إيناس جوهر رئيسًا لجنة إعلام الخدمة العامة.. وعمرو خفاجي مقررًا    تعزيز الشراكة الاستراتيجية وتسريع الاستثمار والتحول الصناعى    مسئولية الولايات المتحدة    بعد الفوز على الاتحاد| موعد مباراة الأهلي المقبلة    مصرع رسام الشارع الاخرس صدمه قطار بالمنيا    إحالة «أم مكة» للمحاكمة بتهمة نشر فيديوهات خادشة.. و30 أكتوبر أولى الجلسات    صور| مصرع شابين سقط بهما مصعد كهربائي بطنطا    تامر حبيب يشيد بفيلم «السادة الافاضل» بعد عرضه في مهرجان الجونة    المتروبوليتان يحتفى ب «آلهة مصر القديمة»    على خطى السيسي في التسوّل..مؤيدون بالأجرة يتظاهرون لمطالبة الاتحاد الأوروبي بالإفراج عن 4 مليار يورور لمصر    هل القرآن الكريم شرع ضرب الزوجة؟.. خالد الجندي يجيب    هاري كين يقود هجوم بايرن ميونخ أمام كلوب بروج في دوري الأبطال    أنغام تحيي حفلا غنائيا في أوبرا الكويت نوفمبر المقبل    نجم برشلونة: نريد تسجيل أكبر عدد من الأهداف في الكلاسيكو    إعلام عبري: حماس لا تزال تمتلك مئات الصواريخ القادرة على الوصول إلى وسط إسرائيل    «الساعة 12 تصبح 11» موعد تطبيق التوقيت الشتوي في مصر 2025    مصر تستضيف تنصيب الرئيس الجديد لبنك التصدير الأفريقي «أفريكسيم بنك»    ميلاد هلال شهر رجب 2025.. موعد غرة الشهر الكريم وأحكام الرؤية الشرعية    نائب وزير الصحة يبحث مع محافظ شمال سيناء جاهزية المنشآت الصحية ويتفقد مستشفى الشيخ زويد ووحدة طب أسرة البشلاق    «جهار»: 26 منشأة صحية حصلت على الاعتماد الكامل أو المبدئي    ماذا يحدث للكوليسترول في الدم عند تناول التفاح يوميًّا؟    وكيل تعليم القاهرة يتفقد مدارس حدائق القبة    مرور القاهرة يعلن إغلاق كوبري الأزهر السفلي لإجراء أعمال الصيانة    تجديد حبس والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته بمنشار فى الإسماعيلية 15 يوما    ننشر منطوق حكم كروان مشاكل بسب وقذف ريهام سعيد    مدبولي: لا تهاون في حماية نهر النيل من التعديات    وزير السياحة: افتتاح المتحف المصري الكبير الأول من نوفمبر    فى ذكرى تدمير المدمرة ايلات ..اسرائيل : "ضربة موجعة" لإسرائيل في أعقاب حرب 1967    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة مصر وغانا في تصفيات كأس العالم للسيدات    تكريم خالد جلال بختام ملتقى شباب المخرجين بمسرح السامر.. الليلة    بعد أزمة مواجهة برشلونة وفياريال.. الدوري الإيطالي يتمسك بإقامة مباراته في أستراليا    انطلاق دوري الأنشطة الرياضية لتلاميذ المدارس بالمحافظات الحدودية بجنوب سيناء    بعد تصاعد جرائم القتل.. شيخ الأزهر يوجه رسالة حاسمة إلى المجتمع    محكمة العدل الدولية تجدد الدعوة إلى إعمال حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وإنشاء دولته المستقلة ذات السيادة    مخاوف داخل إسرائيل بعد الكشف عن عبور سرب مقاتلات صينية متقدمة إلى الأراضي المصرية    تركيب 1662 وصلة مياه مجانية للأسر الاولى بالرعاية بالفيوم    رئيس الوفد البرلماني الدنماركي: خطة السلام بغزة لم تكن لتنجح دون الجهود المصرية    ننشر لائحة النظام الأساسى للزمالك بعد عدم اكتمال نصاب الجمعية العمومية    الكنيست الإسرائيلي يقر مقترح قانون ضم الضفة الغربية بالقراءة التمهيدية    مبابي وفينيسيوس على رأس قائمة الريال ضد يوفنتوس في دوري أبطال أوروبا    توقف محطة مياه