وزير التعليم العالي يزور مقر «إلسيفير» في أمستردام لتعزيز التعاون مع بنك المعرفة المصري    تنسيق جامعة أسيوط الأهلية 2025 (مصروفات ورابط التسجيل)    البابا تواضروس أمام ممثلي 44 دولة: مصر الدولة الوحيدة التي لديها عِلم باسمها    سعر الذهب اليوم الخميس 31 يوليو 2025 يواصل الصعود عالميًا    نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل 3.9% في السعودية    في ذكري التأميم ال69.. افتتاح عدد من الكباري العائمة بقناة السويس الجديدة    بروتوكول تعاون لإعداد كوادر مؤهلة بين «برج العرب التكنولوجية» ووكالة الفضاء المصرية    فلسطين: جرائم المستوطنين تندرج ضمن مخططات الاحتلال لتهجير شعبنا    نتنياهو: الهجرة الطوعية من غزة ستنفذ خلال أسابيع    ماذا يتضمن مشروع القانون في الكونجرس لتمويل تسليح أوكرانيا بأموال أوروبية؟    قرار مفاجئ من دوناروما بشأن مستقبله مع باريس    رد مثير من إمام عاشور بشأن أزمته مع الأهلي.. شوبير يكشف    تقارير تكشف موقف ريال مدريد من تجديد عقد فينيسيوس جونيور    أساطير ألعاب الماء يحتفلون بدخول حسين المسلم قائمة العظماء    انقلاب ميكروباص وإصابة 5 أشخاص بمنطقة أطفيح    انكسار الموجة الحارة في كفر الشيخ.. والأرصاد تُحذر من «التقلبات الجوية»    مصادرة 1760 علبة سجائر مجهولة المصدر وتحرير 133 محضرا بمخالفات متنوعة في الإسكندرية    «ظواهر سلبية في المترو وسرقة تيار».. ضبط 50 ألف مخالفة «نقل وكهرباء» خلال 24 ساعة    حبس بائع خردة تعدى على ابنته بالضرب حتى الموت في الشرقية    رغم تراجعه للمركز الثاني.. إيرادات فيلم الشاطر تتخطى 50 مليون جنيه    وصول جثمان الفنان لطفي لبيب إلى كنيسة مار مرقس للوداع الأخير (صور)    محمد رياض يكشف أسباب إلغاء ندوة محيي إسماعيل ب المهرجان القومي للمسرح    استعراضات مبهرة وحضور جماهيري.. حفل جينيفر لوبيز بمصر فى 20 صورة    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدّمت 23 مليونا و504 آلاف خدمة طبية مجانية خلال 15 يوما    استحداث عيادات متخصصة للأمراض الجلدية والكبد بمستشفيات جامعة القاهرة    محافظ الدقهلية يواصل جولاته المفاجئة ويتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    لافروف: نأمل أن يحضر الرئيس السوري أحمد الشرع القمة الروسية العربية في موسكو في أكتوبر    مواعيد مباريات الخميس 31 يوليو 2025.. برشلونة ودربي لندني والسوبر البرتغالي    طريقة عمل الشاورما بالفراخ، أحلى من الجاهزة    ذبحه وحزن عليه.. وفاة قاتل والده بالمنوفية بعد أيام من الجريمة    مجلس الآمناء بالجيزة: التعليم نجحت في حل مشكلة الكثافة الطلابية بالمدارس    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الخميس بالأسواق (موقع رسمي)    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    الطفولة والأمومة يعقد اجتماع اللجنة التيسيرية للمبادرة الوطنية    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    خالد جلال يرثي أخاه: رحل الناصح والراقي والمخلص ذو الهيبة.. والأب الذي لا يعوض    اليوم.. بدء الصمت الانتخابي بماراثون الشيوخ وغرامة 100 ألف جنيه للمخالفين    ارتفاع الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    أيادينا بيضاء على الجميع.. أسامة كمال يشيد بتصريحات وزير الخارجية: يسلم بُقك    البورصة تفتتح جلسة آخر الأسبوع على صعود جماعي لمؤشراتها    رئيس قطاع المبيعات ب SN Automotive: نخطط لإنشاء 25 نقطة بيع ومراكز خدمة ما بعد البيع    استعدادا لإطلاق «التأمين الشامل».. رئيس الرعاية الصحية يوجه باستكمال أعمال «البنية التحتية» بمطروح    الكشف على 889 مواطنًا خلال قافلة طبية مجانية بقرية الأمل بالبحيرة    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    حسين الجسمي يطرح "الحنين" و"في وقت قياسي"    المهرجان القومي للمسرح يكرّم الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    عقب زلزال روسيا | تسونامي يضرب السواحل وتحذيرات تجتاح المحيط الهادئ.. خبير روسي: زلزال كامتشاتكا الأقوى على الإطلاق..إجلاءات وإنذارات في أمريكا وآسيا.. وترامب يحث الأمريكيين على توخي الحذر بعد الزلزال    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    بعد الزلزال.. الحيتان تجنح ل شواطئ اليابان قبل وصول التسونامي (فيديو)    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    الانقسام العربي لن يفيد إلا إسرائيل    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من العالم الثالث إلى الأول
نشر في صدى البلد يوم 17 - 11 - 2012

في زيارتي الأخيرة إلى سنغافورة العام الماضي كنت مع مجموعة من المهتمين بتجارب العالم في الانتقال من الاستبداد والتخلف الاقتصادي إلى فضاء الحرية والنمو‏.
