على مدار الأيام الماضية ، صدرت عن الادارة الامريكية تلميحات ترجح قيام الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب مع الاتفاق النووى مع إيران والذي وصفه بأنه " أسوأ اتفاق تفاوضت عليه الولاياتالمتحدة " ، واكتسبت تلك التلميحات خطورتها مع اقتراب الخامس عشر من أكتوبر وهو الموعد النهائى بالنسبة للرئيس الامريكى لكى يعلن ان ايران "ملتزمة" أو "غير ملتزمة" ببنود الاتفاق من وجهة النظر الأمريكية وتقرير مدى " الصفح عنها " او " معاودة عقابها " . وقد تحدى الرئيس الايرانى حسن روحانى الرئيس الأمريكي ترامب ان يقدم على نقض الاتفاق النووى الذى ابرمته طهران فى يوليو من العام 2015 مع الولاياتالمتحدة وحلفائها ويخضع لمراجعة دورية من جانب واشنطن ووكالة الطاقة الذرية كل ثلاثة اشهر ، وقال روحانى فى خطاب أمام جامعة طهران قبل يومين ان الاتفاق والاثار المترتبة عليه غير قابلة للالغاء مؤكدا التزام ايران الكامل ببنودها ومتهما الادارة الامريكية الجديدة بالمغامرة بسمعتها الدولية اذا اقدمت على نقض الاتفاق . ويحد الاتفاق النووى الايرانى من قدرات البرنامج النووى الايرانى من خلال ضمانات لسلميته وذلك فى مقابل تخيف العقوبات الاقتصادية التى كانت مفروضة دوليا على طهران بسببه . وفى حالة اقرار الرئيس الامريكى بان ايران " لم تلتزم" ببنود الاتفاق النووى سيكون امام الكونجرس الامريكى مهلة لا تتعدى ستين يوما لتقرير ما اذا كانت العقوبات المفروضة على ايران التى ألغتها ادارة الرئيس السابق اوباما بموجب الاتفاق ستظل ملغاة او ان يتم اعادة فرضها من جديد على ايران . تجدر الاشارة فى هذا الصدد الى ان مفتشى الأممالمتحدة كانوا قد أكدوا التزام ايران بتعهداتها التى نص عليها هذا الاتفاق بما فى ذلك انشطتها فى تخصيب اليورانيوم وأنظمة الطرد المركزى وهو ما استندت عليه ادارة أوباما لرفع العقوبات الاقتصادية التى كانت مفروضة على الايرانيين قبل توقيع الاتفاق . ولا يقتصر القلق من توجهات الادارة الامريكية الجديدة ازاء الاتفاق النووى على ايران وحدها بل يمتد الى حلفاء الولاياتالمتحدة انفسهم الذين يشعرون بالقلق مما قد يكون " قادم" وترصد تقارير اخبارية امريكية حالة من القلق والترقب لدى حلفاء الولاياتالمتحدة تحسبا لإقدام واشنطن على نقض الاتفاق النووى مع طهران بزعم انه لا يخدم المصالح الامريكية ، كما كشف عدد من اعضاء الكونجرس الامريكى عن عدم استعدادهم اصدار قانون جديد لاستئناف معاقبة ايران الا بعد قياس دقيق لقبول الايرانيين لمسألة اعادة المفاوضة على الجوانب التى تعتبرها واشنطن " شائكة " فى الاتفاق . وأكد ذلك السناتور توم كوتون المعروف بانتقاده الشديد للاتفاق النووى مع ايران – وهو جمهوري متشدد عن ولاية اركانساس – فى افادته امام لجنة العلاقات الخارجية فى الكونجرس . وقال إن مهلة الستين يوما لن تكون كافية للادارة الامريكية الحالية وحلفائها الموقعين على الاتفاق لمحاولة اعادة الوصول الى اتفاق افضل مع الايرانيين . وقال السيناتور الديمقراطى راند باول ان منتقدى الاتفاق النووى مع ايران لا يضعون خطوطا فاصلة بين " خرق " تقوم به طهران للاتفاق وبين تبنيها لسياسات تتسم بالعدوانية