لم اضبط نفسى متلبسا فى اتخاذ موقف معاد لأعمال سينمائية سوى تلك المحرضة والتويرية والتشويهية التى خرجت بنا من جماليات اللقطة وحركة الكاميرا وزاوية التصوير وايحاءات الإضاءة وأداء الممثلين لتكون مجرد منشور سياسى فى خدمة الجهة الممولة والمنتجة على حساب الوطن قبل الفن! ثالوث السينما والفنون والأداب اضحى رأس الحربة فى الحروب الناعمة.. دعاية رمادية لترويج الأفكار وتمرير الرسائل وتغيير المعتقدات والتأثير فى الرأى العام.. لا يخلو مهرجان او جائزة دولية من نكهة سياسية وأجندة موجهة! وعليه فإن مهرجانات سينمائية عالمية وفي مقدمتها "كان" و"فينيسا" و"برلين" وغيرها مجرد غطاء فنى لأهداف سياسية وخصوصاً حين تشير بجوائزها لسينما أمريكا اللاتينية أوبتمويلاتها لشمال أفريقيا – تونس والمغرب- أو تفرش سجادتها الحمراء لفيلم مثل "اشتباك"! لا دولار أو يورو يوضع فى حصالة انتاج فيلم سينمائى من جهة أجنبية ممولة إلا بعد الموافقة على نص يكسر تابوهات الجنس وقيم المجتمعات الشرقية وتستغرق فى مشاهد جنس صريح تفوق أحيانا نظيرتها الأوروبية كما فى حالة سينما المغرب العربى ثم تكتب الديباجات حول قدرة تلك الأعمال وصناعها على تحدي ثوابت المجتمع والدعوة للتحرر! من الشمال الافريقي إلى القاهرة يمكنك إضافة أهداف سياسية في التعامل مع السينما المصرية عبر تمرير أفكار المصالحة مع الجماعة الارهابية عبر عمل فني واستهداف الشرطة المصرية وتصويرها كأداة قمع ومن ناحية اخرى تهييج وتثوير الجماهير وتصدير العشوائيات من "فوضى" خالد يوسف إلى "اشتباك" محمد دياب! قبل يناير 2011 كان الهدف عبر شركة مصر العالمية ومخرج الفواجع "خالد يوسف" ان توضع الشرطة المصرية كلوحة تنشين عبر افلامه "حين ميسرة" و"هى فوضى" لاحداث خلخلة مجتمعية والتركيز على عوالم العشوائيات والمهمشين بهدف تثويرهم من ناحية وخلق حالة تعاطف شعبى مع ظروفهم حتى انه خرج ونسب لنفسه ولافلامه الفضل فى احداث فوضى يناير ويسميها هو وتابعيه ثورة! تلاها مرحلة سينمائية شهدت تجارب تقديس 25 يناير وتثبيتها وترسيخها وتأريخها سينمائيا بعدة افلام بعد ان فطن الرأى العام المصرى والعربى لمؤامرة الربيع العربى .. اما الان وبعد فشل المواجهات على الارض والاخفاقات الخارجية والداخلية لفرض المصالحة المرفوضة شعبيا مع جماعة الاخوان الارهابية واعادة دمجها سياسيا واجتماعيا ، كانت الخطة البديلة باستخدام المداهنة الناعمة عبر وسائل اخرى من خلال صوت فحيح "حمزة نمرة" واغانيه الفاقدة المذاق وتحمل عناوين انسانية عامة او عبر اعمال سينمائية مثل "اشتباك" والاحتفاء به وعرضه عبر شاشات المهرجان الاعظم "كان" حتى يحظلى بمظلة اهتمام فنى واعلامى وسياسى على مستوى عالمى تنعكس فى التعامل معه داخليا حين عرضه فى مصر لاحقا. من الخطوة الاولى على السجادة الحمراء لفريق عمل الفيلم ويظهر الاخوان محمد وخالد دياب والداعية الكاجوال معز مسعود بعد ان تخلص مما تبقى من لحيته الخفيفة اصلا .. الصورة فى نظر البعض متناقضة حين "يتلم الشامى على المغربى" لكن فى الحقيقة انها صورة متسقة اذا علمنا الخلفيات وشبكة العلاقات المتوارية بين من ظهروا فى الصورة ومن لم يظهروا فيها! "محمد