جبل عتاقة هو أحد جبال مصر ويقع في محافظة السويس ويرتفع 800 م عن سطح البحر ويطل على وادى حجول. ويقع بين محافظتى السويسوالبحر الأحمر وهو عبارة عن سلسلة جبلية تطل على الضفة الغربية لبداية ذراع خليج السويس فى البحر الأحمر والطرف الجنوبى لمجرى قناة السويس الملاحى ويشرف على مدينة السويس وطريق ميناء الأدبية ووادى حجول. تعتبر معركة جبل عتاقة من سلسلة معارك ثغرة الدفرسوار التى دارت خلال حرب أكتوبر المجيدة مهمة حيث حجبت معركة السويس يوم 24 أكتوبر 1973 الرئيسية الكبرى كل الأضواء عن هذه المعركة. تبدأ قصة هذه المعركة بعد إتساع مجال معارك الثغرة وما بعد وقف إطلاق النار الأول يوم 22 أكتوبر 1973 الذى لم تلتزم به إسرائيل كعادتها وتجاهلته من اجل تحسين وضعها العسكرى المتردى على الجبهة المصرية وذلك بأن سعت إلى حصار الجيش المصرى الثالث المرابط فى سيناء بالضفة الشرقية وعزله عن قيادته وخطوط إمداده ومواصلاته فى غرب القناة توطئة لإعلان إستسلامه أو القضاء عليه بعد إحتلال مدينة السويس من ناحية أخرى على أمل وهمى كاذب بأن تنقلب هزيمة إسرائيل الإستراتيجية فى حرب أكتوبر إلى نصر واضح لصالحها وتمسح عارها الذى لطخها فى الوحل منذ يوم 6 أكتوبر 73 وأضاع قشرة هيبتها العسكرية المنتحلة الزائفة التى تمتعت بها ردحا من الزمن من بعد حرب يونيو 1967 وقضى على تلك السمعة الباطلة وأسطورة الجيش الذى لايقهر الكاذبة فى أكتوبر 73. لابد من الإشارة إلى أن نجاح العدو الإسرائيلى فى إحتلال مرتفعات وقمم جبل عتاقة بالسويس قد ساهم فى إحكام حلقة الحصار حول مدينة السويس والجيش الثالث بعد أن وسع العدو من نطاق عملياته بالتقدم جنوباً لإحتلال ميناء الأدبية. و العدو لم يهنأ لحظة بالسيطرة الكاملة والبقاء الآمن المريح على هذا الجبل المصرى الشامخ الذى دخل التاريخ العسكرى المصرى وقد عانى العدو من حرب إستنزاف طويلة موجعة حرمته من جنى ثمار تفوقه الذى حققه بإعتلاء قمة جبل عتاقة. وبالنسبة لدوره فى القتال من الناحية العسكرية والإستراتيجية فهو يقع فى نطاق عمليات الجيش الثالث الميدانى وهو الجيش الذى أرادت إسرائيل أن تخضعه و تأسر رجاله أو تقضى عليه لتخرج من الحرب منتصرة ومساومة بورقة خطيرة رابحة فى يدها فكأنت أحلامها سراباً وأوهاماً كاذبة . لعبت مجموعة صاعقة الجيش الثالث الميدانى أدوراً بطولية رائعة خلال حرب العاشر من رمضان لا يرقى القيام بها إلا رجال آمنوا بربهم ووطنهم قادرون على العمل تحت أقصى الظروف وهل توجد ظروف أقسى من هذه المهمة المكلفين بها ؟ وهى التقدم من قطاع بير عديب بالسيارات تحت تفوق جوى معادى ثم الترجل وتسلق جبل عتاقة بإرتفاع 4500 قدم وقوات العدو تسيطر على قمته بالقوات والنيران ولم يطلب هؤلاء الأبطال أن يتم إبرارهم جواً كما فعل العدو . ونظراً لدرايتهم التامة بجميع المسالك والدروب التى يمكن أن توصلهم إلى قمة الجبل تقدم الرجال تحت ستر ظلام الليل وتقدموا فى مجموعات قتالية صغيرة حاملين معهم أسلحتهم وذخيرتهم وعتادهم غير مبالين بثقل ما يحملون بل يحملون ثقل المهمة المنوطة بهم ومع أول ضوء كانت مجموعة إستطلاع هذه الوحدة تقوم بإستطلاع الموقف فوق الجبل وحددت مكان وحجم العدو الذى قدر بوحدتين من المظلات والقوات الخاصة للعدو لحراسة عناصر الحرب الأليكترونية. وتقدم قائد قوة الصاعقة المكلفة بالمهمة ووضع قراره لإقتحام هذه الوحدات وتنفيذ المهمة وقسم قواته بين مجموعات إقتحام ومجموعات ستر وتأمين وبدون أى مساعدة من المدفعية أو القوات الجوية وبصيحة الله وأكبر وتحيا مصر فاجأ الأبطال قوات العدو مقتحمين مواقعه وإشتبكوا فى قتال متلاحم وأحدثوا بقواته خسائر جسيمة فى الأفراد والأسلحة والمعدات وقاموا بتدمير بعض أجزاء وحدات الحرب الإلكترونية وكادوا يسيطرون على الموقف تماماً وصيحات النصر تعلو بالتكبير لله والمجد لمصر . وإذا بالمراقب يعلن عن إقتراب طيران العدو وأصدر قائد المجموعة القتالية للصاعقة أوامره لقواته بسرعة الإنتشار وإتخاذ مواقع يصعب على الطيران إصابتها وتحقق له