يخبرنا الله تعالى عن إنذاره أهل قريش باستماع الجن للقرآن وإيمانهم به وعلمهم أنه من عند الله، أما هؤلاء فمعرضون عنه ومصرون على الكفر به مع أنهم من أهل اللسان الذى نزل به ومن جنس الرسول الذى جاء به والجن ليسوا كذلك، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: « وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ»، سورة الأحقاف : آية 29. وقال المفسرون فى كتاب التفسير الوسيط فى هذه الآية الكريمة: إن المراد من قول الله تعالى: « وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا»، أى اذكر يا محمد لقومك الوقت الذى صرفنا فيه ووجهنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن منك وهم – كما قال ابن عباس – سبعة نفر من الجن فلما بلغوا تهامه اندفعوا إلى بطن نخل فوقفوا ليشاهدوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو قائم يصلى فى جوف الليل، وقيل يؤم أصحابه فى صلاة الفجر . وأضاف المفسرون أن معنى قوله تعالى: «فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ»، أى وحينما فرغ الرسول من تلاوته انصرفوا قاصدين مَن وراءهم من قومهم منذرين لهم عاقبة مخالفة القرآن ومخوفين إياهم بأس الله تعالى إن لم يؤمنوا، فهذه الآية دليلاً على أن فى الجن نُذُراً وليس فيهم رسلاً . وذكر الإمام الطبرى فى تفسيره أن أهل العلم أختلفوا فى صفة حضورهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فقيل أنهم حضروا رسول الله يتعرفون الأمر الذى حدث من قبله فى السماء ورسول الله لايشعر بمكانهم، وقيل: أن النبى -صلى الله عليه وسلم- أُمر أن يقرأ عليهم القرآن وأنهم جمعوا له بعد أن تقدم الله تعالى بإنذارهم وأمره بقراءة القرآن عليهم .