا والصين. لكن الجهود الأوروبية لتخفيف الضغط الاقتصادي على طهران، بما في ذلك إطلاق قناة تجارية قائمة على المقايضة تسمى INSTEX لتجاوز العقوبات الأمريكية، لم تسفر عن أي نتائج بعد. يوم الخميس الماضي، أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أن إيران قد نشرت أجهزة طرد مركزي متقدمة لتخصيب اليورانيوم - وهي الخطوة الثالثة بعيدا عن الصفقة. وقالت طهران إن الإجراءات قابلة للتراجع عن إجراءاتها، لكن أحدث تحرك لها حث الاتحاد الأوروبي على تحذيرها من أنها قد تضطر إلى البدء في الانسحاب من الاتفاق، حسبما ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية. وقالت باتريشيا لويس، مديرة أبحاث الأمن الدولي في تشاتام هاوس، ومقرها المملكة المتحدة، إن قرار إيران بتخفيض التزاماتها يقوض نهج الاتحاد الأوروبي في إنقاذ الصفقة النووية، وهو ما يعني مزيدًا من التصعيد ضد إيران، وتقاربًا كبيرًا بين موقف أوروبا وأمريكا، يوحد دول العالم الكبيرة ضد إيران. وأضافت لويس "كانت الاستراتيجية هي وضع آليات التمويل والحماية موضع التنفيذ، وتشجيع الولاياتالمتحدة على التعامل مع إيران والاتحاد الأوروبي، وانتظار إدارة ترامب، لكن إيران قوضت حظوظها". وأوضحت لويس: "أنه نظرًا لأن إيران اختارت أيضًا عدم الامتثال لبعض جوانب الصفقة.. يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يحذر إيران وربما بشكل أشد مما تفعله الولاياتالمتحدة لأن طهران تنتج بنشاط المزيد من المواد النووية". وهو ما يعني إن هذا الموقف الإيراني سيسمح بالطبع لإدارة ترامب أن تقول لإيران إذا ضربتها "لقد حذرناك قبلًا، وبالتالي تصعيد قد يفضي إلى حرب، إذا قامت إيران بخطوة أخرى أكثر تهورًا". وأدى التحول الواضح في موقف الاتحاد الأوروبي إلى رد فعل قاسي من المسؤولين الإيرانيين، حيث انتقد المرشد علي خامنئي القوى الأوروبية "الشريرة" في خطاب ألقاه في 26 سبتمبر، وطالب الدبلوماسيين الإيرانيين "بالتخلي بشكل قاطع عن أي أمل وعدم الثقة بهم". وقال إن "دوافع الأوروبيين للعداء مع طهران لا تختلف من حيث المبدأ عن العداء الأمريكي" رغم أنهم "يتظاهرون بأنهم يتصرفون كوسيط" بين الخصمين. ومع اتساع الصدع السياسي بين إيران والاتحاد الأوروبي، قال المحللون إن طهران من غير المرجح أن تقدم تنازلات وتعود إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي، فالمعروف رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) تعمل عكسيًا ولهذا، ستواصل طهران سياستها المتمثلة في "المقاومة القصوى" واستعادة برنامجها النووي بكامل طاقته. وهذا كله يشير إلى إنه في حال توتر الأمور أكثر من ذلك، فقد لاتمانع أوروبا في توجيه ضربة عقابية تعجيزية من قبل أمريكالإيران، وهو ما يجعل إيران تنعزل أكثر، وقد ينجم عن ذلك فوضى داخلية، لاشك ستضعف من قبضة النظام الإيراني، وهي أهداف قد تقوض النظام الإيراني دون أن يتدخل أحد وبيد النظام الإيراني لا بيد خصومه.