أكد الدكتور علي جمعة، مفتى الجمهورية السابق، أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- سيد الخلق بإجماع المسلمين، وقد أخبر عن نفسه الشريفة بذلك فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ»، وفي رواية «أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ» متفق عليه، وأمرنا الله سبحانه وتعالى بتوقيره وتعظيمه فقال: «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» [الفتح: 8 – 9]. وأوضح "جمعة" فى فتوى له، أن من أشكال توقيره -صلى الله عليه وسلم- تسويدُه كما قال قتادةُ والسُّدِّيُ: "وتوقروه": وتُسَوِّدُوهُ، وقد خاطبه بذلك الصحابة رضي الله عنهم؛ فعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: «مَرَرْنَا بِسَيْلٍ فَدَخَلْتُ فَاغْتَسَلْتُ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ مَحْمُومًا، فَنُمِيَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مُرُوا أَبَا ثَابِتٍ يَتَعَوَّذُ، قُلْتُ: يَا سَيِّدِي وَالرُّقَى صَالِحَةٌ؟ قَالَ: لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ فِي نَفْسٍ أَوْ حُمَةٍ أَوْ لَدْغَةٍ» أخرجه أحمد والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وأشار إلى أن الصحابة قد فعلوا ذلك أيضاً في الصلاة عليه؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسِنُوا الصَّلاَةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ لَعَلَّ ذَلِكَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا لَهُ: فَعَلِّمْنَا، قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلاَتَكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، إِمَامِ الْخَيْرِ، وَقَائِدِ الْخَيْرِ، وَرَسُولِ الرَّحْمَةِ» أخرجه ابن ماجه وحسنه المنذري، وكذلك ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده بسند حسن في الشواهد. وبين المفتى السابق أن حكم إطلاق السيادة على غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المخلوقين فهو أمر مشروع بنص الكتاب والسنة وفعل الأمة خلفًا عن سلفٍ من غير نكير، فأما الكتاب: فقول الله تعالى عن سيدنا يحيى عليه السلام: «فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ» [آل عمران: 39]. وتابع: «قال الإمام القرطبي: "ففيه دلالة على جواز تسمية الإنسان سيدًا، كما يجوز أن يُسمِّى عزيزًا أو كريمًا"»، وقوله تعالى عن سيدنا يوسف وامرأة العزيز: «وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ [يوسف: 25]. - وأما السنة: فقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في شأن الحسن والحسين -عليهما السلام-: «الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ» أخرجه الترمذي والحاكم وصححاه، وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم- في شأن الحسن بن علي عليهما السلام: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» أخرجه البخاري، وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم- للسيدة فاطمة عليها السلام: «يَا فَاطِمَةُ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ» أخرجه البخاري، إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة التي تدل على جواز إطلاق "السيد" على المخلوق. - وأما فعل الأمة: فقول عمر الفاروق -رضي الله عنه- عن أبي بكر الصديق وبلال -رضي الله عنهما-: "أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا" أخرجه البخاري، وقول عليّ عن ابنه الحسن عليهما السلام: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ» أخرجه أبو داود، وقول أبي هريرة رضي الله عنه للحسن بن علي عليهما السلام: «يَا سَيِّدِي، فَقِيلَ لَهُ: تَقُولُ يَا سَيِّدِي؟! قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّهُ لَسَيِّدٌ» أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة، وهذه الإطلاقات مع سماع الصحابة لها من غير نكير ولا معارض بمثابة الإجماع السكوتي وهو حجة كما تقرر في الأصول. ولفت إلى أنه قد درج المسلمون من قديم الزمان على إطلاق لقب السيادة على الذرية النبوية الطاهرة من نسل سَيِّدَيْ شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام وورد في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَيِّئٌ» رواه الإمام أحمد. وأكد أن إطلاق السيادة على أهل البيت وأولياء الله الصالحين أمر مشروع، بل هو مطلوب شرعًا لما فيه من حسن الأدب معهم والتوقير والإجلال لهم، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ» رواه أحمد والحاكم وصححه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.