فيما كان عشرات الاف الثوار يهتفون في ميدان التحرير "يسقط.. يسقط حكم العسكر"، مطالبين برحيل المجلس العسكري عن واجهة المشهد وتحديد موعد لتسليم السلطة، استخدمت جماعة الإخوان "الممثلين" حق النقض "الفيتو" على تولى الدكتور محمد البرادعي رئاسة الوزراء، وهو الاسم الذي طرحه الميدان كبديل عن الجنزوري الذي استدعاه المشير طنطاوي من كهف التاريخ بعد أن قبع فيه 12 عاما كاملة لم ينطق فيها حرفا واحدا ضد مبارك ونظامه، بعدما رأت الجماعة أن الجنزوري هو البديل الآمن والمريح لاستكمال مخططها الرئيسي في التمكين والسيطرة والاستحواذ. صمتت الجماعة عن الدماء الذكية التي أريقت أمام مجلس الوزراء، وأغمضت عيونها عن سحل النساء وتعريتهن، بل إن بعض رموزها تساءل بخسة عن أسباب نزول البنات إلى الشارع ليلا، واتهمت أمينة المرأة بالجماعة حرائر مصر اللاتي انتفضن للدفاع عن شرفهن بالتمويل من الخارج، وبررت موقفها غير الأخلاقي بأن المدة المتبقية على تسليم السلطة 7 أشهر فقط، واعتبرت أن الحكومة ورئيسها في مهمة مؤقتة لتسيير الأعمال. ماذا تبدل إذن لتتنصل الجماعة من كل تعهداتها بتأييد الجنزوري، وتطلب صراحة إسناد المهمة للشاطر، ثم تدفع به مرشحا للرئاسة بعد رفض الطلب وتستمر في المساومة بالدفع بمرشح "استبن" ليحل محل المستبعد؟ الإجابة الملتوية عن الرغبة في تلبية حاجات الجماهير، هى إجابة خاطئة عن سؤال خاطئ، عدما انكشفت الصفقات السرية والأوراق المخفية، فالجنزوري لم يتغير، وبقى وفيا لطريقة الأداء البليدة التي مارسها ثلاثة عقود في جهاز الدولة البيروقراطي، واكتفى بدور كبير سكرتارية المشير مثلما كان السكرتير التنفيذي لمبارك، وارتضى بنهاية مشرفة تزيل آثار الخروج المذل الأول في عهد مبارك، لكن الجماعة هى التي تغيرت وأحست بجبروت القوة ورأت أن الفرصة باتت سانحة لنيل مغانم المعركة وبضربة رجل واحد وقبل موعد استحقاقها، وظنت أنها الطرف الأقوى في معادلة التأثير، وستتمكن من مقايضة ورقة ترشح الشاطر أو بديله برئاسة الحكومة، وعندما فشلت المقايضة، ساومت بإجراءات سحب الثقة من الحكومة، ثم أغلقت "دكان" مجلس الشعب وانتظرت أن "يصالحها" المشير مثلما تترك الزوجة منزلها وتذهب إلى بيت أبوها، لكن المشير لم يصالحها، فاكتفت باستقالة الحكومة الشكلية واستمرارها في تسيير الأعمال، فرد المشير بإزالة حواجز شارع قصر العيني، وعاد الجنزوري بدءا من اليوم إلى مكتبه بشارع حسين حجازي وعلى بعد خطوات من مجلس الشعب ومكتب الكتاتني مع تصريح واضح من فايزة أبو النجا متضمنا اللاءات الثلاث (لا استقالة- لا حكومة تسيير أعمال- لاتغيير وزاري). مرة أخرى استخدمت الجماعة البرلمان وراحت تسن قانونا (جيدا في مضمونه لكنه مريب في توقيته)، لأنه أعطى ذريعة للجنة العليا للانتخابات لتعليق أعمالها ما ينذر بتأجيل الانتخابات الرئاسية، تماما كما أجلت وضع الدستور بسبب الرغبة الجامحة في السيطرة على اللجنة التأسيسية، وكما لم تتعلم من درس قانون العزل السياسي الذي لم تضعه في أولوياتها إلا عندما اقترب "البعبع" عمر سليمان من غرف نومها. الآن هناك حقائق جديدة على الأرض يجب أن تضعها الجماعة في حساباتها حتى لا يستمر سيناريو "حرق مصر" وهى: 1- هناك سيطرة عددية للجماعة على مجلسي الشعب والشورى يقابها فقدان القدرة على الفعل والتغيير. 2- العجز (الدستوري) عن إقالة الجنزوري وحكومته واستبداله بالشاطر أو حتى استقالته وإعادة تكليفه لحفظ ماء الوجه. 3- انكشاف المواقف السياسية وابتعاد أقرب أنصارها (حزب النور) عنها، وتآكل واضح في شعبيتها. 4- اعتبار القوى الثورية أن إقالة الجنزوري معركة الجماعة الخاصة وليست معركة الثورة أو الوطن. كل ما نتمناه أن تتعظ الجماعة من أخطاء الماضي، وأن تتذكر أن من حفر "جنزوري" لأخيه وقع فيه!