"غداً سيأتى حقى، غداً سيأتى حقى" بهذه الجملة أفاق الشيخ الكبير من نومه وظل يردد آيات من القرآن حتى دخلت عليه الأم الثكلى فأخبرته بأنه يجب أن ينهض لأنها رتبت له الأمور إستعداداً لمشاهدة لحظة القصاص فأخبرها أنه رأى زهرة عمرهم فى المنام هذه الليلة. فتبسم وجهها وأخذت تسأله عن مضمون المنام فأخبرها أن الزهرة التى فقدوها فى الدنيا وإحتسبوها عند ربهم من الشهداء أخبرته أن الحق سيأتى اليوم، حق ولده الذى إستشهد فى سبيل الله كما كان يحب أن يقول دائماً. نهضت الأم بسرعه وأخبرت الشيخ بأنه لابد أن يقوم الآن فقد حانت لحظة معرفة الجزاء فخرج الشيخ من غرفته فوجد إبنه الذى بقي له فى الدنيا والذى لم يكمل عقده الثانى، وجده جالس فى ترقب شديد وفى يده صورة لأخيه مكتوب عليها "اليوم واليوم فقط" فجلس الشيخ بجوار ولده وقال له إن أخيه زاره فى المنام وأخبره أن حقه سيأتى غداً فرد عليه إبنه بأن غداً معناه اليوم الذى سيحكم فيه على الجناه بالعدل والقصاص. فى وسط هذا سمع الكل صوت القاضى وما هى إلا لحظات حتى دخل الجميع فى بكاءً شديد من فرط حماسة كمات القاضى الأولى التى أشعلت المشاعر ولكن وبعدها بقليل تحجرت الدموع فى العيون والشيخ الكبير يردد"عدم كفاية الأدلة، عدم كفاية الأدلة" ضاع الحق لعدم كفاية الأدلة تنهد الأب تنهيدة جعلت الأم والإبن ينظرون إليه فوجدوه ينظر إلى أعلى ويقول أى غداً كنت تقصد يا ولدى؟ وهل كنت تقصد اليوم كما قال أخيك؟ أم متى؟ هل هذا الغد لم يأتى بعد؟ وهل يمكن أن يأتى؟ إستمر الشيخ فى تنهيدته إلى أن فارق الحياة وهو ينظر على الجناه بعد سماعهم بالبراءة فصرخت الأم وظل الإبن الأصغر مصدوماً وهو ينظر إلى صورة أخية التى فى يده وعلى أبيه الذى فارق الحياة، الصورة التى كتب عليها "اليوم" يوم عودة الحقوق هل بات مستحيلاً؟ أخذ الابن يصرخ ويقول هل غداً معناه اليوم؟ الحالة الشعورية لمن يمر بمعاناه أو كارثة قد تجعله يمارس سلوكاً يشعر من لم يمر بمثل هذه الحالة بأنه سلوك متهور وهمجى وغير مسئول ولكنى أقول أن الذى يجرب غير الذى يشاهد ويقيم ويحلل، حق الشهداء من الأمور التى تسير فى هذا النسق ورغم كل هذه الهجمات الدنيئه فإن الحق سيأتى أياً كان الوقت وأياً كان معنى ذلك الغد فإنه سيظل الهدف الذى نسعى إليه وأراه غد قريب جداً.