وأتذكر أن الصورة المبهرة الحضارية التي عليها الشارع السنغافوري والضمانات التي تديرها الدولة في إرساء عدالة اجتماعية حقيقية وفق برامج مشتركة بين الدولة والمجتمع وسياسات التجربة المتميزة في تنمية الصادرات والاستثمارات الداخلية والخارجية.. وإنشاء مناطق اقتصادية خارج سنغافورة للتغلب على قلة الموارد الداخلية..
كل هذا جعلنا نتساءل عن التوصيف السياسي للتجربة وللحزب الحاكم.. فرغم روح الاشتراكية التي تأسس عليها حزب العمل الاشتراكي عام 1954 الذي هيمن على الحياة السياسية بعد أن تآكل الجناح المنشق عن الحزب الحاكم بعد انتخابات 1968، إلا أنه لا يمكن وصف سياسات هذا الحزب بالاشتراكي بأي حال.
وظل الحوار بيننا و لم نصل إلى توصيف سوى أنه مشروع وطني انطلق من ثقافة مجتمعه وقيمه الحاكمة.. ووظف ذلك في أطر عملية تنموية توافر لها مناخ هادئ خرج فيه الجميع على مصالحه الضيقة إلى آفاق العمل الوطني الحقيقي ومن ضجيج الكلام الأجوف إلى ضجيج المصانع والعمل الدؤوب.
وفي الحقيقة فإن النهضة العظيمة في سنغافورة لخصها السيد لي كوان يو، رئيس وزراء سنغافورة، في كتابه الهام "قصة سنغافورة من العالم الثالث إلى العالم الأول" وهو الجزء الثاني من مذكراته، والذي تناول فيه قصة التحول الذي جعل من هذه الدولة الصغيرة المساحة قليلة الموارد والتي تحاصرها التحديات البيئية والسياسية نموذجا تنمويا متفردا ومتميزا.
شرح السيد لي كوان أبعاد النهضة في بلده وأسهب في إيضاح هذه التركيبة الخاصة في عناصر مشروعه بكل تفاصيلها وكيف تفاعل الإنسان بمنتهى العزم والحزم مع الوقت ومع الأرض، وكيف استطاع أن يعزف هذه المعزوفة المحلية لتصبح نموذجا كونيا مبهرا ومتميزا لا يقاربه بلد آخر من حيث حجم النقص في الموارد الأولية المتاحة.
وسنغافورة بداية من عام1819 كانت ميناء تابعا لشركة الهند الشرقية التابعة للاحتلال البريطاني.. وذلك في نطاق التوسعات الامبراطورية في آسيا.. ومع أفول نجم هذه الامبراطورية في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين وحصول سنغافورة علي الاستقلال وانفصالها عام 1965 عن ماليزيا بدأت الرحلة إلى النهضة والتنمية المستدامة..
واستطاعت سنغافورة - كما يقول السيد هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، وهو يقدم لكتاب السيد كوان يو - بقيادة رشيدة أن تحقق هذه المعجزة وانتقل دخل الفرد السنوي من "ألف دولار" عند الاستقلال إلى "ثلاثين ألف دولار" في بداية الألفية الثانية.
كما استطاعت أن تصل بحجم الاستثمار الأجنبي المباشر داخل سنغافورة بما يزيد الآن على "260 مليار دولار أمريكي"، في حين شكلت الاستثمارات السنغافورية في الخارج ما يتجاوز "190 مليار دولار" في نهاية عام 2010، وتمكنت أن تحقق في مؤشر جودة الحياة التي تنشره وحدة "الاستخبارات الاقتصادية" في مجلة "الايكونوميست"، الدرجة الأولى في آسيا والمرتبة الحادية عشرة على مستوى العالم، وأن تمتلك تاسع أعلى احتياطي نقدي في العالم، ولدى الدولة جيش وطني مجهز بشكل جيد ويعتمد على أحدث الأسلحة.
