كيف تحول بعض "الاسلاميين" الذين كانوا يواجهون الرصاص بأقفاص الفاكهة فى أحداث العباسية "وزارة الدفاع" الى تشكيل تنظيمات تهاجم بالآر بى جى والمدفعية الخفيفة وصوارخ مضادة للدبابات والطائرات وأطنان المتفجرات؟ انها ارادة القضاء على الخصم للانفراد بالمشهد، تجعله يصارع وقد تضطره الى خيار الدم والعنف الهيستيرى المجنون، ودخول القاعدة وداعش والجماعات المسلحة على الخط دمر الثورات، ولم تتعلم جماعة الإخوان الدرس. فى البداية ومبكراً كان الارهاب محدوداً طفلاً صغيراً يسهل احتواءه، يقاتل بأقفاص الفاكهة فى العباسية، واليوم صار وحشاً ويسعى لأن يصبح جيشاً ودولة أيضاً فى سيناء . هل تعلم "الإخوان" اذاً قيمة الوقت وحسم المواقف السياسية سريعاً؟ "المبادرة" مصطلح يُطلق على القرار الذى يصدر "بدْرى" قبل الانزلاق فى حرب حقيقية واتساع مساحة رقعة الدم، وعدم إعطاء المبرر لجماعات مسلحة لتقوم بحرب بالوكالة مع الدولة. الإخوان كانوا قادرين فى البداية على اتخاذ موقف وطنى يمنع تنامى نفوذ هذه الجماعات ويضخ الدم فى شرايين العملية السياسية الغائبة عن الوعى، لكن التحرك ظل بطيئاً جداً والأداء باهتاً، والاعتماد كان على دماء تُراق فى مظاهرات واعتصامات تغذى بقصد أو بغير قصد رغبة الثأر لدى المسلحين. حالة من العناد والتشبث بالمصالح الحزبية وسقف مطالب غير مناسب لكل مرحلة مما يطيح بجهود المصالحة والتسوية على مدى أشهر طويلة لانقاذ مصر من الوصول الى مستنقع الاحتراب الأهلى، واستنزاف الجيش ومؤسسات الدولة وصولاً لاخضاعها تماماً للارادة الغربية، فى صراع دام على مستويين؛ أحدهما بارد فى المظاهرات المنهكة للاقتصاد والمعطلة للانتاج والآخر ساخن بالتنظيمات المسلحة الراغبة والساعية للتوحش والتمدد واحتلال بعض المناطق لتكرار نموذج داعش فى العراق. اكتشف حسن البنا – بحسب رؤيته هو فى حينها - بعد قرار حل الجماعة الأول من خلال وكيل الداخلية عبد الرحمن عمار أنها مؤامرة اشترك فيها سفراء بريطانيا وأمريكا وفرنسا الذين اجتمعوا فى فايد وطلبوا من النقراشى حل الاخوان، بالرغم من ذلك لم يسع الشيخ البنا لتدويل القضية بالضغط لدى حلفاء دوليين كما يفعل اخوان اليوم، وأبقى الرجل القضية فى نطاقها الوطنى ورأى أن ما حدث مجرد "إجراءات محلية سوف لا تلبث أن تزول باذن الله ". وسعى لتقريب وجهات النظر وقدم تنازلات مؤلمة لكن بعد فوات الأوان مع عدم الاعتراف بالأخطاء والاعتذار عن عمليات النظام الخاص، وفى مذكرة الحل التى أصدرها البنا محاولة لنفى مسئولية الإخوان عن جميع الحوادث. وحدث ما يحدث اليوم من اعتقال الآلاف من الإخوان ومصادرات وملاحقات وفصل طلاب وموظفين.. الخ.
كان حسن البنا هو الطرف الساعى للمصالحة وعرض اتفاقية ترفع بها المظالم واطلاق حرية الدعوة فى الوقت المناسب الذى تراه الحكومة، نظير التعهد من قبل المرشد ورؤساء الإخوان بأن يكونوا أعواناً صادقين للحكومة فى استقرار الأمن واستتباب النظام . لكن جاء ذلك متأخراً جداً، فى حين ذكرنا سابقاً أن أهم ملامح المبادرة أنها واضحة منضبطة محددة فى نقاطها سواء فيما يتعلق بالمطالب أو التنازلات، وقبل ذلك كله تأتى مبكراً قبل الانحدار الى هاوية العنف واختلاط الحابل بالنابل وانفلات الزمام وانهيار الجماعة داخلياً واحتدام الصراع على قيادتها . العنف لا يمكن تبريره مهما حدث حتى البنا تبرأ منه -رغم أنه هو الذى أنشأ النظام الخاص-، أما إخوان الخارج اليوم فيتباهون به ويعتبرون ضرب الشرطة والجيش وتفجير أبراج الكهرباء ومرافق الدولة سلمية!. واللجوء للخارج والاستعلاء والتعامل بندية مع الدولة وتحديها بهذا الشكل كارثة لم يتورط فيها حسن البنا نفسه بشكل رسمى معلن. وأغلب الظن أيضاً أن الإخوان سينتهون لتقديم تنازلات، لكن أيضاً بعد فوات الأوان .