لم لا تسارع الدول الكبرى بالتدخل العسكري سوى لإنقاذ الدول ذات الثراء؟ ما يجري في مالي يدفع لمراجعة الأحوال منذ غزو ليبيا ثم ما حدث تباعا من تدخلات خارجية. مرة لدوافع إنسانية، ومرة من أجل الشرعية (!) ومرات من أجل الديمقراطية وإسقاط نظم استبدادية. تتفاوت الأسباب وتتنوع الوسائل والنتائج واحدة تدفع إلى تساؤل أخذ يتردد: أهى عودة استعمار عصري (بالريموت كونترول)؟ ذلك الاهتمام المتزايد بالقارة الأفريقية! موضوع مالي وذلك الاهتمام المتزايد بالقارة الأفريقية، من الآخر يتلخص في تحالف بين متمردين انفصاليين في الشمال من مالي، وفد إليهم العام الماضي فصائل جهادية، قادمة من ليبيا، منهم عناصر من القاعدة، وتحالفوا مع الانفصاليين. وأحكموا القبضة مع الانفصاليين على المنطقية الصحراوية الشاسعة المحيطة بمدينة تيمبوكتو، تبعد بآلاف الكيلو مترات عن العاصمة باماكو في الجنوب.. المنطقة الشمالية هذه وحدها تبلغ مساحة فرنسا كلها ولا يسكنها غير مليوني نفس فقط مبعثرين. أسأل: من الذي سلح ومول تلك الجماعات الإرهابية؟ أليسوا هم الذين يتدخلون فيما بعد عسكريا بعد أن يتحولوا إلى منقذين؟! الآن في مالي. ربما غدا في الجزائر ولا أحد يعرف بعدها إلى أين؟! أي تناقضات هذه. لكنها المصالح. المصالح دائما، لا مبدأ لها ولا دين ولا تعرف غير وجه المنافع! الحقيقة المجردة تقول إن التدخل المباشر لحلف الناتو في ليبيا، وغير المباشر في سوريا، أدى إلى بعث الحياة في المنظمات الإرهابية التي كانت همدت قبلها، بما فيها عناصر القاعدة التي كانت تسللت للمنطقة.. أمدهم حلف الناتو بكل نوعيات السلاح وأغدق غير تدفق الأموال للمساعدة من الداخل وعلى الأرض في إسقاط أنظمة معينة يستهدف إسقاطها. انظروا كيف يكررون أخطاءهم، ذات الأخطاء في كل مرة. خمس سنوات قضتها القوات الخاصة الأمريكية والفرنسية في تدريب جماعات شتى من المتشددين الإسلاميين، فلما تم ذلك في ليبيا وانتهت المهمة، انتقلت جماعات منهم إلى دول مجاورة! انتقلت الجماعات المدربة من ليبيا إلى شمال مالي. والبعض اتجه إلى سيناء. لهذا ليس من قبيل المصادفات أن يتفجر الصراع في مالي من شماله، بعدما انتهى الصراع في ليبيا بسقوط حكم القذافي. سبق وعبرت الجزائر عن قلقها البالغ مما حدث في ليبيا من المساعدات الغربية لتلك الجماعات الجهادية المقاتلة، غير التدريبات من قبل القوات الخاصة الأمريكية والفرنسية، مع تدفق الأسلحة من كل النوعيات، خلال الغزو بالتوكيل في ليبيا، ليساعدوا في القتال على الأرض، بينما الناتو يقوم بالمهمة بالضرب من الطائرات. فماذا كانت النتيجة؟ حدث ما توقعته الجزائر. أن تفيض تلك الأخطاء القاتلة وتغمر ما يجاور ليبيا من دول، ثم تصل إلى الجزائر هذا ما يتبدى الآن وحدث بالتمام. من ناحية تحولت ليبيا إلى ملاذ لجماعات العنف الجهادية، واستطاعت عناصر من القاعدة التسلل بين دول المغرب العربي حتى أصبحت التسمية الرائجة عنها أنها القاعدة المغربية! حدث ما سبق مثله في العراق وفي أفغانستان، وانتقلت تلك الجماعات من ليبيا إلى مالي وها هم ظهرت بوادرهم في الجزائر! الصحيفة الإلكترونية الأسبوعية للجيش الأمريكي تفيد بأن الجماعات الإرهابية تزاول دورها الآن بداخل الشمال الأفريقي، لذا الأولوية الكبرى لدى أمريكا وأوروبا حاليا هم هؤلاء الذين يشكلون تهديدا شديدا على أمن الولاياتالمتحدة وأوروبا والأمن الإقليمي... بعد إيه؟! "واشنطن بوست" ذكرت في يونيو الماضي أن طائرات المراقبة الأمريكية تزاول مهامها الاستطلاعية من قواعدها الأفريقية في كل من: بوركينا فاسو. موريتانيا. أوغندا. إثيوبيا. جيبوتي وكينيا، كما كشفت عن اتجاه لإقامة قاعدة أمريكية في جنوب السودان. ووفق "نيويورك تايمز": أنفقت الولاياتالمتحدة أكثر من نصف مليار في غرب أفريقيا لمناهضة تهديد الإسلاميين المتشددين. برنامج لتدريب قوات أفريقية تواجه إرهاب هؤلاء المتطرفين. تحت يافطة امتداد الحرب على الإرهاب الذي وصل لشمال أفريقيا. المسلمون الذين تربوا على صحيح الإسلام: السماحة والاعتدال. هم أكثر من يعاني من خطايا الغرب تلك، يدفعون الثمن غاليا في حروب ضد إرهاب، هو الدليل الأكبر على الحماقة والغفلة لدى شعوب تقع كل مرة في ذات الخطايا ولا تتعلم! خبراء عديدون يرون في الاهتمام البالغ بأفريقيا من قبل أمريكا وأوروبا، إلى حد الزج بالأبناء في تدخل عسكري، ليقاتلوا على الأرض من أجل إنقاذ حكم شرعي في مالي، هذا على حد ما تقوله الرواية الرسمية للتدخل العسكري لفرنسا الذي تباركه وتؤيده وتؤازره كل من أمريكا وبريطانيا، هذا الاهتمام البالغ هل يكون من أجل شرعية حكم في دولة أفريقية؟! مالي هذه تبين أنها تعوم فوق بحر من المصادر الأولية بالغة الثراء، معظمه لا يزال في باطن الأرض، مناجم ذهب ويورانيوم وألماظ وعروق حديد ونحاس وقصدير ومنجنيز وفوسفات وزنك وأحجار نصف كريمة ورخام.. بل والأخطر دلالات قوية على وجود بترول بكميات هائلة! هذا الاهتمام البالغ، ما هو في واقع الأمر وفي العمق غير بناء لجسور أمام كبرى الشركات العالمية ورءوس الأموال الغربية. لها أن تقتنص قضمة كبرى من المصادر الطبيعية التي تزخر بها القارة الأفريقية شديدة الثراء. لتلحق وتفوز فيها بالنصيب الأكبر قبل الصين! الولاياتالمتحدة تأتي بنحو %18 من احتياجاتها في الطاقة من أفريقيا، يقدرون أن ترتفع النسبة إلى %25خلال سنوات ثلاث! الصين تحصل على ثلث احتياجاتها في المصادر الطبيعية من أفريقيا، لهذا تنافس الغرب في التأثير على دول القارة بمشروعات اقتصادية كبرى. تحرك مدروس ومنتظم، يعيد وضع اليد على أكثر الدول الأفريقية ثراء في المواد الأولية، انفصال السودان بجنوبه العامر بالبترول، بعده ليبيا بتدخل مباشر، والآن مالي. ربما غدا الجزائر، لا أحد يعرف ماذا بعد؟! د. بطرس بطرس غالي في حديث مع عماد أديب منذ أيام قال ببالغ حكمته: انظر لا أحد يلتفت لما يجري في الصومال! ماذا في الصومال ليدفعهم إلى أن يتحركوا؟! نقلا عن "أخبار اليوم"