تكاد لا تمر فترة ليست بطويلة إلا وترى فيها أحداثا تصادمية بين دولتين عربيتين، تبدأ الأزمة بمناقشات وتوجيهات ثم معارضة وانتقاد ثم يتحول الأمر إلى كارثة تؤدى فى بعض الأحيان إلى قطع العلاقات بين الدولتين وسحب السفراء ويرجع ذلك إلى غياب الوعى والفكر الحقيقى لدى القادة والمسئولين العرب الذين لا يضعون المصلحة العليا للبلاد فى أولوياتهم. معروف لدى العالم كله أن الأمة العربية هى أمة أقوال لا أفعال، أمة تختلف أكثر مما تتفق، فكم من المشروعات التى سمعنا عنها لتوحيد الصف العربى كالسوق العربية المشتركة ومجلس الدفاع العربى، إلا أننا لا نسمع عن هذه المشروعات سوى كلام فقط، فتنفيذ مثل هذه المشروعات مستحيل فى ظل دول تريد أن تعلو على حساب سقوط دول عربية أخرى، وبدلا من إقامة مشروعات قومية عملاقة توحد بين العرب، خرجت بعض الدول وانفردت وكونت كيانات خاصة بها لكنها حتى فى ذلك فشلت كدول الخليج التى كانت ترغب فى السوق الخليجية الموحدة والعملة الموحدة ومجلس التعاون الخليجى الذى لا قوانين تحكمه، فتجد دولة رئيسية فى الخليج كالعراق إلا أنها غير عضو فية وتجد دولا لا صلة لها بالخليج مثل المغرب والأردن وترغب فى الانضمام إليه ويرحب بهم. الدول العربية شعوبا وقادة تتحكم فيها الأهواء والمصالح الشخصية ويتعامل فيها المسئولون وكأن هذه الدول ملك لهم يخططون وينفذون ويقيمون العلاقات ويهدمونها بناء على ما يتوافق مع مصالحهم الشخصية، وتعامل الدول العربية مع مصر أكبر دليل على ذلك، فبعد ثورة يناير التى نجح فيها المصريون بإسقاط النظام السابق الذى عانوا منة كثيرا، بدأنا نلاحظ أن مصر أصبحت طرفا ثابتا فى النزاع والتصادم مع دولة عربية أخرى كانت تربطها علاقات قوية مع النظام السابق، مما جعل العلاقة فيها كثير من عدم الاحترام والتطاول كالذى نراه هذه الأيام من ضاحى خلفان، قائد شرطة دبى، من اتهامات وإهانات يوجهها للإخوان المسلمين فى مصر والرئيس المنتخب، كذلك فى الأزمة التى حدثت بين مصر والسعودية نتيجة لقضية شخصية نتج عنها سحب سفير المملكة من مصر وغيرها من الأحداث التى تؤكد أن قادة الدول العربية يتعاملون على أن هذه الدول من حقهم ويعملون فيها ما يحلو لهم. لا أحد يستطيع أن ينكر أن العرب منقسمون على أنفسهم، وربما يكون السبب فى ذلك أن هناك دولا عربية غنية وأخرى فقيرة كباقى دول العالم، لكن الدول العربية الغنية ترى فى تقرب بعض الدول الأخرى لها طمع فيها، لذلك هم يتعاملون معها بحذر ويتبعون سياسة المعايرة، فبسبب مشكلة بسيطة تراهم يحاولون التذكير بالمعونات والمنح والمساعدات التى قدموها للدولة الأخرى وينسون أن هذه الخلافات التى يعطيها المسئولون أكبر من حجمها تساعد فى شحن الشعوب ضد بعضها وتزيد العدواة بينهم. كذلك من أسباب ذلك الانقسام هو فقدان الثقة بين العرب والتركيز على نظرية المؤامرة بشكل مستمر، ويظهر ذلك فى طلب بعض الدول العربية الحماية من الغرب حتى تحولت المنطقة العربية إلى قاعدة عسكرية بالرغم من أنهم يعرفون أن هذه القواعد جاهزة لتدميرهم فى أى وقت. وإذا نظرت للجهة الأخرى من العالم تجاه الغرب، تجد الدول الأوروبية والأمريكية، وبالرغم من أن هذه الدول تختلف عن بعضها فى كل شىء، فى الدم والنسل والعرق والجنس وتاريخها الذى يحمل الطابع العدائى والاستعمارى وخوضهم حروبا عديدة مع بعضهم كالحرب العالمية الأولى والثانية وغيرها من الحروب التى أودت بأرواح الملايين من هذه الشعوب، ومنها دول أوروبية غزت واحتلت دولة أو أجزاء من دولة أوروبية أخرى، وبالرغم من كل هذه الأحداث، فإن هذه الشعوب لا تحمل تجاة بعضها هذا الحقد والكره الذى يحمله العرب لبعضهم ونسوا كل ما حدث وعملوا على وحدة ونهضة أوطانهم وتكوين كيانات قوية تجعلهم قوة يهابها العالم كله وأصبحت شعوب هذه الدول كأنهم شعب واحد لا تستطيع التفريق بين مواطن وآخر من حيث التعامل والصلاحيات، سواء كانت دولة غنية أو فقيرة. وعلى مستوى التعامل بين هذه الدول، فمثال بسيط يوضح لك كيف تحترم هذه الدول بعضها وإلى أى مدى ترابطهم، فعند وقوع أى دولة منهم فى أزمة كالأزمة المالية التى تعرضت لها إسبانيا والبرتغال سريعا، تنعقد المؤتمرات ولا تنتهى حتى يتم دعم الدولة المتعثرة دون تجريح فى مواطنيها، أما بالنسبة للدول العربية فى مثل هذا الأمر فعند تقديم مساعدات أو معونات لدولة كمصر فإنها لاتتم إلا إذا شعر المواطن العادى بالذل والمهانة. لذلك على العرب أن يتركوا كل هذه العقد والأفكار المتخلفة وأن يعملوا على الاتحاد والتعاون فيما بينهم ولديهم مقومات تتمناها شعوب العالم، فاللغة والدين والجنس والعرق والدم واحد، بالإضافة إلى المقومات الطبيعة والبشرية التى لو تم استخدامها بشكل صحيح لأصبح العرب أسياد العالم ولن توجد مشكلة واحدة تقف أمامهم وتعود فلسطين وتحل أزمة سوريا ويقف نزيف تقسيم الدول العربية.