لقد مرت سنغافورة بمراحل متعددة لتطور ونمو اقتصادها باعتمادها على مجموعة من خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث كانت الأولوية باتجاه التصنيع كضرورة حتمية لتحقيق معدلات عالية في النمو الاقتصادي والتركيز على الاقتصاد المعرفي والقيمة المضافة وشملت قوائم صناعاتها الرئيسية الإلكترونيات والخدمات المالية، ومعدات حفر آبار النفط، وتكرير النفط وتصنيع الأدوية والمواد الغذائية المصنعة والمشروبات، ومنتجات المطاط وإصلاح السفن.
وتحركت الحكومة في السنوات الأخيرة للحد من الاعتماد على تصنيع وتصدير الإلكترونيات مقابل تطوير قطاع الخدمات، فضلا عن تطوير الصناعات التقنية الحيوية والكيميائية والبتروكيميائية، وذلك بالتوازي مع سياسة تجارية مدروسة خلال هذه المراحل، حيث لعبت التجارة دورا حيويا في البناء الاقتصادي.. وحرصت سنغافورة على التطوير المستمر لتلك السياسات التجارية، حيث أسهمت في زيادة وكفاءة القطاع التجاري.
ورغم النظام الديمقراطي الذي تتبناه القيادة السياسية، فإنها لم تستورد نظاما ديمقراطيا مخالفا لقيمها الحاكمة وثقافة الشعب المتجذرة.. ولذلك جاءت روح الديمقراطية في تجربتهم بآليات لتحقيق الرقابة المجتمعية والمحاسبة الشعبية بعيدا عن شعارات ومفاهيم لا تتناسب مع مجتمع في بداية العمل التنموي المتكامل.. أي في بداية التجربة.
كان التطبيق الحازم للقانون هو أحد العناوين المهمة في نجاح التجربة.. يذكر لي كوان يو في كتابه السابق أنه في عام 1993 قام أمريكي عمره 15 عاما يسمى مايكل في ومعه مجموعة من أصدقائه بتخريب بضع إشارات المرور وورش الأصباغ على أكثر من 25 سيارة وقد حكمت عليهم المحكمة وأقروا بالجرم وطلب المحامي تخفيف العقوبة وهى 6 ضربات بالعصا والسجن لأربعة أشهر.
وقد جن جنون الإعلام الأمريكي، فكيف يضرب ويهان الأمريكي من قبل السنغافوريين القساة، وتدخل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون، وكان موقف الحكومة السنغافورية محرجا، كما يقول لي كوان يو، فإذا لم يعاقب الأمريكي فبأي حق يعاقب السنغافوري وغيره؟ وانتهى الأمر إلي تخفيف الضربات بالعصى إلى أربع بدلا من ست، المهم أن الحكم طبق، وهكذا يحترم القانون ويكون مؤديا إلى الاستقرار والازدهار.
لقد استوقفني طويلا في زيارتي لسنغافورة كيفية بناء النظام التعليمي والصحي لخدمة مشروع نهضوي وتنموي، وهما نظامان متفردان سنقف معهما بالتفصيل في مقالات قادمة.
والملاحظة الأخرى خاصة بإحدى المؤسسات الوطنية التي تشرفت بزيارتها وهى مؤسسة "ربيع سنغافورة" التي يرأسها ويديرها أحد أهم العقول الاقتصادية في سنغافورة وهو المهندس فيليب هو الذي شرح لنا بالتفصيل دور هذه المؤسسة في تجميع أهم العقول في بلاده من مختلف التخصصات.
والسيد فيليب عايش التجربة من مهدها إلى الوقت الحالي وأدرك كيف انصهر الجميع في إطار ثقافة مجتمعية رافعة وفي إطار عملية تنمية بشرية متكاملة واستفادة كاملة من الخبرات المتراكمة لرجال الدولة الذين اشتركوا عبر المراحل المختلفة في صناعة هذا النجاح.
إن مؤسسة "الربيع السنغافوري" تلخص أهم ما في حالة النجاح في هذه التجربة المهمة وهى كيف تعمل العقول السياسية المختلفة والمشتبكة أحيانا بعد أن تترك السلطة لرسم مستقبل بلدها ورسم مستقبل الأجيال القادمة.. وفي زيارته الأخيرة للقاهرة قال السيد فيليب هو إن أفضل من يدير الاقتصاد هم الذين يحلمون ويملكون الخيال.
إن حلم كل المصريين في نهضة حقيقية وتنمية مستدامة لوطننا يستدعي من الجميع أن نغلب منطق الأفعال، وأن ينصهر الجميع في بوتقة واحدة بعيدا عن الخلافات السياسية والوقتية.
نقلا عن الأهرام اليومى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.