في الأقصر بعد ظهور مواد بترولية في مجرى النيل.. مباشر    مجلس كنائس مصر: مؤتمر الكهنة والرعاة جسد رسالة الكنسية في خدمة الإنسان والمجتمع    لتوفير 1500 فرصة عمل.. 12 شركة في الملتقى التوظيفي الأول بجامعة حلوان (تفاصيل)    وزير التعليم العالي يؤكد ضرورة توجيه البحث العلمي لخدمة التنمية الاقتصادية وخلق فرص عمل للشباب    حبس المتهم بإنشاء كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين بمدينة نصر    مرض الجدري المائي.. الأعراض وطرق الوقاية    الرقابة المالية تمد وقف تلقي طلبات التأسيس لنشاطي التمويل الاستهلاكي ومتناهي الصغر بالطرق التقليدية لمدة عام    بيراميدز يواجه التأمين الإثيوبي ذهابا وإيابا في القاهرة    البترول: مصر تُصدر 150 ألف متر مكعب من الغاز المسال إلى تركيا لصالح توتال إنيرجيز    الأقصر تتحرك لدعم موسم سياحي استثنائي.. لقاء موسع بمشاركة خبراء ومختصين    بيحبوا يكسروا الروتين.. 4 أبراج لا تخشى المخاطرة وتحب انتهاز الفرص    محافظ أسيوط: غدا فتح باب التقديم لحج الجمعيات الأهلية لموسم 1447ه – 2026م وحتى 6 نوفمبر المقبل    نائب وزير الصحة يتفقد جاهزية الخدمات الطبية والطوارئ بميناء رفح البري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-10-2025 في محافظة الأقصر    نائب ترامب: واشنطن تعمل على ضمان ألا تشكل حماس تهديدا مرة أخرى    مفتي الجمهورية: الله تولى بنفسه منصب الإفتاء وجعله من وظائف النبوة    حين يتأخر الجواب: لماذا لا يُستجاب الدعاء أحيانًا؟    سماء الفرج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الأزهر من ألمانيا:التخلص من الأنظمة الديكتاتورية لَا يتطلَب قصف الشعوب بالطائرات..والبشرية مهددة للعودة إلى الهمجية
نشر في صدى البلد يوم 17 - 03 - 2016


* شيخ الأزهر:
* الإِرهاب العابر للقارات ينمو ويقوَى
* الإسْلَام لَيْسَ دِينًا مُنْفَصِلًا عَن الأَدْيَان السَّمَاويَّة السَّابِقَة
* التخلص من الأنظمة الديكتاتورية لَا يتطلَب قصف الشعوب الآمنَة بالطائرات
ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، منذ قليل، الكلمة الرئيسية بملتقى "مقومات السلام في الأديان" بجامعة مونستر الألمانية.
وقال الإمام الأكبر فى كلمته، إن الإِرهاب العابر للقارات إنْ تُرِك ينمو ويقوَى فالنتيجة الحتمية هي عودة البشَرِية كلها إلى حالة مِن الهمجية والفوضى.
وأضاف أن الحروب الجديدة لَا يتوجه الصراع المسلح فيها إلى عدو خَارجي، بل إلى أبناء الوطن الواحد بعد أَن تمهد الأرض وتفرَش ببؤر التوَتر المذهبي والطِائفي، منوها إلى أن المستفيدين من الحروب قَد برعوا في استغلَال الدين كوقود يضمن اشتعَال الحرب واستمرَار الخرَاب والدمار.
وأشار إلى أن التخلص من الأنظمة الديكتاتورية لَا يتطلَب قصف الشعوب الآمنَة بالطائرات وهدم البيوت على رُؤوسهم، موضحا أن الأديان والمذاهب ليست ولِيدة اليوم وقد عاشت في سلَام تَحت ظلَال الحَضَارة الإِسلامية لم ترزأ في معتَقداتها ولَا مقدراتها.
وتابع: "بحثت بَين قارات العالم عَن منطقَة أَسمع فيها قعقعة السلَاح أو أرى شلَّالَات الدماء فلم أَجد مسرحًا لهذه المآسي غير الحِزَام العربي والإسلَامي، كما أنه بإمكَان مؤَسسة الأُمم المتحدة التي أُنشئت من أَجل حفْظِ الأَمن والسلَام الدَوليَين أن تسهم في احتِواء مشْكِلَات الشرق الأَوسَط وتُحَاصِر نِيرَانه".
