يصعب علي كثيرا أن أتحدث عن السياسة ، حديثا رائعا وبارعا ؛ وذلك لسببين : الأول : لأني لست سياسيا محنكا ، أو حتى محتكا بأهل السياسة ، ولا أفهم في السياسة كأي واحد من سياسنا الكرام أو اللئام والثاني : لأني لا أحب السياسة ولا إكراه في السياسة ، والحمد لله غير أن لي رأيا بسيطا حول السياسة ، وفهما ساذجا لها ، يمكن لي أن ألخصه بنوع من الحذر والخجل في كلمات معدودة ، تغني عن اللف والدوران ، والخوض في النظريات ، والمذاهب ، والاستشهاد بالأعلام ، والرواد ، والمفكرين القدامى والمحدثين .. المصلحين والمفسدين على السواء وهذه الكلمات هي : السياسة تعمد في جوهرها إلى تدبير شؤون الناس الدينية والدنيوية ، وتنظيم أمور الجماعات والهيئات بعدما تتكون ، وتسيير الأفراد على اختلافهم ، ونفاذ الأمر فيهم ، بما يلاءم أحوالهم ، ويحقق مصالحهم ، ويؤدي إلى منافعهم بشكل أفضل ، ومقام أنسب ، حتى يكونوا جميعا شعبا مستقرا راضيا ، مستقيم الحياة ، موفر الآمال والغايات ... السياسة هي أن نرى كيف تتغير الظروف ، التي تحيط بنا أفرادا وجماعات ، من السيئ إلى الحسن إلى الأحسن ، وباستمرار .. وأن نرغب في تكوين مجتمع نشيط ، عامل ، منتج ، مفكر ، صاعد ، على الدوام ... السياسة هي أن نجعل من الفرد إنسانا أفضل ، ينال حقوقه كاملة ، ويدرك واجباته كلها ، فيؤديها أحسن أداء وأروعه ؛ يحفزه في ذلك حب الوطن ، والرغبة في التطور والنماء ، لا يخاف على رزقه ، ولا على رقبته ، في ظل القانون العادل والأمن المستتب ... السياسة هي احترام القانون ، ومراعاة حقوق الآخرين ؛ فلا يوجد في الأمة رجال فوق القانون ، وآخرون تحت القانون ، بل يقف جميع أبناء الشعب بمختلف طبقاتهم ، ومشاربهم ، ودرجاتهم ، وأجناسهم ، في ( خط استواء ) القانون ، كل له ما له ، وعليه ما عليه .. حقوقهم مرعية ، وواجباتهم مقضيه ، يثاب المجتهدون والمخلصون ، ويعاقب المفسدون والمتحايلون ... وعلم السياسة هو نفسه علم تغيير الواقع الاجتماعي ؛ وذلك بالسعي الكادح نحو زيادة الدخل القومي ، ورفع مستوى الأجور بالنسبة إلى الأفراد العاملين ، وإقامة مشروعات التنمية الاقتصادية ، ونشر الثقافة الإيجابية ، وإحقاق الحق ، والعدل ، والكرامة ، والمساواة .. وإزهاق الباطل ، والظلم ، والذل ، والإهانة .. والنزوع نحو تحقيق الأمن ، والرخاء ، لكل مواطن ومواطنة ، ونشر الطمأنينة والسعادة بين الجميع ، التي هي غاية ليس بعدها غاية لأي امرئ في الحياة . وبكلمة جامعة مانعة فإن السياسة هدفها أن يتحقق الخير للدولة ، في مجموع أفرادها ، دون تمييز أو استثناء ، لأن السياسة هي حياة الناس