وهو ما يعبر عن مشكلة ذات طابع فنى وقانونى فى المقام الأول يتعين النظر فيه وتقريره بدقة وعدم الاكتفاء فى ذلك على " أهواء " الرئيس الامريكى وطاقم معاونيه الذين امضوا الاشهر الثلاثة الماضية فى تحليل جوانب الخطورة فى الاتفاق النووى مع ايران . وبحسب صحيفة "واشنطن اكسامينر" الأمريكية كان ترامب غاضبا من رفض أعضاء فى طاقم ادارته المساس بالاتفاق النووى مع ايران خلال اجتماعات المراجعة الدورية التى تتم كل ثلاثة اشهر للاتفاق والتى كان اخرها فى منتصف يوليو الماضى . وكشفت الصحيفة الأمريكية عن معارضة مساعد ترامب السابق وكبير مسئولى الشئون الاستراتيجية فى البيت الابيض ستيف بانون العبث فى الاتفاق النووى مع ايران فى الوقت الراهن ، وقد أيد مستشارون سابقون للرئيس الامريكى من بينهم جوركا سيباستيان هذا الرأى وكذلك رفض هيربرت ماكماستر مستشار الأمن القومى وريكس تيلرسون وزير الخارجية أي نقض فى الوقت الراهن للإتفاق النووى مع ايران قبل التمهيد الجيد لذلك مع حلفاء الولاياتالمتحدة الاوروبيين . لكن على الجانب الآخر ، هناك من يؤيد نقض ترامب للاتفاق بل ويدفعه الى ذلك المسار دفعا ، من بينهم نيكى هالى سفيرة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة التى كالت الاتهامات للايرانيين بالعبث بالاتفاق والعمل على خنقه واخراجه عن اهدافه مستشهدة على ذلك باستمرار ايران فى تطوير الصواريخ الباليستية ودعم "تنظيمات ارهابية" فى الشرق الاوسط كحزب الله اللبنانى وهو ماردت عليه طهران بنصيحة الى الولاياتالمتحدة بإبعاد قواعدها العسكرية فى منطقة الخليج بعيدة عن مرمى الصواريخ الايرانية فى حالة نقض الاتفاق . ومعروف ان ايران أجرت اختبارات اطلاق لصواريخ يصل مداها الى الفى كيلومتر وهو مدى يدخل فى دائرة المباح لها تطويره بموجب الاتفاق ، كما انه من المعروف ان القواعد الامريكية فى منطقة الخليج وأفغانستان لا تبعد سوى 500 كيلومتر فقط عن ايران وهو ما يضعها فى مرمى استهداف الصواريخ الايرانية . وكان القضاء الايرانى قد حكم فى الثامن من الشهر الجارى بالسجن خمسة اعوام على أحد مفاوضى ايران فى الاتفاق النووى بتهمة الجاسوسية خلال مسار المحادثات ، وجاء فى حيثيات الحكم أن عبد الرسول دورى اصفهانى قام خلال محادثات الاتفاق النووى بنقل معلومات الى المفاوضين الغربيين مع ايران واتصل بجهازى استخبارات غربيين على الاقل . وصدرت احكام السجن على اصفهانى بعد ثبوت التهمة عليه ، وهناك تقارير تقول ان اصفهانى ذو خلفيات مصرفية فى الأساس وأنه يحمل الجنسية الكندية وهناك تقارير اخرى تقول انه يحمل الجنسية البريطانية وقد تخابر معها . وكان اصفهانى قبل ايقاع الاستخبارات الايرانية به فى يونيو من العام 2016 عضوا فى المجلس الاشرافى على اجراءات تنفيذ الاتفاق النووى ، كما اوقعت الاستخبارات الايرانية بعدد اخر من مزدوجى الجنسية بعد ابرام اتفاقها النووى مع الغرب واتهمتهم بالتجسس ، ووفقا للقوانين الايرانية فإن ايران لا تعترف بإزدواجية الجنسية لمواطنيها ولا تعاملهم الا بجنسبتهم الايرانية فقط وهذا يعنى استحالة تدخل الدول الاخرى التى يحملون جنسياتها لصالحهم او تقديم اى حماية قنصلية لهم داخل ايران .