دياب" شاب ينتمى لاسرى اخوانية .. خاله هو القيادى الاخوانى المعروف "هشام الصولى" مسئول المكتب الادارى للاخوان فى اسماعيلية وبحكم هذا المنصب فهو الرجل الاول للجماعة بالمحافظة التى خرجت منها دعوة حسن البنا الارهابية .. "دياب" نفسه عضو حزب مصر القوية الذراع السياسى الجديد للإخوان.. تخرج في كلية التجارة والتحق للعمل فى أحد البنوك الأجنبية قبل أن يتجه للسنما كسيناريست لعدد من الأعمال مثل 1000 مبروك والجزيرة وغيرها قبل ان يتحول الى مخرج فى "اشتباك"! عرف عن دياب أنه أحد ثوار يناير وداعم لها حتى أنه فى لحظة تخلى مبارك عن السلطة كان يحتفل فى منزل الإخوانى "وائل غنيم" وسجلت كاميرا الموبايل تلك اللحظة واحتفظ بها "يوتيوب" فى ذاكرته حتى طل عبر شباك عربة ترحيلات التى تدور فيها أحداث فيلمه "اشتباك"! يقول "دياب" – مخرج اشتباك – أن فيلمه خرج من رحم ثورة "25 يناير" -التي يقدسها - والتى أطاحت بنظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك، لتخبو الجذوة الثورية بعد انتخاب الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين رئيساً للبلاد! تدور الاحداث داخل سيارة ترحيلات بها 25 شاب، ما بين مؤيد ومعارض لمرسى .. وعنه يضيف: "الفيلم بيوضح ازاى الناس المعارضه والمؤيده شافوا بعض من الجانب الاجتماعى والانسانى لكل واحد فيهم بعيد عن القوالب اللى مرسومه لهم فى المجتمع" .. وهو ما دفع احدى الصحف العالمية للتساؤل .. هل الفيلم يكون تمهيد لطرح فكرة التصالح الاجتماعى بين المصريين والاخوان؟! وهو ما تلقفه موقع هافينينج بوست المملوك لتنظيم الدولى للاخوان مع خطة ترويجية تلميعية من قبل القنوات المنابر الاخوانية لتبنى فكرة المصالحة وطرحها مجتمعيا لتكون الثغرة التكتيكية لاعادة احياء التنظيم ومشروعه للعودة الى حكم مصر مراهنين على ذاكرة المصريين. الفيلم إنتاج مشترك بين فرنسا، ومصر، وألمانيا، والإمارات العربية المتحدة، وثانى الإنتاجات الكبيرة لشركة "فورتريس فيلم كلينك" بالتعاون مع شركة EMC Media من الإمارات، وSampek Productions من فرنسا لكن اللافت ان احد منتجى الفيلم هو الداعيه "معز مسعود" وهو ما يجعل صور السجادة الحمراء لصناع الفيلم غير متناقضة ولها سياق! اسمه بالكامل "معز وجيه زكى مسعود" بدأ حياته معدا فى قناة اقرأ الدينية وهو من ليس لديه اى مؤهل ازهرى او عرف عنه دراسته للدين اوالشريعة سوى علاقته بالاخوانيين طارق سويدان وعمرو خالد قبل ان يركب موجة اختراق الصفوة عبرالدعاة الكاجوال وانسحاب عمرو خالد قليلا ليحل معز مسعود التلميذ بدلا منه ليقدم لنا اسلاما امريكيا بالجينز والبادى ولا مانع من لحن موسيقى يقدمه لهانى عادل بطل الفيلم ومطرب الاندرجراوند المعروف! على الجانب الآخر من النهر حيث يقبع وزير الثقافة حلمى النمنم مختبئا بوزارته ومنسحبا من المشهد الثقافى والفنى برمته ، لم نرى منه مبادرة او رؤية لكشف وفضح ومواجهة الأفكار الإخوانية والإرهابية المتطرفة عبر حركة مسرحية وسينمائية وأدبية .. لم يخصص مبلغ مالى كمكافأة لعمل فنى أو أدبى فى هذا السياق على غرار ما فعلته وزارة التضامن الاجتماعى التى منحت مليون جنيه كجائزة لعمل فنى يكافح التدخين!