تعيش دولة جنوب أفريقيا في ويلات مستمرة منذ الإستيطان الأبيض الذي جاء إليها مع بدايات تأسيس مراكز علي السواحل في الطريق إلي الهند حيث كان الهدف من هذه المراكز هو تزويد السفن العابرة بالوقود والمؤن والمياه لصالح شركة الهندالشرقية الهولندية وكانت محطة شبه جزيرة الرأس من ضمن هذه المحطات وتحولت إلي ما يشبه المستوطنة التي جعلت الرجل الأبيض حاضرا في هذه النقطة من العالم منذ هذا التاريخ بدأت الويلات علي قبائل البوشمن والهوتنتوت أصحاب الأرض وقبائل أخري مثل الزولو. منذ هذا التاريخ تعيش جنوب أفريقيا ظروفا مماثلة لدولة فلسطينالمحتلة وتتشابه أيضا مع ما حدث للهنود الحمر من إبادة علي يد الأمريكان ، بل أنها تعيش ظروفا أسوأ علي واقع داء العنصرية الذي بدأ ولن ينتهي حتي كتابة هذه السطور ، ومعني العنصرية في أبسط صورة أنها علو شأن فئة علي حساب فئة أخري وقد تكون علي أسس كثبرة ما يعنينا هنا هو الأساس اللوني والعرقي وقد يبدو أن العنصرية انتهت علي واقع وصول مانديلا إلي الحكم ، صحيح أن مانديلا رجل أسود وينتمي للأرض ودمائه أفريقية ومن الطبيعي أن ينحاز للمساواة بين الأبيض والأسود فقد كانت عملية انتهاء التظام العنصري واقعا علي الورق ومؤسسيا في نفس الوقت ولكن الواقع يؤسس لأستمرار التمايز علي حساب الأفارقة بعد أن أصبحت العنصرية واقعا لا يراه إلا السود ويتم التكريس لذلك ، وأقصد هنا المساواة المزيفة التي نراها علي جميع شاشات العالم وكذلك نري الجمال في مدن كيب تاون وجوهانسبرج وأورانج ومدن أخري وللأسف لا تذهب هذه الكاميرات إلي الأحياء السوداء وعلب الصفيح التي ما زال يسكنها أبناء هذا البلد وهم علي نفس الحالة من الفقر والبؤس وسوء المعاملة. لقد كانت سياسة الأبارتيد أي العنصرية واقعا رسميا في جنوب أفريقيا عام 1948 أي أنها كانت واقعا رسميا ومؤسسيا من خلال القوانين الحكومية مع تأكيد وجودها قبل ذلك لأن من حضر مستوطنا من الهولنديين (البوير) مارس كل أنواع الإضطهاد ضد أصحاب الأرض علي عقيدة فاسدة مؤداها أنهم ينظرون إلي أنفسهم علي أنهم أبناء الله حتي أنهم ومع الاستعمار البريطاني ونتيجة للتضييق عليهم هاجروا إلي الشمال وأطلقوا علي ذلك الهجرة الكبري في محاكاة لهجرة النبي موسي ومعه اليهود من بطش فرعون وللتأكيد فقد كانت معاملة البوير والإنجليز للأفارقة واحدة وبنفس القدر من الإستعلاء والإستعباد والتقليل. كان هذا تأصيلا للوصول إلي حقيقة معاناة الشعب في جنوب أفريقيا نتيجة الإستيطان الأبيض وحتي بعد زوال حكمه مازال هناك تمايز لوني وتشير الدلائل لإستمرار الإحتقان والفصل والتوتر العرقي فالرجل الأسود صحيح أنه علي كرسي الحكم الآن إلا أن الإقتصاد مازال حتي الآن في يد أحفاد البوير والإنجليز والألمان الذين حضروا منذ أمد بعيد جدا ومازال شعب جنوب أفريقيا ينتظر حلم المساواة والحياة الكريمة الذي لم يتحقق بعد !!!