كثيرون يكتبون الآن في الصحف ويتحدثون في القنوات الفضائية عن الصدام الحتمي والوشيك بين جماعة الإخوان المسلمين وحزبها والمجلس الأعلي للقوات المسلحة علي خلفية أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وترشيح المهندس خيرت الشاطر في الانتخابات الرئاسية.. البعض يتخوف والبعض يحرض ويتعجل النتائج. ووصل الأمر ببعض البرامج التليفزيونية التي تبثها قنوات غسيل الأموال إلي استدعاء مقاطع من خطابات للرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات يكيلان فيها الاتهامات للإخوان ويهددان باعتقال الآلاف من عناصرها.. ويضيف السادات إلي الإخوان قادة الوفد مؤكداً تشابه الأفعال التي يأتيها هؤلاء وهؤلاء. والهدف من استدعاء هذه المقاطع المخيفة هو إغراء المجلس العسكري وتحريضه علي اتخاذ قرار الانقلاب علي الشرعية وإعادة فتح المعتقلات لإيداع عناصر الإخوان فيها حتي يعرفوا حجمهم ويعرفوا قدرهم.. والإيحاء للقادة العسكريين وللمشاهدين أيضاً بأن الأمر بسيط جداً وسهل جداً من أجل حماية الثورة.. فقد فعلها عبدالناصر والسادات كما فعلها مبارك بعد ذلك فلماذا لا يفعلها المشير طنطاوي ويتعاطف الناس معه رداً علي الأخطاء المتكررة للإخوان؟! ولا شك أن حكاية فتح المعتقلات والانقلاب علي الشرعية من أكثر النقاط سواداً في تاريخ الرؤساء الثلاثة السابقين التي لن يمحوها الزمن.. وتقتضي الموضوعية أن نعترف بأن لكل منهم إنجازات تركها ليس من بينها بالتأكيد فتح المعتقلات والزج بالأبرياء فيها لأسباب سياسية.. ولذلك فإنني أستبعد تماماً أن يقدم المشير طنطاوي والمجلس العسكري علي إجراء مذموم مثل هذا مهما كانت الأخطاء.. فالديمقراطية تصحح نفسها بنفسها.. والصدام ليس في صالح أحد.. ولن يحقق مكاسب لأي طرف.. وتاريخنا القريب والبعيد فيه ما يكفي من القرائن علي أن الاستبداد إذا ما حل لا يقع علي الإخوان وحدهم وإنما يشمل الجميع. ورغم الأخطاء التي وقعت خلال المرحلة الانتقالية إلا أن المؤكد أن المشير طنطاوي وأعضاء المجلس العسكري لديهم إرادة حقيقية وصادقة في أن يدخلوا التاريخ بصفحات ناصعة وأياد نظيفة.. ومن هنا يأتي يقيني باستبعاد فكرة الصدام والانقلاب. نعم.. الحضور العسكري في السجال السياسي أصبح الآن أكثر وضوحاً.. وهناك تيار سياسي يلوذ بالعسكريين طلباً للحماية من الهيمنة الإخوانية.. وهناك إصرار علي استخدام المجلس العسكري فزاعة في وجه تجاوزات الإسلاميين.. وعلي سبيل المثال فقد أطلق د. عمار علي حسن قنبلة دخان هائلة عندما أكد أن د. سعد الكتاتني تلقي رسالة تهديد مباشرة من المشير بحل الجمعية التأسيسية للدستور وحل مجلس الشعب بحكم قضائي إذا ما أصر البرلمان علي إسقاط حكومة الجنزوري. وقد نفي د. الكتاتني الخبر جملة وتفصيلا.. ثم جاء تسريب علي لسان د. مصطفي الجندي عضو مجلس الشعب لما دار في اجتماع المشير مع رؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان ذكر فيه أن المشير هدد بصدور حكم قضائي لحل الجمعية التأسيسية للدستور وحكم آخر بحل مجلسي الشعب والشوري.. ثم تبين أن هذا الكلام غير صحيح.. حيث ذكر الزميل مصطفي بكري في مقاله ب "الأخبار" أمس الأول ما يلي: "وما إن ذكر أحد الحاضرين كلاماً عن حل مجلس الشعب إذ بالمشير ينتفض علي الفور ويقول: "مجلس إيه اللي يتحل.. مين قال كده.. ما فيش حاجة من الكلام ده". ونفي المشير في هذا السياق أيضاً أية نية لديه للترشح في انتخابات الرئاسة.. وكذلك فعل الفريق سامي عنان رئيس الأركان.. لكن الذين يحرضون علي الصدام بين الإخوان والمجلس العسكري لا يملون.. وقد طلب المجلس الاستشاري في اجتماعه الأخير من المجلس العسكري إصدار إعلان دستوري جديد لتغيير المادة "60" واستحداث معايير لتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور يتم إقحامها علي المادة المثيرة للجدل.. وهو ما يعني علاج الخطأ بخطأ أكبر. وربما يكون الأفضل من هذا النزوع الفج نحو الصدام التشريعي أن تترك المسألة برمتها إلي المحكمة الدستورية العليا لتقديم تفسير واضح ومحدد للمراد من المادة "60".. ويأتي الحل عن طريق المسار الطبيعي وليس بالانقلاب ولا بالصدام ولا بإعادة تفصيل مادة معينة كما كان يفعل ترزية القوانين. لقد انتهي زمن الاستقواء بأية قوة في المجتمع خارج نطاق صندوق الانتخابات الذي يعكس إرادة الشعب.. ويجب أن نقف جميعاً ضد أي صدام لن يكون لصالح طرف من الأطراف.. والأمر المؤكد عندي أن المجلس العسكري أكثر ذكاء ووعياً من هؤلاء الذين يستخدمونه ويحرضونه لصالحهم.. فلا يمكن لمن حمي الثورة وانحاز للشرعية الشعبية في أصعب الفترات ووضع روحه علي كفه أن يغامر بسمعته وتاريخه.