كثيرٌ ما حدثنى أحد أصدقائي الذين يقرأون كتاباتي أن أخوض فى انتقاد سياسة هؤلاء، وأناصر أولاء، وأفصح عن رؤيتى السياسية التى لا جدوى منها، فأرى أن الخوض فيها لا يُجدى سوى الجدال، بل يأخذني قلمى لأدون موقفًا أو حدثًا يشغل نفسي والعامة ممن يقرأون ويعالج قضية فى المجتمع. أصابنى فى زمن ليس ببعيد نوبة من السعال فزارنى أحد أصدقائي وقد وجدنى سئمت مجلس الفراش يوما واحدا وشكوت له ألم البرد والحرارة فى جسدنى، فتبسم ونظر إلى قائلا "لا تفجع يا صاحبي! وأحمد الله على مصابك وتذكر كم من مريض غيرك فى سريره لا يقوى على الجلوس من غير معين" صمت قليلًا أتدبر حديثه وقلت "أترمى إلى شئٍ ما؟، قال أتقعد فتسمع؟ أجبته بأن نعم! فما وراءك؟ قال بلانى الله بمرض ليمتحن صبرى وقد زلزلت نفسى وضاقت الدنيا من حولى، تيقظت يومًا فوجدتنى أنزف دمًا ويؤلمنى بعض جسدى ولم أبالى لذلك ظننته قليلا ثم يرحل، فمر الصباح ثم المساء والألم يزداد وارتفعت حرارة جسدى ولازمت مقعدى لا أسطع على قضاء حاجتى!، وصار قلبي ينقبض وينبسط، وجسدي ينتفض من الحرارة والألم وأمى تجلس جوارى تداوينى حتى يحضر الطبيب". يُكمل صديقي حديثه قائلًا " حضر الطبيب فأخذ يُقلب بموضع الألم وأمر ببعض التحاليل والأدوية، فلزمت فراشي وجسدي يتضور ألمًا وما يلبث أن يزداد الألم ليلا ولا اقدر على النوم! وكلما شكوت لإخوتى أجابونى بالصبر والتحمل فما هو إلا القليل حتى تنكشف الغمة ويحل الشفاء، فأبيت ليلتى على جنبي تارة يسارا وأخرى يمينا، لا أجد من أشكيه ألمى سوى خالقى ! وجبينى متصببًا بالعرق لا أقوى على مسحه، ويغيب ذهني قليلًا من شدة الألم ثم يفيق قليلا ومن يمر عليه يواسيه بالصبر والتحمل!. وبينما هو يقصُ حديثه دمعت عيناى لوصف! ، ثم قلت فى نفسي كم من مريض أجلسه المرض فى فراشه ولا يشعر به إلا الله ؟ وكم من مريض يوجعه مرضه وتخشي عينيه أن تذرف دمعًا مخافة أن يواسيه الناس ويعيروه بذلك؟.. وتابع حديثه " لم أجد بجانبي من أخلائى واحدا يشغله أمرى، فمنهم من اعتذر لدروسه ومنهم من اعتذر مخافة أن يتأخر على بيته فيعنفه أبوه، ومنهم من واسانى بحديث صرفته عن عقلي كى لا أذكره، فبت فى سريرى أياما أتضور ألما لا أجد بجوارى لا إخوة ولا أخلاء فكلهم يرون أنه عارض ألم به وقليلا من الألم حتى ينصرف! حتى جاء اليوم الموعود. وتابع قصته وقد اسودت معالم وجهه وجهش باكيا، " حُملت إلى طبيب آخر فصرخ من موضع الألم وقال " ماذا كنت تنتظر حتى تحرك من موضعك حتى تموت؟ ويحهم لما تركوك على هذه الحال وقد أشاح بوجه أهلى! فأخبروه أن طبيبا آخرًا أعطاه هذا وهذا ، فغضب قائلا " تأخرتم كثيرا"، حتى أمر بتجهيزى لعملية جراحية لبتر موضع الألم وقد أنهكته حرارة الجسد وانقطاع الدم عنه دون أن يخبرونى بذلك!. صمت الصديق قليلًا ولم يسطع أن يكمل الحديث فتوجه بالحديث إلى وقال" أردت أن اقص عليك مصيبتي وقد شفانى الله الآن لتتدبر كم من مريض غيرى ألم الله بهم بمختلف الأمراض وهم صابرون غير جازعين أحوالهم، أفلا تحمد الله على بلاء أرجعك إليه فذكرته فزادك به قربا منه فكان سببا فى رده إليه؟ ، بلى والله ، إن الحمد لله فى السراء والضراء. فيا أيها الحالمون بأهليكم وأقرباءكم وأصحابكم، إذا رأيتم مريضا فلا تنهروه أو تقللوا من ألمه وما يشعر، فمهما كنت ذو مقربة منه فلا تشعر بما يشعر، إنما يشعر بالمريض رب المريض وحسب، وإن رأيت مريضا فى حاجة لعون منك فلا ترده وان أشغلتك الدنيا وما فيها، فقد رحم الله معينا أعان أخاه فى السراء، فما بالك لم أعانه بالضراء؟.