وأكد أن الإِسلام أَو الأديَان لَا يمكن بِحالٍ من الأَحوال أَن يكون من وراء هَذا الجحِيم الذي اندَلع وفقد السيطرة عليه، ويجِب أن نبحث عن أسباب غياب السلَام في سلوك الحضَارات الكُبْرَى المُعَاصِرة الَّتِي لَا تَجِد بأسًا في اخْتِراع عَدو مَوهُوم تُدِير عَلَيْه رَحَى الحَرب وتُصَدِّر لَه الصِّرَاع بَعِيدًا عن أراضيها.
وإلى نص الكلمة...
"بسم الله الرحمن الرحيم
الدُّكتُور/ أورسولا نيليس الموقَّرة
رئيس جامعة مونستر
السَّادَةُ العُلَمَاء أَعضَاء هَيْئَة التَّدْرِيس
البَنَات والأبنَاء مِنْ طالِبَات وطُلَّاب الجَامِعَة
السَّلاَمُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبرَكَاتُه
وأُحَيِّيكُم جَمِيعًا، وأتقَدَّم بِخَالِص الشُّكْر والتَّقدِير إلى الدكتور نيليس لتكرمها بِدَعوَتي للمُشارَكة في هذا المُلتقَى العِلْمِيِّ، والتحَدُّث إِليْكُم والاسْتِمَاع مِنكُم، حَوْلَ أَخْطَر قَضِيَّة تأخذ بخناق عالَمنا المُعَاصِر، وتَتحَدَّى كُل إِنجَازَاته الحضَاريَّة، بَل تكَاد تُلْقِي بِهَا في مَهَبِّ الرِّيح، هَذِه القَضيَّة هِيَ قضيَّة «السَّلَام» الإقلِيمِيِّ والدَّولِيِّ، وحِمَايَةِ الحضَارات الإِنسْانيَّة مِمَّا يُتربَّص بِهَا مِنْ مَخَاطِر عَدِيدَة، على رأسها الإِرهَاب العَابِر للقَارَّات، والَّذي إنْ تُرِكَ يَنْمُو ويَقْوَى فإنَّ النَّتيجَة الحَتْمِيَّةَ هِيَ «عَودة البَشَرِيَّة كُلها إلى حَالَة مِن الهَمَجِيَّة والفَوضَى، رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ التِّاريخ لهَا مَثِيلًا مِنْ قَبْل».
وَاسْمَحُوا لِي أيُّهَا السَّادَة العُلَمَاء والمُفَكِّرُون، أَنْ أَطْرَح رُؤيَتِي في هذا المَوضُوع بأسلُوب غير تقليديِّ، وَهِيَ رُؤيَة تكَوَّنَت لَديَّ من انشِغالي بقَضيَّة البَحْث عَن «السَّلَام»، الَّذِي افتَقدْتُه طَويلًا، خَاصَّةٍ في السَّنَوات الأَخيرة الَّتي أصْبَحَت فيهَا شَرْقنا العَربي مَسْرَحًا يَوميًّا لِلدِّمَاء والدَّمَار والمَوت والخَرَاب.
إنَّ المُتحَدِّث الَّذِي يَقِفُ بَين أيديكم –أيها السادة!- يُمَثِّل جِيلًا كَامِلًا، قَد لَا أَعْدُو الحَقِيقَة لَوْ قُلْت إنَّهُ لَمْ يَنْعَم بالسَّلَام حِينًا، إلَّا كرت عَليه الخطوب والحُروب أحْيَانًا كَثيرَةً، وذَلِكَ في غَيْرِ مَا سَبَب مَعْقُول ولَا مَنطِق مَقبُول لَقَدْ شَهِدتُ، وأنا طِفْلٌ لَمْ أُكمِل العَاشِرةَ بَعدُ، العُدوَانَ الثُّلَاثِيَّ عَلَى مِصْر عَام 1956، وعَانَيتُ مع أقْرَانِي مِنْ صُوَر الفَزَع والرُّعبَ مَا لا أُريد أنْ أسْتَعيدُه في ذاكِرَتي وأنَا في العَقد السَّابِع من عُمْري الآن، وَلَمْ تَمُرّ أعوامٌ عَشْرٌ حَتَّى دَهمَتنا حَرب 1967، وعِشْنَا بَعْدهَا سَنوات خَمْسًا في أجْوَاء خَانِقة ثَقِيلَة مُحْبِطة، فَقَد ضَاعَت سَيْنِاء بأكمَلهَا في طَرْفَة عَيْنٍ، وأصْبَح الخَطَر على الأبْوَاب، وعِشْنَا اقتِصَاد حَرب لَا يَكَاد يُلَبِّي الحَاجَات الضَّرُورِيَّة، وإنْ أَنْسَى لَا أَنْسَى تَدْمِير مَدْرَسَةٍ عَلى كُلّ مَن فِيهَا مِنْ التَّلَامِيذ مِن البَنَاتِ والبَنين.
