بعيدا عن أجواء التوتر التي تسود المنطقة العربية والعالم كله، بسبب حادثي تحطم الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء، وحوادث باريس الأخيرة التي قلبت الموازين أو بمعنى آخر جعلت السحر ينقلب على الساحر، وشرب المجتمع الفرنسي من نفس الكأس، الذي شارك في صنعه حكومته وتذوقه العرب، ومازالت المنطقة تتجرع كؤوس الإرهاب اليومي بسبب صناعة أتت من الخارج صنع بعضها في البيت الأبيض الأمريكي، والجزء الآخر صنع في أوروبا فأخرجت مشاهد مآسوية تسببت في انهيار الأوضاع وزيادة الفوضى بالمنطقة العربية كثيرا، وبدأت أوروبا صانعة الحدث تتجرع من نفس الكأس بعد حادث باريس المؤلم والاعتداءات غير المسبوقة، التي هزت باريس قام بها الانتحاريين وحولت شوارع العاصمة إلى ساحة حرب حقيقية استمرت 30 دقيقة. قبل حوادث باريس كانت حكومة هولاند لا تهتم كثيرا بالعمليات التي تحدث بعيدا عن فرنسا أو القارة العجوز وكانت قرارات الإدانة والشجب ضد الهجمات التي يقوم بها الطيران الروسي علي مواقع داعش في سوريا تتصدر المشهد السياسي الفرنسي إرضاءا لأمريكا، وحلفائها الغربيين ولم يكن أحد يتوقّع أن يمدّ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولا ند يده إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين طالباً منه تشكيل جبهة دولية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وتوحيد الجهود من أجل ضرب معاقل التنظيم في سوريا والعراق. وقد بدا التقارب الروسي الفرنسي بعد حوادث باريس مباشرة و التصريحات الوردية للمسئولين الفرنسيين والروس خلال الأيام الماضية ونجحت هذه التصريحات في تقارب بين باريسوموسكو أو توحد الاتجاهات التي تسير في طريق واحد كتب عليه اتجاه " إجباري " وأن كل الطرق المشتركة الآن تسير في اتجاه واحد إجباري نحو "دمشق"، وتبني البلدان موقفا واحدا هو دحر الإرهاب في سوريا ولكن تبق مسألة خلافية واحدة حول بقاء أو رحيل بشار الأسد هو الخلاف بين الطرفين .. روسيا تصر علي الحل السياسي وفرنسا تصر علي رحيل الأسد بدون شروط. ونجح الطرفان الروسي والفرنسي بالتنسيق العسكري وظهر سريعا و انعكست نتائجه بسرعة على الأرض، بعد قيام الطائرات الحربية الفرنسية والروسية بشكل متزامن في توجيه ضربات مكثفة علي مدينة الرقة، معقل "داعش" في سوريا، وثمن لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي الدور الروسي بالتنسيق مع نظيرة الفرنسي بخصوص الضربات المشتركة علي معاقل داعش، وهو الأمر الذي يشير إلي أن اعتداءات باريس تحولت إلي نقطة تخدم بشار الأسد وأصبحت الأولوية الفرنسية هي تدمير "داعش"أولا ثم التفرغ فيما بعد لمناقشة أزمة الأسد، وأصبح هناك عداء كامل بين هولا ند وحكومته من ناحية وبين تنظيم داعش الإرهابي من ناحية أخري بعد أن شعرت حكومة هولاند بإهانات بالغة بعد أن تسبب تنظيم داعش إلي إحراجهما أمام الشعب الفرنسي ونقل الحرب بكل جراءة إلي شوارع عاصمة النور أو الجن والملائكة كما كان يطلق عليها عميد الأدب العربي " طه حسين " ونجح هذا التنظيم في إذلال أجهزة الأمن الفرنسي، بعد العتاب الذي يشبه عقاب ل "برنار باجوليه " رئيس جهاز الاستخبارات الفرنسية بعد فشل جهازه في كشف المجزرة التي تعرض لها الأبرياء من الشعب الفرنسي. في المقابل روسيا تسير في إتجاه واحد و لم تكن مستعدة لتغيير ساستها في سوريا وصارت مستعدة للمشاركة في ضرب وتدمير معاقل تنظيم "داعش" في أي مكان في العالم لكنها غير معنية بتغيير موقفها من الأسد سواء بقي في الحكم أم لم يبق، وهو الأمر الذي يظهر للمراقبين أن روسيا قبل تحطم طائرتها علي سيناء لم تتغير بعد تحطم الطائر، وأنها دولة تعرف ماذا تريد أن تحقق من خلال ضرباتها المكثفة في سوريا ، عكس التوجه الفرنسي الذي تغير بعد الضربات التي تلقتها باريس في عقر دارها، و بنت تدخّلها العسكري في سوريا على مبدأ إنقاذ سمعة نظام فرنسا الذي تأثر وهبطت شعبية هولا ند إلي 22 % فقط وهو الأمر الذي جعله يسابق الزمن من أجل رسم معالم إستراتيجية فرنسية جديدة بشقيها الداخلي والخارجي تحت شعار "الحرب على الإرهاب" وإعادة الهيبة للدولة الفرنسية التي فقدتها علي أيد مجموعة من الإرهابيين. م الآخر .. التنسيق الروسي الفرنسي جاء علي طريقة مجبر أخاك لا بطل وأن التحالف بين موسكووباريس إجباري لإنقاذ حكومة فرنسا لإنقاذ ما تبقي من لها في الشارع الفرنسي وإعادة هيبتها المفقودة ... فهل يتمكن هولا ند ورفاقه من الحفاظ علي التحالف الروسي الجديد أم يعود سريعا إلي أحضانا الهيمنة الأمريكية بعد هدوء العاصفة ..... مجرد سؤال تجيب عنه الأيام القادمة ...