علي جمعة: يجوز للمرأة السفر لأداء الحج بدون محرم إذا أمنت على نفسها ودينها مفتي الجمهورية: العلماء أباحوا سفر المرأة بدون محرم إذا كانت مع نساء ثقات أو رفقة مأمونة لجنة لفتوى: أحاديث نهي سفر المرأة دون محرم محمولةٌ على حالة انعدام الأمن كثر في زماننا سفر المرأة بمفردها دون محرم -الأب أو الأخ أو الزوج أو أحد محارمها-، ويرجع ذلك إلى انتشار الأمن في الطرق والمطارات والموانئ، وقد بشر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بذلك وجعله علامة على آخر الزمان. ويخطر في ذهن الكثيرين من الناس أسئلة عن سفر المرأة دون محرم، ويستعرضها «صدى البلد» في هذا التحقيق، وأبرزها: «ها يجوز للمرأة السفر بمفردها، وهل يوثر ذلك على صحة الحج، وما شروط سفرها، وكيفية الجمع بين أحاديث النهي وأحاديث إباحة السفر. قال الدكتور علي جمعة، مُفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، إنه يجوز للمرأة أن تُسافر إلى الحج لأداء الفريضة بدون محرم إذا توفر الأمن، أيًا كان عمرها، وإذا ما توفرت شروط الوجوب الأخرى. وأوضح «جمعة» أن للمرأةِ أن تُسافِرَ للحجِّ مع رفقةٍ آمنةٍ أو معَ نِسوة صالحاتٍ إن تَوَفَّرَ الأَمنُ، صغيرةً كانت المرأةُ أو كبيرةً، وذلك إذا تَوافَرَت شروط الوجوبِ الأُخرى، وهذا عندَ الشافعيّة والمالكيّة، مشيرًا إلى أنه في حال كان سفرها غيرَ واجبٍ فيُشتَرَطُ المَحرَمُ أو الزَّوجُ عند الجمهور، ويجوز بغير شرط المحرم عند بعض العلماء بشرط الأمن. السفر جائز بشرط وأكد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية أنه يجوز للمرأة أن تسافر من غير مَحْرَمٍ بشرط اطمئنانها على الأمان في سفرها وإقامتها وعودتها، وعدم تعرضها لمضايقات في شخصها أو دينها. واستشهد المفتي بما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري وغيره عن عَدِيِّ بن حاتم -رضي الله عنه- أنه قال له: «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينةَ -أي المسافرة- تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ»، وفي رواية الإمام أحمد: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ»، موضحًا أنه من هذا الحديث برواياته أخذ بعض المجتهدين جواز سفر المرأة وحدها إذا كانت آمنة، وخصصوا بهذا الحديث الأحاديثَ الأخرى التي تحرم سفر المرأة وحدها بغير محرم. استند «علام» إلى رأي المالكية والشافعية بأنه يجيزون للمرأة السفر بدون محرم إذا كانت مع نساء ثقات أو رفقة مأمونة، وكان ذلك في حج الفريضة، وقد استدلوا على ذلك بخروج أمهات المؤمنين رضي الله عنهن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للحج في عهد عمر رضي الله عنه، وقد أرسل معهن عثمان بن عفان ليحافظ عليهن رضي الله عنه. وتابع: ونرى الحطاب المالكي في كتابه "مواهب الجليل شرح مختصر خليل" يقول: قَيّد ذلك الباجي بالعدد القليل، ونصه: "هذا عندي في الانفراد والعدد اليسير، فأما في القوافل العظيمة فهي عندي كالبلاد، يصح فيها سفرها دون نساء وذوي محارم"، ونقله عنه في الإكمال وقَبِلَه ولم يذكر خلافه، وذكر الزناتي في شرح الرسالة على أنه المذهب، فيقيد به كلام المصنف وغيره، ونص كلام الزناتي: إذا كانت في رفقة مأمونة ذات عَدَد وعِدَد أو جيش مأمون من الغلبة والمحلة العظيمة فلا خلاف في جواز سفرها من غير ذي محرم في جميع الأسفار: الواجب منها والمندوب والمباح، من قول مالك وغيره إذ لا فرق بين ما تقدم ذكره وبين البلد. السفر في زمن الصحابة وأيدت الدكتورة نادية عمارة الداعية الإسلامية، رأي مفتي الجمهورية، بأنه يجوز للمرأة أن تسافر بدون مَحرَم بشرط اطمئنانها على الأمان في دينها ونفسها وعرضها في سفرها وإقامتها وعودتها، وعدم تعرضها لمضايقاتٍ في شخصها أو دِينها. وأشارت إلى أن جمهور الفقهاء أجاز للمرأة في حج الفريضة أن تسافر بدون محرم إذا كانت مع نساء ثقات أو رفقة مأمونة، واستدلوا على ذلك بخروج أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- للحج في عهد عمر -رضي الله عنه- وقد أرسل معهن عثمان بن عفان ليحافظ عليهن، رضي الله عنه. حقيقة أحاديث النهي عن السفر دون محرم وأفادت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية، بأن سفر المرأة وحدها عبر وسائل السفر المأمونة وطرقه المأهولة ومنافذه العامرة -من موانئَ ومطاراتٍ ووسائل مواصلات عامَّة- جائزٌ شرعًا، ولا حرج عليها فيه، سواء أكان سفرًا واجبًا أم مندوبًا أم مباحًا، وأنَّ الأحاديث التي تنهى المرأة عن السفر من غير محرم محمولةٌ على حالة انعدام الأمن، فإذا تَوَفَّرَ الأمن لم يشملها النهي عن السفر أصلًا. وألمحت إلى أن الإمام أبو الحسن بن بطال المالكي قال في شرح البخاري (4/ 532): "قال مالك والأوزاعي والشافعي: تخرج المرأة في حجة الفريضة مع جماعة النساء في رفقة مأمونة وإن لم يكن معها محرم، وجمهور العلماء على جواز ذلك، وكان ابن عمر يحجُّ معه نسوة من جيرانه، وهو قول عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين والحسن البصرى، وقال الحسن: المسلم مَحْرَمٌ، ولعل بعضَ مَن ليس بمَحْرَمٍ أوثقُ مِن المَحْرَم". وبيّنت أن الإمام الباجي المالكي قال في المنتقى شرح الموطأ (3/ 82): "ولعل هذا الذي ذكره بعضُ أصحابنا -أي: عدم خروجها في حج التطوع مِن غير محرم- إنما هو في حال الانفراد والعدد اليسير، فأما القوافل العظيمة والطرق المشتركة العامرة المأمونة، فإنها عندي مثل البلاد التي يكون فيها الأسواق والتجار، فإن الأمن يحصل لها دونَ ذي محرم ولا امرأة، وقد رُوِيَ هذا عن الأوزاعي". واستكملت: ومما يبين أن توفر الأمن هو المعول عليه عند الفقهاء في الإقدام على السفر والامتناع منه: أن الإمام مالكًا -رضي الله عنه- كره سفر المرأة مع المحرم الذي يغلب على الظن قلة حرصه وإشفاقه عليها، وقال الإمام الباجي في المنتقى (3/ 82): "كره مالك أن يخرج بها ابنُ زوجها وإن كان ذا محرم منها، قال الإمام أبو الوليد: ووجه ذلك عندي ما ثبت للربائب مِن العداوات وقلة المراعاة في الأغلب، فلا يحصل لها منه الإشفاق والستر والحرص على طيب الذِّكْر".