ثُمَّ جَاءَت حَرْبُ التَّحْريرِ عَام 1973، وكَان لهَا مَذَاقٌ مُختَلِفٌ هَذِه المَرَّة، عَرفْنَا مَعَهُ لأَوَّل مَرَّة مَعْنَى الانتِصَار وزَهْوَ اسْتِردَادِ الكَرَامَةِ.. وظَنَّنَا بَعد ذَلِكَ أنَّ الشَّرق العَرَبيِّ دَخَل بِالفِعْلِ مَرْحلَةَ الاسْتِقرَار والتَّنمِيَةِ الشَّامِلَةِ، واللَّحَاق بقِطَار التَّقَدُّمِ والسَّلَامِ والرَّخَاء، غَيْرَ أنَّه سُرعَان مَا أظلتنا حُروب جَدِيدَة مِنْ نَوعٍ آخَر، وبِنظَريَّات حَدِيثَة، لَا يَتوجَّه الصِّرَاع المُسَلَّح فِيهَا إلى عَدو خَارجِيِّ، بَل يَرتَدُّ إلَى الدَّاخِل بَيْنَ أبنَاء الوَطَن الوَاحِد والشَّعْب الوَاحِد، بَعد أَنْ تُمَهَّد الأرض وتُفْرَشُ بِبُؤَر التَّوَتُّر المَذْهَبِيِّ، والنِّزَاع العِرْقِيِّ والطِّائِفيِّ، وتُصَدِّرَ الأسْلِحَةُ لِأطْرَاف الصِّراع، لِتَبْدَأ بَعْد ذَلِكَ حُرَوبٌ ضَارِيَةٌ تَأتِي عَلَى الأَخضَر واليَابِس.
ويُحَارُ العَقْلُ السَّوِيُّ في البَحْثِ عَنْ سَبَب واحِد مَنطِقِيّ، لِهَذا الدَّمَار الَّذي حَلَّ بأغْلَب دول المَنْطِقَة، فالتَّخَلُّص مِنَ الأنظِمَة الدِّيكتَاتُوريَّة لَا َيتطَلَّب قَصْف الشُّعُوب الآمِنَة بالطَّائِرات، وهَدْمَ البُيُوتِ عَلَى رُؤوسهم ورؤوس نِسَائهم وأطفَالهم، والطَّوائِف العِرقِيَّة والمَذْهَبيَّة طَالَمَا تعَايشَت في هَذِهِ المَنْطِقَة في أمَانٍ وسَلَام دهرًا طويلاً، والأديَانُ والمَذَاهِبُ لَيْسَت وَلِيدَة اليَوم، وإنَّمَا هِيَ قَديمَة قِدَم هَذِهِ الأديَان والمَذَاهِب، وَقَد عَاشَت هِيَ الأُخرَى في سَلَام تَحْت ظِلَال الحَضَارة الإِسْلَامِيَّة، لَمْ تُرزأ في مُعتَقداتها، وَلَا مُقدَّرَاتها، بَلْ كانَت عُنْصر ثَراء وتَمَاسُك في بنيَان المُجْتَمَع ولُحْمَته ونَسِيجِه المُشْتَرك.
كَمَا يُحَارُ العَقْل في تَفْسِيرِ تَزامُن انْدِلَاع هَذِه الحُروب في مَنْطِقَة وَاحِدة، وَبينَ أبنَاء الشَّعب الوَاحِد؛ دُونَ سَائِر الشُّعُوب عَلَى وَجْه الأرْض!!
