بعد أن اتهمت المملكة المتحدة وأستراليا، الاستخبارات الروسية بشن هجمات قرصنة إلكترونية موسعة ضد مؤسّسات سياسية ورياضية وشركات ووسائل إعلام من حول العالم، قامت هولندا، اليوم الخميس، بطرد 4 مواطنين روس، بتهمة تنفيذ هجوم إلكتروني على منظمة حظر الأسلحة الكيميائية. وجهت تلك الاتهامات إلى جهة واحدة وهي مديرية المخابرات الرئيسية الروسية والتي تعرف اختصارًا باسم GRU، وهي نفس الجهة التي اتهمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية بالتدخل في الانتخابات الرئاسية عام 2016، والتي ينتمي إليها الضباط الذين وجه إليهم المحقق الخاص روبرت مولر اتهامات عديدة في يوليو الماضي. وهي الجهة التي تتهمها بريطانيا بمحاولة تسميم العميل الروسي المزدوج سيرجي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سالزبوري في مارس الماضي، باستخدام عاز الأعصاب نوفيشوك، فضلًا عن محاولة اغتيال رئيس وزراء دولة الجبل الأسود السابق، ميلو ديوكانوفيتش. تعتبر المديرية وفق تقرير نشرته شبكة "سكاي نيوز" البريطانية، اليوم الخميس، أحد أقوى الأجهزة الاستخباراتية في العالم، وهي أيضًا الكيان الاستخباراتي الوحيد للجيش الروسي، وأكبر جهاز استخباراتي خارجي لروسيا. ورغم أنَّ الجهاز ما زال يُشار إليه بمديرية المخابرات الرئيسية GRU فإن الاسم قد تغير في 2010 إلى المديرية الرئيسية GU، ولا يزال خاضعًا للقيادة العسكرية الروسية، وهي غير لجنة أمن الدولة KGB أو جهاز المخابرات الرسمي للاتحاد السوفيتي، الذي خرجت من رحمه في عقد التسعينات أجهزة استخباراتية أخرى مثل خدمة المخابرات الخارجية SVR وجهاز الأمن الفيدرالي الروسي FSB. يرأس مديرية الGRU منذ عام 2016، الجنرال الروسي إيجور كوروبوف، الذي كان أحد أبرز الطيارين في الاتحاد السوفيتي، والذي فرضت عليه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات عديدة بتهمة قيادة أنشطة قرصنة "خبيثة" ضد الولاياتالمتحدة معتبرة إياه بأنه "تهديد خطير للأمن القومي الأمريكي". وعلى عكس رؤساء أجهزة الاستخبارات الروسية الأخرى، لا يعتبر كوروبوف مسئولًا أمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بل أمام وزير الدفاع، سيرجي شويجو، فقط، الذي يعتبر بدوره مسئولًا أمام بوتين. تنحصر مهمات المديرية في توفير معلومات حساسة إلى الرئيس ووزير الدفاع والجمعية الاتحادية الروسية (الهيئة التشريعة) والحكومة ورئيس الأركان، وذلك لمساعدتهم في اتخاذ قرارت سياسية واقتصادية وفي مجالاتٍ هامة مثل الدفاع والبيئة والتكنولوجيا، كما تحرص على توفير المناخ المناسب لتعزيز التقدم الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي والأمن المعلوماتي لدولة روسيا الاتحادية. تحظى المديرية بدعم كبير وخاص من جانب الرئيس الروسي، ولا يفرض عليها ضوابط كثيرة، لكنها قد تخضع لتحقيقات في مناحٍ دبلوماسية وتشريعية، ومع ذلك فإنها تعمل بشكل مستقل رغم أنها أحيانًا ما تنسق مع بعض الجهات الاستخباراتية الروسية الأخرى، وهي تعمل من الداخل والخارج، ولها حرية عمل كبيرة بتفويض مباشر من بوتين. وفي يوليو الماضي، نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تقريرًا أكدت فيه أن الاتهامات التي وجهتها واشنطن للمديرية ركزت على وحدتين لاستخبارات الإشارة يتمحور عملهما حول التجسس الحاسوبي، إحداهما مركزها بالقرب من متنزه جوركي وسط موسكو، والأخرى في ضاحيةٍ على أطراف المدينة بالقرب من مركز تسوق، مشيرةً إلى أن الوحدتين نفذتا عمليات قرصنة واسعة النطاق بهدف التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. وبالنسبة لضباطها وعملائها، فأغلبهم من الجيش الروسي، لكنها تقوم بتجنيد أشخاص مدنيين ودبلوماسيين وبعض رجال الأعمال سواء من الداخل أو الخارج، جميع يعكفون على الحصول على معلومات دفاعية استخبارتية وذلك عبر برنامج استخباراتي شديد التطور يهدف إلى الحصول على أكبر قدر من المعدات والوثائق الإلكترونية وتوفيرها للجيش الروسي. كما تحظى المديرية بشبكة جواسيس عملاقة تشمل خلايا نائمة معروفة باسم "الخارجون عن القانون"، أعضاؤها يحظون بدعم غير مباشر من الحكومة، ويقومون بمهمات شديدة السرية في منظمات ليس لها صلات رسمية بحكومة موسكو، لكن هذه الخلايا مخصصة فقط لأكثر المهام حساسية ولها دورًا جوهيرًا في الحروب المعلوماتية التي تخوضها روسيا مع بلاد أخرى. هؤلاء هم المسئولون عن عمليات القرصنة الإلكترونية وتسريبات رسائل البريد الإلكتروني لشخصيات عامة، على غرار ما حدث مع هيلاري كلينتون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فضلًا عن تأسيس لجان إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعية وحشد أصواتٍ مؤيدة لقضية تدعمها روسيا وتدشين حملات دعائية ضخمة. أحد أبرز وأضخم الوحدات الموجودة في المديرية تلك المعروفة باسم "Spetsnaz" أو "القوات الخاصة" وأحيانًا يشار إليها باسم "قوة العمليات الخاصة الروسية"، ووظيفتها هي الحصول على معلومات سرية في البيئات المعادية، وعادة ما ينطوي عملها على مهمات استطلاعية وأحيانًا تقوم بدور تدميري.