لو أن كاتبًا أطلق لخياله العنان ما وصل بحرفيته وتصوره لحادث قطار البدرشين، فما حدث يفوق التخيل ويعكس منظومة الإهمال التي تفشت في المجتمع المصري وباتت ابشع بكثير من ظواهر الفساد التي عانينا منها طوال سنوات طويلة. فهذا الحادث تجسيد للإهمال الذي يصل الي حد الجريمة، فمن سمح لان يتكدس ما يقرب من 200 راكب في عربتين من القطار وهي سعة اكبر من السعة الحقيقية للعربتين هو من يجب محاسبته علي ما آل اليه مصير الركاب الآمنين الذين تصوروا انهم في مأمن وهم يستقلون القطار ولكنهم اكتشفوا انهم استقلوا طريق الموت والنهاية.. نحن نعيش زمنا عبثيا لا يمكن ان يتصوره احد، والعبثية كفكر ومذهب هي التي أسست فكرة ان الانسان ضائع ولم يعد لسلوكه معني في الحياة المعاصرة كما لم يعد لافكاره مضمون وانما يجتر افكاره لانه فقد القدرة علي رؤية الاشياء بحجمها الطبيعي وأبدع الكثير في تقديم اعمال أدبية مستمدة من أفكار هذا المذهب منهم بيكت ويونسكو وهما من أطلقا لشطحات العقل الباطن وهلوسة عالم الأحلام العنان، وحوادث قطارات السكة الحديد في مصر هي نموذج تطبيقي لهذا المذهب، فخلال سبع سنوات اطيح بالدميري ومنصور والمتيني من وزارة النقل لكوارث قطارات السكة الحديد ولم ينصلح الحال، ويظل السائق والملاحظ وعامل المزلقان هم المتهمون دائماً وأبدا في الحوادث المتكررة وكأن هيئة السكة الحديد التي تعد من اقدم السكك الحديدية في العالم المقبرة الأولي لوزراء النقل في مصر دون تصحيح حقيقي لاحوالها او نظامها، فالحوادث التي تقع تكاد تكون متشابهة من حيث عنصر الإهمال والتسيب ولا احد يتدخل لعلاج الخلل ونكتفي دائماً بالتصريحات والتعويضات لضحايا كل حادث والجميع يعلم الأسباب الحقيقية لتلك الحوادث ولكن لا يوجد من يحاسب او يتخذ من الإجراءات لمنع تكرارها ونشاهد الدم علي القضبان والقتلي مشوهين والمصابين في حال يرثي له ونفقد القدرة علي التفكير والتغيير وعدم رؤية الحقيقة بحجمها الحقيقي وكأن ما نشاهده شطح من الخيال او هلوسة أحلام. لقد بات الامر خطيرا خاصة وان هناك فقدان ثقة بين المواطن والسكة الحديد وهي الهيئة الخدمية الاكثر تقديما للخدمات في محافظات مصر والخطر هنا ان المواطن الذي فقد الثقة فيها لا يمكنه الاستغناء عنها والا باتت حياته جحيما فما كان منه الا ان يقرأ الشهادة والفاتحة قبل ان يستخدم الخدمة ويفوض امره الي خالقه وما ان يصل الي مقصده سالما يشكر ربه لسلامته. ان حادث البدرشين لن يكون الاخير مثلما قلنا عن حادث أسيوط وسوف نستيقظ بعد ايام او اسابيع او اشهر قليلة علي كارثة جديدة دون ان نكون قد توصلنا الي المتسبب في الكارثة السابقة وسنظل في هذه الدائرة وكأننا لا نريد ان نعرف الحقيقة او نعالج الخطأ، وكأن علاجه صعب او مستحيل، نحن في حاجة الي قرارات ثورية في هذه المنظومة وبشكل سريع ومؤثر قبل ان تداهمنا الكارثة القادمة. نقلاً عن الأخبار