وَقَد وَضَعْتُ خَريطَةَ العَالَمِ مَرَّة أَمَامِي، وَرُحْتُ أَبْحَث بَين قارَّاتها عَن مَنْطِقَة أَسْمَع فيها قَعْقَعة السِّلَاح، أو أرَى شَلَّالَات الدِّمَاء، أو أتابع طَوابِير الفَارِّين والهَائمين عَلَى وجُوههم في الصَّحَراء تَحت الثُّلُوج والأمْطَار بِلَا مَأوى ولَا غِذَاءٍ ولَا دَوَاء، فَلَمْ أَجِد مَسْرَحًا لِهَذِه المَآسِي غَيْرَ الحِزَام العَربيِّ والإسْلَاميِّ.
وتسَاءَلتُ: هَل كَانَت مَنْطِقَتُنا تَمُرّ بِظُروفٍ أَو تَغيُّرَات تَفرِض عَلَيْهَا حُروبًا كَتِلَكَ الَّتي بَدأت ولَا نَدرِي مَتَى تَنْتَهِي؟ وَهَل الثَّورَةُ عَلَى نِظَام مِنْ أنظِمَة الحُكْم في عَصْرنا هَذا يُشْعِلُ في البِلَاد حُروبًا داخِليَّة لأَعوامٍ عِدَّةٍ لَا يَتَوقَّف فيهَا شَلَّال الدَّم يَومًا أو بعض يَوم؟! إلى أَسْئِلَة كَثيرَة تَبحَث حَتَّى الآن عَنْ إِجَابَة مَنطِقيَّة فَلَا تَجِد، واليَقِين الوَحِيد الَّذي اصْطَحَبتُه مَعِي في خِضَمِّ هَذِه الأَسْئِلَة الحَيْرَى، أنَّ الإِسْلَام – أَو الأديَان – لَا يُمْكِن بِحَالٍ مِنْ الأَحْوَال أَنْ يكُون مِنْ ورَاء هَذا الجَحِيم الَّذي انْدَلَع وفَقَدَ السَّيْطَرة عَلَيْه، وإنْ كَان المُسْتَفيدُون مِن ِهَذِه الحُرُوب بَرعُوا في اسْتِغْلَال الدِّين كَوَقُود يَضْمَن اشْتِعَال الحَرب واسْتِمْرَار الخَرَاب والدَّمَار.. وَلَا أُرِيد –أيُّهَا السَّادَة الأَكَادِيميُّون العُلَمَاء – أنَّ أُطِيل عَلَيْكُم في سَرْدِ هَذِه الشَّوَاهِد المَأسَاويَّة الَّتِي تَعيشهَا مَنْطِقَة الشَّرْق الأَوسَط، فَأنْتُم تَعْلَمُونهَا، رُبَّمَا بِأعْمَق وأدَقّ مِمَّا أَعْلَم، وَلَكِن أُريد أنْ أَقُول إنَّه لَيْسَ صَحِيحًا أَنْ يَتوَجَّه بَحْثُنَا عَنْ أَسْبَاب السَّلَام المَفْقُود في تعَالِيم الأديَان السَّمَاويَّة، وإنَّمَا يَجِب البَحْث عَنْهُ في الظُّرُوف السِّيَاسِيَّة وتضاربهَا إِقْلِيميًّا وَدَوليًّا، وسِيَاسَات الهَيْمَنَة العَالَمِيَّة، وفي المَذَاهِب الاقتِصَادِيَّة المُنْفَلِتَة مِنْ ضَوَابِط الأَخْلَاق، والَّتِي لَا يَجِد دُعاتهَا وفَلاسِفَتهَا ومنظروهَا أيَّ حَرَجٍ في أنْ تَسْعَد قِلَّةٌ مِنْ البَشر عَلَى حِسَاب الكَثرة الكَاثرة مِنْهُم، وأنْ يُكرّس الغِنَى والثَّرَاء والعِلْم والتَّقَدُّم والرَّخَاء في الشَّمَال، ويُكَدَّس الفَقْر والمَرض والجَهْل والبُؤس في الجَنُوب، يَجِب أنْ نَبْحَث عَنْ أسْبَاب غِيَاب السَّلَام في هَذَا الخَلَل المُقَنَّن بَيْنَ ضِفتي المُتَوسّط، بَل نَبْحَث عنه في سُلُوك الحضَارات الكُبْرَى المُعَاصِرة الَّتِي لَا تَجِد بأسًا في اخْتِراع عَدو مَوهُوم، تُدِير عَلَيْه رَحَى الحَرب وتُصَدِّر لَه الصِّرَاع بَعِيدًا عن أراضيها حَتَّى تظفر هِيَ بِوحدة الصَّف وبِسَلامها الاجتِمَاعي الدَّاخِلِي في مُوَاجهَة عَدوِّها الخَارِجي.
