تعددت أنواع الرسوم والضرائب التي يدفعها الإنسان في وقتنا الحاضر، في زمن العولمة والتطور وحقوق الإنسان....!! لحظة هل تبدو لكم هذه الكلمات كأنها بداية مقال عن الوعي الضريبي أو الضرائب التي تهز كيان الجميع؟ يؤسفني أن أقول كلا، ليس كل ما جال في خاطركم، إنني أتكلم عن قانون سنته الحياة وصاغته الظروف وطبقته الكائنات البشرية.. أتحدث عن ما أسميته "ضريبة اليتم". نعم هذا النوع الشائع والفريد في آن واحد من الضرائب المبطنة غير المعلنة من قبل الخاضعين لرسومها القاسية والصعبة، حيث يخضع لها كل من فقد أمًا أو أبًا أو كليهما سواء اشتد عوده أو لم يشتد، سواء كان ذكرًا أو أنثى، وهنا يجد اليتيم إرثه الحقيقي وحصته من الظلم والقسوة ولا ننسى أن نذكر أن هذا الارث يعد الوحيد في العالم الذي يعطى للأنثى مثل حظ الذكرين بخلاف ما تعودنا. وإذا ما تساءلنا عن نوع هذا الاحتساب الضريبي الطويل الأمد فلا نجد سوى كلمة السيطرة، فكل من يحيط باليتيم يحاول أن يسيطر عليه وعلى ممتلكاته المادية بالمرتبة الأولى ثم يسيطر على ممتلكاته الصغيرة والخاصة وأحيانًا كثيرة على ذكرياته محاولا تشويه صورة من فقد ومن جعله يتيمًا لأنه تركه في عهدتهم ومسئوليتهم ولم يفكر فيه وفيهم ولم يؤمن له حاجاته، فيبدأ اليتيم هنا في سماع صوت غريب يقول له: "ما خطبك أيها اليتيم ألا يكفيهم ما لديهم ليتحملو عبء يتمك ووحدتك! لا تعترض أو تفكر في ذلك فهذا هو الثمن الذي يتحتم عليك الآن"، ويستمر الصوت في الحديث وتستمر الحكاية. وقت الاستقطاع يبدأ بعد أن يبرد جسد الميت خلال مراسم جنازته وفترة الحداد عليه، يمضي أربعون نهارًا على الرحيل ويبدأ التلاشي، فيتلاشى الدم الذي يجري في جسد من أودع في التراب وتتلاشى من عروقك وعروق الجباة صلة القرابة. ويبرد الدمع في مدمعه تمامًا كما تبرد القهوة في ركوتها حين ينتهي المأتم، فالناس توقفوا عن البكاء وبدأوا في الحديث والضحك، هنا تكون لحظات صمتك القاتل بدأت مشوارها الطويل، الآن استعد جميع المعنين للتكشير عن أنيابهم بغية جبي الضرائب، فعليك أيها اليتيم أن تدفع ثمنًا مقابل كل ما قدم إليك ابتداءً من دموعهم المزيفة وأحزانهم الكاذبة فنفقاتهم المادية فوقفتهم الاجتماعية، والأهم من هذا وذاك وعودهم الزائفة التي يحملوها لك حين تمتد أيديهم القذرة كجذع شجرة متيبس لا أمل لأغصانه في الحياة لتحط على كتفك الصغير المعلق بجسدك حديث اليتم كما تحط النسور على جثة فريستها، وأنت لا تعي شيئًا غير أنهم معك وسيحلون محل من فقدت ويعرفون حق المعرفة مالذي يعتريك في مثل هذا الموقف. هنا يتوقف الزمن للحظة ويلتقط صورة، ثم يجري مجددًا، فأين المفر من جباة الضرائب بأنيابهم الحادة وقلوبهم المتحجرة وأيديهم المتخشبة، وتبدأ رحلة جديدة كأنها قصة ألف ليله وليلة، ففي أقل من مائة ليلة وليلة يجد أنه لا بد من النضوج بسرعة كسرعة البرق والاعتماد على النفس حتى يكاد يرى الشيب ببياضه الثلجي غطى مرجه الواسع قبل أن يبلغ العشرين. يجب أن يتمكن في وقت قياسي من إعالة أسرته ودفع فواتير مرضهم وأقساط الدراسة، أما عن العيد الذي قد يطل عليه دون أن يكون قادرًا على اقتناء ملابس جديدة، فيكتفي بشم رائحة كعك العيد التي سرقتها نسمات الهواء من مطبخ جيرانه، فيستيقظ والرائحة في ذهنه الشريد وطعم المرار في فمه المطبق ويذهب ليعايد أهله بملابسه المعتادة وبغصة حزن عميقة غير معتادة، فيمسح من قلبه دمعة حزن ويرسم على خد أخيه الصغير دمعة فرح حين يهديه قميصه القديم الذي أصبح مناسبًا لمقاسه، فهو الآن يسدد جزءًا من الضريبة.. أما حان الوقت ليصمت ذلك الصوت، أما آن الأوان لتعديل دستور حياتنا وشطب ضريبة اليتم من الوجود؟