كشفت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي جراء مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، للمرة الثانية منذ توليه رئاسة الجمهورية، العام الماضي، العديد من المكاسب التي حققتها الدولة المصرية والدبلوماسية الشعبية على حد سواء، بجانب أهمية هذه الزيارة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. اقتصاديا لأن الرئيس التقى زعماء العالم وفتح العديد من الملفات الاقتصادية التي تصب في بناء اقتصاد الدولة المصرية الذي انهار بسبب توابع ثورة يناير حتى الآن، بجانب أن الزيارة جاءت في توقت هام للغاية وتأكيدا على الثقة في استقرار الأوضاع في مصر وتقريب وجهات النظر بين مصر وواشنطن والدول التي شاركت في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتعريف المجتمع الدولي بحقيقة ما يحدث في مصر وحجم التحديات التي تقابلها الدولة من خلال حربها على الإرهاب. ولعل المساندة الشعبية التي صاحبت الرئيس أثناء زيارته للولايات المتحدةالأمريكية ونجاح الجالية المصرية والمغتربين في توصيل حقيقة ما يجري في مصر للخارج ظهرت جيدا من خلال الثقة التي كان يتحدث بها السيسي أثناء كلمته أمام الأممالمتحدة ولقائه مع عدد كبير من رؤساء الدول هو تأكيد لمسألة فك الحصار السياسي عن الدولة المصرية، وهو نجاح كبير للدبلوماسية المصرية والشعبية بكل المقاييس. كما أن هذه الزيارة مختلفة عن العام الماضي نظرا لأن موقف مصر هذا العام مؤثر على المستويين العربي والدولي وثبات التوجهات المصرية من خلال رؤيتها في القضايا المصيرية مثل الأزمة السورية، حيث كانت مصر أولى الدول التي طالبت بأن تكون الكلمة الأولى للشعب السوري وتأكيده على أن موقف الدولة المصرية من الأزمات في سوريا وليبيا واليمن ثابت لم يتغير منذ توليه الرئاسة، وهو الرغبة في التسوية السلمية للنزاعات، بجانب أن هذه الزيارة نجحت في زيادة فرصة مصر للحصول على مقعد في مجلس الأمن. كما أن الرئيس تحدث عن إنجازات ملموسة مثل مشروع قناة السويس والتنمية الاقتصادية، إضافة إلى دوره في تأهيل الشباب، وأنه نجح بالفعل في تقديم مصر الجديدة للعالم من خلال هذه الإنجازات الملموسة ودعوته العالم للاستثمار على أرض مصر، وهذا دليل جديد على أن الإرهاب أصبح لا يشكل خطورة كبيرة كما كان بعد ثورة يوليه مباشرة، وأن المناخ المصري أصبح أكثر أمنا واستقرارا من المناخ الأوروبي نفسه الذي أصبح تحت مرمى نيران التيارات الإرهابية، كما حدث في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا. من الآخر؛ نجح المؤيدون للدولة المصرية في توصيل صوتهم لعدد من الدوائر المختلفة على المستوى الإعلامي والسياسي، وتحرك عدد منهم مع الشارع الأمريكي لشرح وجهة النظر في أمور مغلوطة كانت التيارات الإرهابية قد أوصلتها إلى الرأي العام في أمريكا وانتصرت إرادة الدبلوماسية الشعبية على أكاذيب الإخوان وأنصارهم من الثوريين الاشتراكيين. فشل الإخوان هذه المرة فشلا ذريعا في ترويج شائعات مغلوطة عن حقيقة الأحداث في مصر، واقتنع الشارع الأمريكي بأن ترويج الأكاذيب على طول الطريق لن يستمر، وأن الدبلوماسية الرسمية مع الشعبية لعبت دورا مهما في اصطياد إخوان أمريكا وهزيمتهم معنويا أمام الرأي العام الأمريكي خلال زيارة الرئيس السيسى. كان الإخوان قد عقدوا اجتماعا مطولا قبل وصول السيسي إلى أمريكا مع عدد من القوى الثورية المناهضة لنظام الحكم في مصر، منهم الاشتراكيون الثوريون و6 أبريل، واتفقوا على أن يقوموا بعمل مظاهرات ضخمة أمام الأممالمتحدة أثناء إلقاء السيسى كلمة مصر، ومظاهرات أمام مقر إقامته، لكن المصريين المقيمين في أمريكا نجحوا مع الدبلوماسية الرسمية والشعبية في صناعة واقع جديد بحصار الإخوان في تظاهرة أمام الأممالمتحدة، وهو ما كان وراء تراجع أعداد المعارضين بدرجة كبيرة، والاختفاء التام من الشوارع حول الفندق الذي يقيم فيه السيسي. في النهاية، يجب استغلال الدبلوماسية الشعبية في تغيير وتعديل المفاهيم الخاطئة التي يروجها أعداء الوطن ضد مصر للنيل من سمعتها، ويجب أيضا صناعة لوبي جديد في الداخل يستعد لتصحيح المعلومات المغلوطة من خلال عمل أوراق بحث يمكن استخدامها للتحرر من سلوك مغالط أو معاكس للانطلاقة التي تشهدها الدولة المصرية الجديدة، على أن يتم اختيار العناصر المقبولة في الشارع المصري وإزاحة العناصر التي احترفت النفاق من أجل الوصل لأهداف شخصية وتبادل الخبرات والمعلومات والوصول لنقاط اتفاق حول المطروح والغرض منه أو المدى المطلوب كنتيجة لخطوات العمل، وأن تكون هذه التشكيلات وطنية في المقام الأول. كما أن مهمة التشكيلات الجديدة يجب أن تصد الهجوم الممنهج الذي تتعرض له الدولة المصرية والنظام السياسي في مصر من عدد من القوى العالمية التي ترفض وجود مصر جديدة مستقلة لا تخضع للابتزاز السياسي بكل صوره وترفض الاحتكار في قاموسها السياسي أو الاقتصادي، وأن تستغل هذه التشكيلات التحركات المكوكية التي يقوم بها الرئيس السيسي ومساندته شعبيا في كل جولاته الخارجية، خاصة أن الرئيس يتبنى فكرا مصريا جديدا ومتنوعا وشموليا ومعتدلا في نفس الوقت، خاصة أنه استفاد من تنوع صداقات الرؤساء السابقين بعد أن اهتم عبد الناصر بأفريقيا والشرق على حساب الغرب، والسادات بأمريكا على حساب المنطقة العربية، ومبارك تجاهل تماما الشرق على حساب علاقاته بأمريكا والغرب معا، وكان يعتقد أنه في مأمن من غدر السياسة ولم يدرك يوما أن السياسة التي تنحاز مع جانب على حساب الآخر يطلق عليها السياسيون "السياسة العرجاء". ولكن الرئيس السيسي نجح في خلق سلوك متوازن يعتمد على الندية والاستقلالية، وبالتالي تنوع العلاقات، وهو ما حدث من خلال زيارات طرق الأبواب بعنف للشرق والغرب والشمال والجنوب، فهل ينجح في استمرار سياساته المتنوعة نحو الاتجاهات الأربعة أم ينحاز إلى طرف علي حساب الآخر.. السنوات المقبلة ستجيب عن شكل توجهات الدولة المصرية أو دولة السيسي الجديدة.