إنَّ هَذِه التَّعقِيدَات الدَّولِيَّة، والَّتِي أَشَرْتُ إلَى بعض انعكَاسَاتها السَّلْبِيَّة مَسْئولَة عَنْ كَثير أو قَلِيل مِنْ مُعَانَاة العَالَم العَرَبِيِّ والعَالَم الإِسْلَامِيِّ الآن، وَبِإمكَان مُؤَسَّسَة الأُمَم المُتَّحِدَة الَّتِي أُنْشِئَت مِنْ أَجْلِ حِفْظِ الأَمْن والسَّلَام الدَّولِيَين أنْ تسْهم في احتِواء مُشْكِلَات الشَّرق الأَوسَط وتُحَاصِر نِيرَانه وتنقِذ الأرَامِل والثَّكَالَى واليَتَامَى الَّذين لَا نَاقَةَ لَهُم ولَا جَمْل مِن وَرَاءِ هَذا الصِّرَاع.
أَيُّهَا السَّادَة!
أَرْجُو أَنْ تَعْذُرُونِي في صَراحَتِي هَذِه الَّتِي رُبَّمَا تَجَاوزَت المُتَعَارَف عَلَيْه في هَذِه المُخَاطَبَات وعُذْرِي أَنَّنِي أَتَحدَّث إلَى زُمَلَاء وَعُلَمَاء لَا أَعْتَقِد أنَّ مَنْهَجهُم في بَحْث القَضَايَا الشَّائِكَة يَسْمَح بِانتِقَاء بَعض الفُروض وإغفَال البَعض الآخَر في اسْتِخْلَاص النَّتَائِج الصَّحِيْحَة، مِن هُنَا وَجَبَت المُصَارَحة، وهَذا الَّذي صَارَحتكُم بِه هُو رأي الغَالبيَّة السَّاحِقَة مِن المُثَقَّفِين والمُفَكِّرِين والمُحَلِّلِين في الشَّرق، وتُقَدِّمَه وسَائِل الإِعْلَام وشَبَكَات التَّواصُل الاجتِمَاعِيِّ وكأنَّه أَمْرٌ ثَابِتٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
أمَّا عَن مُقَومَات السَّلَام في الأدْيَان، فَإِنَّ هَذَا المَوضُوع لَا أْسَتَطِيع اليَوم أَنْ أَزِيد فِيه كَلِمَة وَاحِدة عَمَّا قُلْتُه وكَرَّرتُه في مُؤتَمَرات حوار الأَدْيَان في عَواصِم أُوروبَا وأمريكَا وآسيَا، على مَدَى خَمْسَة عَشْر عَامًا خَلَت، وحَتَّى لَا أُرْهِق مَسَامِعَكُم اسْمَحُوا أَنْ أُلَخِّص عَقِيْدَتِي في هَذَا المَوضُوع، مِن خِلَال الدِّين الَّذي أَنْتَسِبُ إِلَيْه، وَأُؤمِن بِسَمَاحَته وَرَحْمَته للعَالَمِين:
فَأوَّلًا: إِنَّ الأدْيَان السَّمَاويَّة مَا نَزَلَت إلَّا لترسِم للإنْسَان طَريق السَّعَادَة في الدُّنيَا والآخِرة، وتُعَلِّمَه قِيَم الرَّحْمَة والحَقّ والخَيْر، وأنَّ الله كَرَّمَه عَلَى سَائِر الكَائِنَات الأُخْرى، واتَّخَذَه خَلِيفَة لَهُ عَلَى الأرْض، وَحَرَّم دَمه ومَاله وعِرْضه، وإذَا سَمِعْتُم أو قَرَأتُم أَنَّ دِينًا مِن الأدْيَان السَّمَاويَّة سَمح بِإراقة الدِّمَاء واغْتِيَال الحُقُوق فَاعْلَمُوا أَنَّ هَا هُنَا تَدْلِيْسًا في تَصْوير حَقِيْقَة هَذَا الدِّين.
