دار الإفتاء: التهنئة بقدوم رمضان مستحبة وجائزة شرعًا البحوث الإسلامية: مقولة «رمضان كريم» لا مانع منها شرعا مستشار المفتي: المتشددون فهموا خطأ معنى «رمضان كريم» انطلقت التهنئة بين الناس بقرب قدوم شهر رمضان، ومن أشهر العبارات المصرية التي تجرى على الألسنة «رمضان كريم» التي يعتبرها المتشددون غير صحيحة، ويطلبون بأن يقال بدلا منها: «رمضان مبارك» وما أشبه ذلك، لأن رمضان ليس هو الذي يعطي حتى يكون كريما، وإنما الله تعالى هو الذي وضع فيه الفضل، وجعله شهرا فاضلا، ووقتا لأداء ركن من أركان الإسلام. ويستعرض «صدى البلد» في هذا التحقيق، حكم التهنئة بقرب قدوم شهر رمضان، وصحة العبارة التي تردد على الألسنة «رمضان كريم» والفرق بين الكريم والأكرم. التهنئة بقدوم رمضان: قالت دار الإفتاء المصرية، إن التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام مشروعة ومندوبٌة، مشيرة إلى أنه نظراً لفضل شهر رمضان العظيم، وعموم الرحمة فيه، وكثرة المنن التي يمنها الله تعالى فيه على عباده، كان حقيقًا بأن يهنِّئ الناس بعضُهم بعضًا بقدومه، مستشهدةً بقوله تعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» [يونس: 58 ]. وأضافت الإفتاء، أن التهنئة مَظْهَرٌ من مظاهر الفرح، وجاء في القرآن الكريم تهنئة المؤمنين على ما ينالون من نعيم، وذلك في قوله تعالى: «كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» [الطور: 19]، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يهنِّئ أصحابه بقدوم شهر رمضان، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ يَقُول: «جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ». وأوضحت أنه قد نصَّ العلماء على استحباب التهنئة بالنعم الدينية إذا تجدَّدَتْ، فقال الحافظ العراقي الشافعي: «تستحب المبادرة لتبشير من تجددت له نعمة ظاهرة أو اندفعت عنه بلية ظاهرة». وتابعت: «قال ابن حجر الهيتمي: «إنها مشروعة»، ثم قال: «ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة أو يندفع من نقمة بمشروعية سجود الشكر، والتعزية، وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبته لما تخلف عن غزوة تبوك أنه لما بشر بقبول توبته ومضى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام إليه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه فهنأه»، وكذلك نقل القليوبي عن ابن حجر أن التهنئة بالأعياد والشهور والأعوام مندوبة. قال البيجوري: «وهو المعتمد». واستطردت: «قال أبو عبد الله ابن مفلح المقدسي الحنبلي: «تستحب التهنئة بنِعَمٍ دينية تجددت؛ لقصة كعب بن مالك رضي الله عنه، وفي الصحيحين أنه لما أنزل الله: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1] قال أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: هنيئًا مريئًا». وأشارت إلى أنه تُسَنُّ إجابةُ المهنِّئ وتهنئتَه بمثلها أو أحسن منها؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا } [النساء: 86]. الوصف ب«كريم» جائز: وأكدت دار الإفتاء المصرية، أنه يجوز تسمية المولود بكريم مجردة من الألف واللام فلا يسمى «الكريم»، موضحة أن الله تعالى هو الكريم، والكرم صفة يجوز أن يوصف بها البشر، فجاز تسمية أحدهم باسم "كريم" دون ألف ولام، أما بالألف واللام فيجوز إطلاقها على جهة الوصف دون التسمية، كما يقال في اسم مَلِك، يجوز التسمية بها دون الألف واللام على جهة التنكير، وبهما على جهة الوصف فيقال مثلا: الملك فلان بن فلان. «رمضان كريم» جائزة: قال الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، إنه لا مانع شرعا أن يتداول الناس فيما بينهم عبارة «رمضان كريم»، فهي جملة خبرية، ولعل قائلها يقصد بها الدعاء فكأنه يدعو لغيره بأن يكون رمضان شهر كرم وبركة عليه. ولفت «الجندي»، إلى أن القائل لهذه العبارة يمكن أن يقصد بها الإخبار على حقيقته، ويكون معناها الإخبار عما يحصل من تفضل الله تعالى على عباده في هذا الشهر العظيم، وهذا في الأصل لا مانع منه ولا محذور فيه. وأوضح المفكر الإسلامي، أن الله عز وجل ذكر في القرآن باسم (الكريم) مرتين: «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَٰذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ» (النمل:40)، وقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» (الانفطار:6). وفسر عضو مجمع البحوث الإسلامية، أنه في الآية الأولى اقترن باسم الله «الغني»، وفي الآية الثانية اقترن باسم الله «الرب»، وفي الآيتين كان الاسم الثاني، فالله سبحانه (غني كريم) وهو سبحانه (رب كريم)، أما الأكرم فقد ورد مرة واحدة في القرآن، كما قال تعالى: «اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ» (العلق:3). وبيّن أن الفرق بين "الكريم" و"الأكرم"، أن الثاني أبلغ، وصيغة مبالغة من "الكريم"، فالكريم يصفح ويعطي دون منّ، وتتعدد عطاياه، والله سبحانه له منتهى الكرم، فهو كريم كرما يليق به سبحانه وتعالى، و"الأكرم" هو المنفرد بكل أنواع الكرم، فلا كريم مثله عز وجل، كما هو أرحم الراحمين، هو أكرم الأكرمين، بل لا "أكرم" إله هو سبحانه كأنه جعل اسم "الأكرم" حصرا على الله عز وجله لفظا ومعنى، أما "الكريم" فقد يسمى ويوصف به غير الله بطريقة تناسب المخلوقين. فسرها المتشددون خطأ: قال الدكتور مجدي عاشور، المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، إن مقولة «رمضان كريم» جائزة شرعاً ويستخدمها المسلمون خاصة المصريين عند حلول شهر الصيام، مؤكدًا أنه لا حرج في إطلاقها والتهنئة بهذه العبارة، ولا يوجد دليل يمنع ذلك. ونوه «عاشور» بأن بعض المتشددين حرموا هذه المقولة لفهمهم الخاطئ بها، فظنوا أن الناس ينسبون الكرم لشهر رمضان وتغيب عن أذهانهم أنهم بقصدون نسب الكرم إلى رب العالمين. وأشار مستشار المفتي، إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال عند حلول رمضان: «لقد أظلكم شهر كريم مبارك»، موضحا أن إطلاق صفة الكرم على رمضان لما فيه من تفضّل الله تعالى على عباده في هذا الشهر العظيم من الخير والبركة ومضاعفة الأجر، ونسبة الشيء إلى سببه جائزة، كما قال الله تعالى: «قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ» النمل/29، وقال تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) الدخان/17. وألمح إلى أن المصريين يقصدون بها أن كرم الله تعالى على الصائم يزداد في هذا الشهر، منوها بأن الناس ترد بمقولة «والله أكرم» على من قال «رمضان كريم» أي يا رب زدنا في كرمك في هذا الشهر.