نعود للوراء قليلا ، وتحديدا عام 94 عندما طعن الإرهابي محمد ناجي عضو تنظيم الجماعة الإسلامية ، أديب نوبل نجيب محفوظ أمام منزلة محاولا اغتياله ، فقد سارعت في اليوم التالي للقبض علي هذا القاتل ،لمقابلته في مستشفي قصر العيني حيث كان يعالج من الاصابات التي لحقت به خلال ضبطه ، وكنت الصحفي الوحيد الذي التقاه وتحدثت معه في حوار مطول نشر بالأهرام وقتها ، ونقلته كافة وسائل الإعلام في أنحاء الدنيا ، وسألته عما إذا كان قرأ رواية أولاد حارتنا والتي كانت سببا في العملية الإجرامية ، فبادرني بقوله : لم أقرأ شيئا بل صدرت فتوي بقتل نجيب محفوظ . إذا القاتل لم يقرأ ولا يعرف ما يفعل ، سوي تنفيذ ما كلف به بناء علي فتوي ممن اعتبروا أنفسهم حماة للدين ، وهي تماثل نفس الجرم الذي ارتكبه الدكتور محمود شعبان الأستاذ بجامعة الأزهر، بالتحريض علي قتل قيادات جبهة الإنقاذ المعارضة للنظام الحاكم ، خاصة البرادعي وصباحي ، وتلك النوعية من الفتاوي القاتلة لسفك دماء المعارضين سياسيا ، تعطي بعض المهووسين أمثال محمد ناجي ، تنفيذ الجريمة لينال الجنة ، حسب مزاعم من يروجون ويحرضون ويدفعون خلاياهم لقتل معارضي الرئيس مرسي . وربما كان النظام وأجهزته وأنصارهم ،السبب وراء تكرار مثل هذه الدعاوي التحريضية علي قتل الخصوم السياسيين ، لعدم إتخاذ أي موقف أخلاقي ولا قانوني ضد من سبق لهم التهديد والوعيد للقيام بمثل هذه الجرائم ، بداية من التهديدات الصريحة من خيرت الشاطر، عندما كان في مؤتمر جماهيري بالمنوفية قبيل الانتخابات الرئاسية ،وحذر من عواقب التلاعب في الانتخابات، والتي ستحول مصر لبحور من الدماء ، وأعقبها نزول العشرات من كتائب الجماعة ممن أطلقوا علي أنفسهم استشهاديين وارتدوا الأكفان في ميدان التحرير يوم إعلان نتيجة الانتخابات ، وكان مخططا لهم الانتقام بتنفيذ العمليات حال فوز أحمد شفيق ، واستمر هذا الانفلات دون حساب للمحرضين أمام المحكمة الدستورية العليا ، عندما ارتفعت هتافات أنصار ومؤيدي مرسي ضد قضاة المحكمة(ادينا إشارة نجيبهملك في شيكارة) ، والمقصود أن يأمر الرئيس اتباعه لينفذوا ذلك التهديد الذي لا يحتاج إلي توضيح . تقاعست الدولة والنيابة العامة والشرطة عن آداء دورهم الحيادي لحماية المعارضين للرئيس ولجماعته ، ولم يقدم أي متهم للمحاكمة ولا حتي المثول للتحقيق ، وهذا أعطي أتباع ومحبي تيار الأسلام السياسي ، الحق في التحريض علي القتل والتكفير والتخوين للمعارضين ، باعتبارهم خوارج ويقفون ضد المشروع الإسلامي ، وصدرت الفتاوي الواحدة تلو الأخري من فوق المنابر التي تخضع لسيطرة هذا التيار ، أو من خلال الفضائيات الإسلامية ، وهناك عشرات بل مئات فتاوي إهدار الدم للمعارضين ، ولم يحرك ذلك ساكنا لأي مسئول أو رجل دين ينطق كلمة الحق ، ليردع أمثال صاحب فتوي إهدار دم البرادعي وصباحي ، وكأن الأمر مرحب به أو يجد صدي إيجابي في نفوس من يحكموننا واتباعهم . ولم تتحرك الدولة أمام فتوي سفك الدماء ، إلا بعد اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد واتهام أسرتة ، حركة النهضة أنها المسؤلة عن الأغتيال ، ولأن الحركة التي يقودها راشد الغنوشي تعد أحد أجنحة الإخوان ،فقد خشيت الجماعة الأم والرئاسة المصرية ، تكرار الاغتيال ضد رموز المعارضة ، فسارع الجميع علي غير العادة إلي إدانة فتاوي إهدار الدم ، وهناك من طالب بمحاسبة صاحبها ، إلا أن التحقيقات لم تبدأ حتي اليوم رغم تقديم بلاغ للنائب العام ، لكن الغريب أن تيارات محسوبة ظلما علي الأسلاميين لم تستنكر أو تصدر بيانا واحدا ضد هذه الفتوي ، ووضع هؤلاء أنفسهم في دائرة التواطؤ و المشاركة والتأييد . ورغم أن الاغتيالات بدأت بالفعل للعناصر الثورية علي الأرض ممن يقودون الحركة في الشارع ومنهم الشهداء محمد الجندي وعمرو سعد وجيكا ، إلا أن الأيام المقبلة ربما نشهد تصعيدا يستهدف رموزا كبيرة في المعارضة من جانب الخلايا النائمة والتي تتحرك في الزمان والمكان المحدد لها ، في ظل غياب تام للدولة وأجهزتها والتي تتفرج علي الشهداء الذين يتساقطون دون إعلان عن مرتكبي جرائم القتل المتواصلة والممنهجة .!