ثَانِيًا: نُؤْمِن نَحْنُ المُسْلِمين بِأَنَّ الإسْلَام لَيْسَ دِينًا مُنْفَصِلًا عَن الأَدْيَان السَّمَاويَّة السَّابِقَة عَلَيْه كَالمَسِيْحِيَّة واليَهُودِيَّة والإبْرَاهِيمِيَّة، بَل يُعَلِّمُنَا القُرآن أَنَّ الدِّين الإِلَهِيِّ دِيْن وَاحِد اسْمُه الإسْلَام، بِمَعْنَى: الخُضُوع لله تعَالَى وعِبَادَته، وإسْلَام الوَجْه إِلَيْه، وَأَنَّ مَا يُسَمَّى بِالأدْيَان في مُحَادثَاتنا هُوَ: رِسَالَات إِلَهِيَّة تُشَكِّل حَلَقَات مُتَّصِلَة في سِلْسِلَة الدِّين الوَاحِد.
وَمِن هُنَا وَجَدْنَا الإسْلَام يَتَّفِق مَع الرِّسَالَات السَّابِقَة عَلِيْه في أُصُول العَقَائِد وأُمَّهَات الأَخْلَاق، ويَرْتَبِط بها ارتباطًا عضويًّا، فَالإِيمَان بالأنبياء والرُّسُل السَّابِقِين وبِمَا أُنْزِل عَلَيْهم مِن الكُتُب السَّمَاويَّة جزء لا يتجزأ من إيمان المسلم بِمُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) وبالقُرآن.
بَلْ يُحَدِّثُنا القُرآن بِأن مَا شرعه الله من الدِّين لِمُحَمَّدٍ هَوُ نَفْس مَا شرعه لِنُوح وإبرَاهيم ومُوسَى وعِيْسَى عَلَيْهم جَمِيْعًا أفضَل الصَّلَاة والسَّلَام، وهَذَا مَا يُفَسِّر لنَا انفِتَاح الإسْلَام عَلَى الأدْيَان السَّمَاويَّة السَّابِقَة عَلَيْه وخَاصَّةٍ: المَسِيْحِيَّة، مِمَّا نَعْلَمُه جَمِيْعًا وَلَا نَحْتَاجُ إلى بيَانه لظُهوره ووضُوحه.
ثَالِثًا: في القُرآن حَقَائِق ثَلَاث يَترتَّب بعضها على بعض، تتعلَّق بِنَظْرة الإسْلَام للبَشَريَّة، وتجدِيده لِنُوع العَلَاقَة الَّتي يَجِبُ عَلَى المُسْلِمين أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِهَا في مُعَامَلاتهم مع غيرهم: الحَقِيْقَة الأولى: هِيَ أنَّ مَشِيْئَة الله في خَلْقِه قَضَت أنْ يَخلقهم مُختَلِفين في الدِّين والعَقِيدَة والَّلون والُّلغة والجِنس، وأنَّ هَذا الاختِلاف لا يتبَدَّل وَلَا يَزُول، والحَقيقة الثانية المترتبة ترتبًا منطقيًا على ذلك هي أنه لا مفر – والحالة هذه – من أن تكون العلاقة بين هذه القبائل والشعوب هي علاقة «التعارف» التي تعني: التعاون المتبادل، وقد نص القرآن على هذه العلاقة وعبَّر عنها بلفظة «التعارف» في الآية (13) من السورة (49)، والعلاقة بين هاتين الحقيقتين علاقة تلازم منطقي صارم، لأنه لا يُتصور أن يخلق الله الناس مختلفين في الأديان، وفي الوقت نفسه يبيح لهم أن تتحول العلاقة بينهم إلى علاقة صراع أو قتال أو علاقة حرب، فهذا تناقض بين حرية التعدد في المعتقد، ومصادرة هذا الحق في حالة القتال الذي ينتهي إلى حمل الناس على عقيدة واحدة.
