توجه اليوم، الخميس، أكثر من مليوني زائر للبيت العتيق، إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى، استكمالا لأداء مناسك فريضة الحج، كما فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. يشترط لصحة رمي الجمار الشروط التالية: أن يكون الرمي باليد ، وأن تقع الحصى في المرمى بفعل الرامي، فلا يجوز الرمي بقوس ولا بمقلاع ولا برجل، فلو ضرب شخص يد الرامي فطارت الحصاة إلى المرمى وأصابته لم يصح، ولو رمى الحصاة فانصدمت بالأرض خارج الجمرة أو بمحمل في الطريق أو ثوب إنسان مثلاً ثم ارتدت فوقعت في المرمى أعتدَّ بها لوقوعها في المرمى بفعله من غير معاونة، أما لو حرك صاحب المحمل أو الثوب فنفض الحصاة فوقعت في المرمى لم يعتدُّ بها، كما ويجوز الرمي من الطابق العلوي. أن يكون المرمي به حجراً عند الجمهور «المالكية، والشافعية، والحنابلة»، فلا يصح الرمي بالطين والمعادن والتراب، وقد استدل الجمهور بما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما رمى جمرة العقبة؛ فعن جابر يصف رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم لجمرة العقبة، فيقول: «فرماها بسبع حصوات – يكبر مع كل حصاة منها – مثل حصى الخذف». وقال الحنفية: يجوز الرمي بكل ماكان من جنس الأرض ؛ كالحجر والتراب والطين والجص وكل ما يجوز التيمم به، موضحين أن المقصود هو فعل الرمي؛ وذلك يحصل بالطين، كما يحصل بالحجر، بخلاف ما إذا رمى بالذهب أو الفضة؛ لأنه يسمى نثراً لا رمياً، واستدل الحنفية بالأحاديث الواردة في الأمر بالرمي مطلقة عن صفة مقيدة ؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «إرم ولا حرج». والأحوط والأرجح هو مذهب الجمهور، وهو أن يكون المرمي به حجراً، يقول الكمال بن الهمام من علماء الحنفية: إن أكثر المحققين على أنها أمور تعبدية لا يشتغل بالمعنى فيها– أي بالعلة – والحاصل أنه إما أن يلاحظ مجرد الرمي، أو مع الاستهانة، أو خصوص ما وقع منه صلى الله عليه وسلم، والأول يستلزم الجواز بالجواهر، والثاني بالبعرة والخشبة التي لا قيمة لها، والثالث بالحجر خصوصاً؛ فليكن هذا أولى، لكونه أسلم، ولكونه الأصل في أعمال هذه المواطن، إلا ما قام دليل على عدم تعيينه. أن يكون الحصى كحصى الخذف: وحصى الخذف هي التي يخذف بها ؛ أي ترمى بها الطيور والعصافير، وذلك بوضع الحصاة بين اصبعي السبابة والإبهام وقذفها. وحصى الخذف أكبر من الحمصة ودون البندقة، ويكره الرمي بالحجر الكبير، أما عند الشافعية فيجوز الرمي بالحجر الصغير الذي هو كالحمصة؛ لأنه رمي بالحجر فيجزئه. أما المالكية لم يجز عندهم، وقالوا: لا بد أن يكون أكبر من الحمصة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة أن يرموا بمثل حصى الخذف. وقد روي عن الإمام أحمد بن حنبل: بأن الرمي لا يجزئ إلا بحصى كحصى الخذف، لا أصغر ولا أكبر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهذا القدر ونهى عن تجاوزه، والأمر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي الفساد. أن يرمي الحاج كل جمرة بسبع حصوات متفرقات؛ أي واحدة فواحدة، فلو رمى حصاتين أو أكثر معاً فتعد حصاة واحدة، ويلزمه أن يرمي بست حصاة غيرها، ودليل ذلك أن المنصوص عليه تفريق الأفعال أثناء رمي الجمرات فيجب التقييد بالتفريق الوارد بالسنة النبوية. وإن شك في عدد الحصوات السبع، هل رمى أقل أم أكثر؟ فعليه أن يبني على الأقل ويحقق المطلوب يقيناً وهو السبع، وعند الحنابلة ليس عدد السبع شرطاً، فإن نقص عدد الحصوات حصاة أو حصاتين فلا بأس. وقوع الحصى في المرمى: والمرمى هو الجمرة التي يجتمع فيها الحصى، فإن وقعت الحصى دونه لم يجزئه، وقال الحنفية: لو رماها فوقعت قريباً من الجمرة يكفيه؛ لأن هذا القدر مما لا يمكن الاحتراز عنه، أما لو وقعت بعيداً من الجمرة لا يجزيه، وأما مقدار المسافة القريبة، فقيل: 3 أذرع فما دون، وقيل: ذراع فأقل. أما في وقتنا الحاضر؛ فقد تم تحديد المرمى بدائرة يجتمع فيها الحصى ويتوسطها عمود، وكل حصاة وقعت ضمن هذه الدائرة فقد أجزأت. ترتيب الجمرات: وهو أن يبدأ الحاج برمي جمرة العقبة الكبرى يوم النحر، ثم يرمي الجمرات أيام التشريق بالترتيب بأن يبدأ برمي الجمرة الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى، فعند الجمهور«المالكية، والشافعية، والحنابلة»: يعتبر هذا الترتيب شرط لصحة الرمي، ودليلهم على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها كذلك كما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبعة حصيات يكبر على إثر كل حصاة، ثم يتقدم حتى يُسْهِل، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً فيدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيستهل ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلاً، ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلاً، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله». واستدل الجمهور بحديث ابن عمر على وجوب ترتيب الجمرات كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم، أما عند الحنفية فالترتيب سنة، فإذا أخل به الرامي يسن له الإعادة وهو قول الحسن وعطاء. وفسره الحنفية على سبيل السنية لا الوجوب، واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قدم من نسكه شيئاً أو أخره فلا شيء عليه». أن يكون الرامي هو الحاج بنفسه إذا كان قادراً على الرمي، أما إذا كان عاجزاً عن الرمي بنفسه فيستناب لعجزه من يرمي عنه.