قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن البعض يزعم بأن كتابة الأحاديث وتدوينها لم يكن موجودًا في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واستدلوا على ذلك بما روي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ» رواه مسلم (الزهد والرقائق/5326). وأوضح «جمعة» خلال لقائه ببرنامج «والله أعلم» المذاع على فضائية «سي بي سي»، سبب هذا الحديث أن الصحابة كانوا يكتبون الأحاديث بنفس أسلوب كتابة القرآن، فنهاهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن كتابه أحاديثه بطريقة وأسلوب كتابة القرآن الكريم حتى لا يختلط بكتاب الله، حفظًا للمصحف. وأضاف المفتي السابق تعقيبًا على من يقول بأن الرسول الله-صلى الله عليه وسلم- أمر بعدم كتابة الأحاديث، إنه من ضمن البلايا التجزئة، فمن يهاجمون صحيح البخاري يتمسكون بحديث ويتركون أحاديث أخرى، متابعًا: «نحن في بلاء شديد مع هؤلاء الناس الذين يقرأون شئ ويتجاهلون أشياء». وأشار إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أوصى وأجاز وأمر بكتابة سنته في عهده -صلى الله عليه وسلم-، منوهًا بأن هناك مجموعة كبيرة من الصحابة كتبوا السنة، وبعضهم حفظوها مثل أبوهريرة والسيدة عائشة وغيرهما. وألمح المفتي السابق، إلى تدوين السنة بدأ في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مستدلا بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سمح للصحابة بأن يكتبوا الأحاديث لرجل اسمه أبوشاه من أهل اليمن، لأنه لا يستطيع الحفظ ويريد إخبار أهل بالأحاديث حينما يعود إلى بلده. واستشهد بحديث أبي شاه أخرجه البخاري من حديث أَبُي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَإِنَّهَا لا تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي فَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلا لِمُنْشِدٍ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا الإِذْخِرَ فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ : اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ» رواه البخاري (اللقطة/2254 ) ومسلم (الحج/1355). وتابع: إن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضى الله عنهما- يعد من أوائل من كتب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأحاديث، وكان أبوهريرة -رضيالله عنه- متفرغًا لحفظ الأحاديث والتلقي من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان من أهل الصُفة الذين اختصهم رسول الله بجزء من المسجد -وهم فقراء المهاجرين الذين جاءوا المدينة- ولا مأوى لهم، وكان رسول الله يصرف عليهم، وكانوا متفرغين للعلم.