الذين يحرضون على اقتحام قدس أقداس العسكرية المصرية والاصطدام بالجيش.. لا يريدون إجراء انتخابات الرئاسة، إنما يستحضرون الفوضى ومعها انقلاب عسكري. الوقفات والاعتصامات الجارية أمام مقر وزارة الدفاع بشارع الخليفة المأمون، لا علاقة لها بأهداف الثورة ولا بحرية التعبير، ولا تبدو لها مطالب مفهومة إلا إذا اعتبرنا الصدام مطلباً والفوضى هدفاً! لست ضد انتقاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة مادام يباشر شأنا سياسيا، تختلف عليه الآراء وتتعارض وجهات النظر، ولست أظن أن هناك أدنى قدر من التضييق على وسائل التعبير عن الاختلاف أو الخلاف أو الاحتجاج، سواء في الصحف أو وسائل الإعلام، أو في ميدان التحرير وغيره من الميادين، أو تحت قبة البرلمان، بل وصل الأمر إلى حد الانفلات الأخلاقي بكتابة عبارات تجريح بذيئة على الجدران والأسوار في الشوارع، وإلى درجة الانفلات الوطني بالتحريض ضد الجيش المصري! لن أناقش الآن ما قدمه المجلس الأعلى من أجل الوطن والشعب على مدى 51 شهراً مضت منذ نزول الجيش إلى الشارع في ذروة أيام الثورة، ولن أدافع عن أخطاء وقع فيها أو ألصقت به في غضون شهور المرحلة الانتقالية، فذلك كله متروك لضمير الشعب وحكم التاريخ. الذين يحرضون على حصار وزارة الدفاع، ويدفعون بالأمور دفعاً نحو الصدام، غايتهم هى إلغاء انتخابات رئاسة الجمهورية، واقتياد البلاد إلى دوامة الفوضى، تماما مثلما سعى الذين حرضوا على حصار وزارة الداخلية إلى إلغاء انتخابات مجلس الشعب أو على الأقل إرجائها، وخاب مسعاهم. ولست أبالغ إذا قلت إن موجة الحرائق المريبة في مناطق مختلفة على أرض مصر، ليست منقطعة الصلة بما يجري في شارع الخليفة المأمون، ولست أدعي على أحد إذا جزمت أنه في أوساط المعتصمين الذين يبدون مغالين في "ثورتهم"، عناصر تابعة لقوى مضادة للثورة وتعمل على تصفية منجزاتها. والحق إنني مندهش لحالة الصمت الرهيب التي تكتنف القوى السياسية والأحزاب تجاه ما يجري الآن أمام وزارة الدفاع والأخطار المحدقة بالبلاد من التحريض على استهدافها أو اقتحامها، وأستغرب بشدة موقف مرشحي الرئاسة بلا استثناء الذين أغمضوا أعينهم وكفوا ألسنتهم عن التعليق على أحداث الحصار المؤسفة وعن إدانتها بكل قوة، ومبعث دهشتي أن كلا منهم يريد أن يضع نفسه أمام الشعب في صورة رجل الدولة المسئول، وأن أحدهم سوف يكون بعد 60 يوماً إذا أراد الله القائد الأعلى للقوات المسلحة، لكني أتساءل: هل هناك مقر لوزارة دفاع في أي دولة من دول العالم، يُسمح بحصاره، والاعتصام أمامه بالعصي والشوم والسنج، بل ويُهدد بالاقتحام؟! نعم.. هناك دعاوى تحريضية تتبناها جماعات فوضوية وعناصر تنسب أنفسها زوراً إلى الثورة ومجموعات تسير دون وعي أو إدراك خلف مرشح رئاسة مستبعد، من أجل التدفق إلى مقر وزارة الدفاع يوم الجمعة المقبل والصدام مع عناصر الجيش التي تتولى تأمين المقر بغرض اقتحامه! المطالب المعلنة لهؤلاء هى إنهاء "حكم العسكر"، ورفض وضع دستور تحت "حكم العسكر"، وإلغاء المادة (82) من الإعلان الدستوري الذي وضعه "العسكر"! أي قراءة بسيطة لهذه المطالب تثير الشكوك في نوايا المحرضين الذين يستغلون ضعف وعي المنقادين إلى دعاواهم، ف "حكم العسكر" الذي يتحدثون عنه سوف ينتهي بحلول 30 يونيو المقبل أي بعد 95 يوماً بالعدد، أما الدستور فلا الظروف السياسية تسمح ولا الفترة المتبقية تتيح التوافق على جمعيته التأسيسية وتشكيلها ناهيك عن كتابة مواد الدستور وإقراره، وهنيئا لهؤلاء بدستور لا يوضع تحت "حكم العسكر" وإنما تحت "حكم العمائم"! بيد أن أغرب المطالب هو إلغاء المادة (82) التي تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الطعون، هذه المادة تحديداً كانت ضمن التعديلات الدستورية التي أقرها الشعب في استفتاء 91 مارس 1102، ولا يستطيع البرلمان أو المجلس الأعلى تغييرها إلا باستفتاء جديد، والمدهش أن الذين دعوا الشعب إلى أن يقول: نعم للتعديلات بما فيها هذه المادة، هم الذين يطالبون الآن بإلغائها. بوضوح أقول إن الهدف الحقيقي لحصار مقر وزارة الدفاع والتهديد باقتحامه أو محاولة القيام بذلك، هو جر الجيش إلى صدام مع المنقادين بجهل وانعدام بصيرة لدعاوى التحريض، ففي هذا المجمع يوجد مكتب القائد العام للقوات المسلحة ومكتب رئيس الأركان، ومقر هيئة العمليات أهم هيئات القوات المسلحة التي تتولى إدارة عمليات القتال، أي أنه يعد قدس أقداس العسكرية المصرية، مما يستوجب من كل مصري وطني الذود عنه وحمايته لا التهديد باقتحامه، فضلا عن أن شرف العسكرية وقسم الفداء يستلزم من عناصر تأمين المقر، الدفاع عنه بكل الوسائل الضرورية. ولا أعتقد أن هناك مصرياً مخلصاً يدعو إلى التهاون في حماية مقر وزارة الدفاع أو يدعو في نفس الوقت إلى الاستهانة بدماء أبنائنا حتى لو كانوا يفتقدون الإدراك السليم لمغبة ما يفعلون أو يفتقرون الوعي بمصلحة الوطن. نذر الخطر التي أراها في أفق الأيام القليلة القادمة تستدعي من كل القوى السياسية ومن مرشحي الرئاسة ومن نواب الشعب الذين علقوا جلساتهم ومعها مصالح الناس، التحلي بشجاعة تفرضها دقة اللحظة، والتصدي للمحرضين وتوعية المنقادين وراءهم من الببغاويين الذين لا يفقهون ما يقولون ولا يدركون الكارثة التي يصنعون. الذين يحاصرون وزارة الدفاع والذين يحرضون على اقتحامها، والذين يدفعون المعتصمين إلى الاصطدام بالجيش بحجة إنهاء ((حكم العسكر)) لا يريدون الانتقال إلى حكم رئاسي مدني.. إنهم لا يرغبون في إجراء انتخابات الرئاسة، إنما يستحضرون الفوضى ومعها انقلاب عسكري. نقلا عن "الأخبار"