قالت دار الإفتاء المصرية، إن حديث الدنيا سجن المؤمن صحيح، وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأضافت الإفتاء، في فتوى لها، أن هذا الحديث روي عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» أخرجه مسلم في صحيحه. وأوضحت أن الإمام النووي قال في "شرح صحيح مسلم" (18/ 93): [قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مَسْجُونٌ مَمْنُوعٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ مُكَلَّفٌ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ الشَّاقَّةِ، فَإِذَا مَاتَ اسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا، وَانْقَلَبَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ النَّعِيمِ الدَّائِمِ وَالرَّاحَةُ الْخَالِصَةُ مِنَ النُّقْصَانِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّمَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَصَّلَ فِي الدُّنْيَا مَعَ قِلَّتِهِ وَتَكْدِيرِهِ بِالْمُنَغِّصَاتِ، فَإِذَا مَاتَ صَارَ إِلَى الْعَذَابِ الدَّائِمِ وَشَقَاءِ الْأَبَدِ». ونقلت قول الإمام المناوي قال في "فيض القدير" (3/ 546): [(الدنيا) أي الحياة الدنيا (سجن المؤمن) بالنسبة لما أعد له في الآخرة من النعيم المقيم (وجنة الكافر) بالنسبة لما أمامه من عذاب الجحيم، وعما قريب يحصل في السجن المستدام، نسأل الله السلام يوم القيامة، وقيل: المؤمن صرف نفسه عن لذاتها فكأنه في السجن لمنع الملاذ عنه، والكافر سرحها في الشهوات فهي له كالجنة. قال السهروردي: والسجن والخروج منه يتعاقبان على قلب المؤمن على توالي الساعات ومرور الأوقات؛ لأن النفس كلما ظهرت صفاتها أظلم الوقت على القلب حتى ضاق وانكمد، وهل السجن إلا تضييق وحجر من الخروج؟. وتابعت: فكلما هم القلب بالتبري عن مشائم الأهواء الدنيوية والتخلص عن قيود الشهوات العاجلة تشهيا إلى الآجلة وتنزها في فضاء الملكوت ومشاهدة للجمال الأزلي حجزه الشيطان المردود من هذا الباب المطرود بالاحتجاب، فتدلى بحبل النفس الأمارة إليه، فكدر صفو العيش عليه، وحال بينه وبين محبوب طبعه، وهذا من أعظم السجون وأضيقها، فإن من حيل بينه وبين محبوبه ضاقت عليه الأرض بما رحبت وضاقت عليه نفسه.