الأستاذ :- ياسر رزق الذين يحرضون علي اقتحام قدس أقداس العسكرية المصرية والاصطدام بالجيش .. لا يريدون إجراء انتخابات الرئاسة، إنما يستحضرون الفوضي ومعها انقلاب عسكري الوقفات والاعتصامات الجارية أمام مقر وزارة الدفاع بشارع الخليفة المأمون، لا علاقة لها بأهداف الثورة ولا بحرية التعبير، ولا تبدو لها مطالب مفهومة إلا إذا اعتبرنا الصدام مطلباً والفوضي هدفاً! لست ضد انتقاد المجلس الأعلي للقوات المسلحة مادام يباشر شأنا سياسيا، تختلف عليه الآراء وتتعارض وجهات النظر، ولست أظن أن هناك أدني قدر من التضييق علي وسائل التعبير عن الاختلاف أو الخلاف أو الاحتجاج، سواء في الصحف أو وسائل الإعلام، أو في ميدان التحرير وغيره من الميادين، أو تحت قبة البرلمان. بل وصل الأمر إلي حد الانفلات الأخلاقي بكتابة عبارات تجريح بذيئة علي الجدران والأسوار في الشوارع، وإلي درجة الانفلات الوطني بالتحريض ضد الجيش المصري! لن أناقش الآن ما قدمه المجلس الأعلي من أجل الوطن والشعب علي مدي 51 شهراً مضت منذ نزول الجيش إلي الشارع في ذروة أيام الثورة، ولن أدافع عن أخطاء وقع فيها أو ألصقت به في غضون شهور المرحلة الانتقالية، فذلك كله متروك لضمير الشعب وحكم التاريخ. الذين يحرضون علي حصار وزارة الدفاع، ويدفعون بالأمور دفعاً نحو الصدام، غايتهم هي إلغاء انتخابات رئاسة الجمهورية، واقتياد البلاد إلي دوامة الفوضي، تماما مثلما سعي الذين حرضوا علي حصار وزارة الداخلية إلي إلغاء انتخابات مجلس الشعب أو علي الأقل إرجائها، وخاب مسعاهم. ولست أبالغ إذا قلت إن موجة الحرائق المريبة في مناطق مختلفة علي أرض مصر، ليست منقطعة الصلة بما يجري في شارع الخليفة المأمون، ولست أدعي علي أحد إذا جزمت أنه في أوساط المعتصمين الذين يبدون مغالين في »ثورتهم«، عناصر تابعة لقوي مضادة للثورة وتعمل علي تصفية منجزاتها. والحق إنني مندهش لحالة الصمت الرهيب التي تكتنف القوي السياسية والأحزاب تجاه ما يجري الآن أمام وزارة الدفاع والأخطار المحدقة بالبلاد من التحريض علي استهدافها أو اقتحامها. واستغرب بشدة موقف مرشحي الرئاسة بلا استثناء الذين أغمضوا أعينهم وكفوا ألسنتهم عن التعليق علي أحداث الحصار المؤسفة وعن إدانتها بكل قوة، ومبعث دهشتي ان كلا منهم يريد أن يضع نفسه أمام الشعب في صورة رجل الدولة المسئول، وأن أحدهم سوف يكون بعد 06 يوماً إذا أراد الله القائد الأعلي للقوات المسلحة. لكني أتساءل: هل هناك مقر لوزارة دفاع في أي دولة من دول العالم، يُسمح بحصاره، والاعتصام أمامه بالعصي والشوم والسنج، بل ويُهدد بالاقتحام؟! نعم.. هناك دعاوي تحريضية تتبناها جماعات فوضوية وعناصر تنسب أنفسها زوراً إلي الثورة ومجموعات تسير دون وعي أو إدراك خلف مرشح رئاسة مستبعد، من أجل التدفق إلي مقر وزارة الدفاع يوم الجمعة المقبل والصدام مع عناصر الجيش التي تتولي تأمين المقر بغرض اقتحامه! المطالب المعلنة لهؤلاء هي إنهاء »حكم العسكر«، ورفض وضع دستور تحت »حكم العسكر«، وإلغاء المادة (82) من الإعلان الدستوري الذي وضعه »العسكر«! أي قراءة بسيطة لهذه المطالب تثير الشكوك في نوايا المحرضين الذين يستغلون ضعف وعي المنقادين إلي دعاواهم، ف »حكم العسكر« الذي يتحدثون عنه سوف ينتهي بحلول 03 يونيو المقبل أي بعد 95 يوماً بالعدد. أما الدستور فلا الظروف السياسية تسمح ولا الفترة المتبقية تتيح التوافق علي جمعيته التأسيسية وتشكيلها ناهيك عن كتابة مواد الدستور وإقراره. وهنيئا لهؤلاء بدستور لا يوضع تحت »حكم العسكر« وإنما تحت »حكم العمائم«! بيد أن أغرب المطالب هو إلغاء المادة (82) التي تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية من الطعون، هذه المادة تحديداً كانت ضمن التعديلات الدستورية التي أقرها الشعب في استفتاء 91 مارس 1102، ولا يستطيع البرلمان أو المجلس الأعلي تغييرها إلا باستفتاء جديد، والمدهش أن الذين دعوا الشعب إلي أن يقول: نعم للتعديلات بما فيها هذه المادة، هم الذين يطالبون الآن بإلغائها. بوضوح أقول إن الهدف الحقيقي لحصار مقر وزارة الدفاع والتهديد باقتحامه أو محاولة القيام بذلك، هو جر الجيش إلي صدام مع المنقادين بجهل وانعدام بصيرة لدعاوي التحريض. ففي هذا المجمع يوجد مكتب القائد العام للقوات المسلحة ومكتب رئيس الأركان، ومقر هيئة العمليات أهم هيئات القوات المسلحة التي تتولي إدارة عمليات القتال، أي أنه يعد قدس أقداس العسكرية المصرية، مما يستوجب من كل مصري وطني الذود عنه وحمايته لا التهديد باقتحامه، فضلا عن أن شرف العسكرية وقسم الفداء يستلزم من عناصر تأمين المقر، الدفاع عنه بكل الوسائل الضرورية. ولا أعتقد أن هناك مصرياً مخلصاً يدعو إلي التهاون في حماية مقر وزارة الدفاع أو يدعو في نفس الوقت إلي الاستهانة بدماء أبنائنا حتي لو كانوا يفتقدون الادراك السليم لمغبة ما يفعلون أو يفتقرون الوعي بمصلحة الوطن. نذر الخطر التي أراها في أفق الأيام القليلة القادمة تستدعي من كل القوي السياسية ومن مرشحي الرئاسة ومن نواب الشعب الذين علقوا جلساتهم ومعها مصالح الناس، التحلي بشجاعة تفرضها دقة اللحظة، والتصدي للمحرضين وتوعية المنقادين وراءهم من الببغاويين الذين لا يفقهون ما يقولون ولا يدركون الكارثة التي يصنعون. الذين يحاصرون وزارة الدفاع والذين يحرضون علي اقتحامها، والذين يدفعون المعتصمين إلي الاصطدام بالجيش بحجة إنهاء ((حكم العسكر)) لا يريدون الانتقال إلي حكم رئاسي مدني.. إنهم لا يرغبون في إجراء انتخابات الرئاسة، إنما يستحضرون الفوضي ومعها انقلاب عسكري!