وهنا تظهر حقيقة تاريخية هي أن المسلمين لم يشهروا السيوف في وجوه غيرهم بسبب معتقداتهم أو أديانهم، اللهم إلا إذا تحول الغير إلى عدو يقاتل المسلمين، فهاهنا القتال بسبب الاعتداء وليس بسبب الدين، أما الحقيقة الثالثة التي ترتبط بالحقيقتين السابقتين ارتباط النتيجة بالمقدمات فهي حرية الاعتقاد، وتكفل الإسلام بحمايتها، ولعلي أذكِّر بأمر تحفظونه عن ظهر قلب حين أذكركم بالآيتين: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ﴾، ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾، وحديث محمد صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَرِهَ الْإِسْلَامَ مِنْ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ».
رابعًا: يقرر القرآن أن الله سبحانه ما أرسل محمد إلا رحمة للعالمين، وكلمة العالمين أوسع بكثير من كلمة المسلمين، بل هي في الفلسفة الإسلامية أعمّ من عالم الإنسان، حيث تشمَل عَالَم الحيوان والنبات والجماد، جاء في القرآن الكريم خطابًا لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، وقال محمد صلى الله عليه وسلم مخاطبًا الناس جميعًا: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ» ويضيق المقام بالطبع عن السلوم المذهل الذي كان يسلكه نبي الإسلام مع هذه العوالم، وأكتفي بالإشارة - فقط - إلى تعاليمه في حرمة قتل الكبير والضعيف والمرأة والصبي والأعم في جيش الأعداء، وحرمة قتل حيواناتهم، إلا لضرورة الطعام وعلى قدرها، وحرمة هدم بيوتهم وتخريبها وقلع نباتهم وتفريق نحلهم.
والعجيب أن يأتينا درس الرحمة بالإنسان والحيوان والنبات والجماد من موطن لا تُستاغ فيه الرحمة في حكم العادة، وهو حالة الحرب والعداء التي يُستباح فيها من القسوة ما لا يستباح في غيرها، ولكنها «الرحمة المهداة» التي بسطت رداءها على العالمين وكان للعدو منها نصيب.. هذا النبي الرحيم بالحيوان أخبرنا أن امرأة دخلت النار في هِرَّة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وأخبر أن رجلا سقى كلبًا في يوم حر شديد فغفر الله له وأدخله الجنة.
خامسًا: لم تقتصر توجيهات القرآن في ربط الإسلام بالسلام على أصل الرحمة، ويترك المسلمين وشأنهم يتحلون بهذا الخلق الإنساني الرفيع أو يتخلون عنه مضطرين أو مختارين، وإنما كثف من لفظ «السلام» ومفهومه في القرآن بشكل لافت للنظر، حتى أصبح الإسلام والسلام وجهين لعملة واحدة إن صح هذا التعبير، ويكفي للتدليل العاجل على ذلك أن نعلم أن كلمة «السلام» بمشتقاتها وردت في القرآن مائة وأربعين مرة مقابل كلمة «الحرب» التي وردت بمشتقاتها (6) فقط، ومن هنا لم يكن مستغربًا أن يقرر الإسلام مبدأ «السلام» كأصل في معاملة المسلمين وعلاقاتهم بغير المسلمين، وأن فلسفة القرآن لا مكان فيها لعلاقات الصراع والقتال مع المسالمين من غير المسلمين.
أيُّهَا السَّادة العُلَمَاء!
والآن كيف ننزل بمفهوم السلام في الأديان إلى هذا الواقع المعقد؟ والإجابة التي أختم بها كلمتي هي: لابُدَّ أوَّلًا من صنع السلام بين رجال الأديان أنفسهم، وليس بين رجال الدين الواحد، وهذه معضلة تحتاج إلى حوار باحث عن المشتركات بين الأديان، وما أكثرها وأهمها، فمالم يتصالح رجال الأديان فيما بينهم فإنَّه لا أمل في قدرتهم على الدَّعوة للسَّلام والتَّبْشِير به بين النَّاس، ِإِذْ فاقِدُ الشَّيء لَا يُعْطِيه.. أمَّا كَيف ذَلِكَ فَهَذَا مَا أحتَاج إلى أنْ أسْمَعه من حَضَراتكُم.
شُكْرًا لِحُسْنِ اسْتِمَاعكُم؛ وَالسَّلاَمُ عَلَيْكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وَبرَكَاتُه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.