مايريد وقام طيران العدو بقصف الجبل بكثافة عالية من القنابل ذات الإنفجار السطحى ( نوع من القنابل ينفجر قبل وصوله إلى الأرض وتتطاير شظاياه فى الجو وتسقط كالمطر لتصيب أى قوات فى العراء ) .. وماهى إلا لحظات وإذا بالطائرات العمودية تبر مجموعة مجموعات أخرى من القوات الخاصة المعادية على هضبة الجبل ثم مجموعة أخرى من الطائرات العمودية تسقط عربات جيب مزودة بالهاونات والمدافع وأجهزة أخرى من الحرب الإليكترونية وإتخذ وإتخذ العدو أوضاعه لتأمين قواته وتمشيط المنطقة . وإستمرت قوات الصاعقة فوق جبل عتاقة فى قتالها مع قوات العدو حتى شارفت الذخيرة على النفاذ فقرر قائد الوحدة أن يتم إنسحابها إلى سفح الجبل فى قطاع بير عديب لحين وصول الإمدادات من قيادة المجموعة وقام الأبطال بحمل جرحاهم وشهدائهم ولم يتركو على أرض المعركة شهيداً أو جريحاً . وبعد رحلة التخلص من المعركة تحت ضغط العدو على أمل إعادة التجميع والعودة لمواصلة رسالتهم ، كانت هناك المفاجأة التى لم يكونوا ينتظرونها أبداً. وهى أن العدو كان قد نجح فى إختراق قطاع بير عديب وهو فى طريقه إلى ميناء الأدبية ورغم هذا إستطاع قائد الكتيبة بشجاعته الفائقة ودرايته الكاملة بجميع الدروب والمسالك أن ينسحب بقواته وشهدائه وقتلاه ليعود بهم إلى قيادة المجموعة سيراً على الأقدام . القوات المصرية لم تترك العدو لتكون له اليد العليا على جبل عتاقة وإنما قاتلت قتالا شرسا طويلا خلال شهرى نوفمبر وديسمبر لتنتزع منه السيادة جبل عتاقة من جديد وتلقى بالعدو عند سفحه. كان الوصول إلى المنطقة الجبلية هو أول مشكلة تواجه كتيبة المظلات التى كلفت بالتمركز فى جبل عتاقة وشن عمليات الإستنزاف من هناك ضد القوات الإسرائلية فى المنطقة . وكان إختيار كتيبة مظلات بالذات يأتى بسبب إمكانية وصولها إلى المنطقة بوسائل غير متاحة للقوات التقليدية ، وكانت الوسيلة المفترضة لنقل هذه الكتيبة بوصفها من قوات الإبرار الجوى هى الطيران حيث أن قوات الإبرار الجوى تسقط بالمظلات أو تنقل بطائرات هليكوبتر . ولكنها إختارت هذه المرة أصعب وسيلة وتقرر أن تشق طريقها براً إلى قمة الجبل . وكان الإستطلاع الجوى للعدو قد أكد أن جبل عتاقة مانع طبيعى يحمى ظهر القوات الإسرائلية فى المنطقة .. ولكن الذين عبروا القناة وخط بارليف عبروا الجبل وإخترقوا الصخور ووصلوا إلى قمة عتاقة ( ليركبوا ) العدو الذى أصبح تحتهم . ولم يكن هناك طريق إلى الجبل .. ولكنهم صنعوا طريق . ولم يكن من الممكن إستخدام الوسائل الميكانيكية نظراً لوعورة الجبل فإستخدموا أيديهم فى شق وتمهيد الطريق الذى بلغ طوله 12 كلم وإحتلوا القمم دون أن يشعر العدو بهم . وبدأت عمليات نقل الأسلحة والذخيرة . وكان من المستحيل إستخدام أى نوع من السيارات فى عملية النقل . وبدا على الفور فك المعدات والأسلحة والمدافع ونقلها على أجزاء إلى مواقع الكتيبة فوق صخور الجبل الوعر . وإستخدمت القوات هناك قوافل الدواب فى نقل المعدات والأسلحة والذخيرة .. وظلت قوافل البغال والجمال هى الوسيلة الوحيدة لإمداد الرجال فوق الجبل . وفى هذه الفترة عادت مجموعات الإستطلاع التى كانت قوات المظلات قد أرسلتها لإستطلاع العدو فى المنطقة وجمع المعلومات عنه . والتى عاشت وسط قوات العدو 5 أيام دون أن يشعر بها . ولتعود بمجموعة ضخمة من الصور الفوتغرافية تشمل جميع مواقع العدو ومراكز نيرانه .. وبخرائط تفصيلية مجسمة لتوزيعات قواته فى المنطقة . وبدأ على الفور الإعداد لمعركة إستنزاف طويلة ووزعت القوات فوق الجبل وأعدت مواقع المدفعية والهاونات ونقط إنطلاق الصواريخ وبدأت المعركة ،وفوجئ العدو بالنيران تأتى من بين الصخور وكأن جبل عتاقة كله يلفظ الجحيم. خداع التى وقع العدو ضحية لها لم تكن مواقعنا التى وجه وجه العدو نيرانه إليها إلا مواقع هيكلية صنعت من صخور الجبل . أما المواقع الحقيقية فكانت وسط الجبل بعيداً عن المواقع الهيكلية . وظل العدو يوجه نيرانه إلى هذه المواقع الهيكلية تاركاً مواقعنا الحقيقة متفرغة لضرب مصادر نيرانه وكان توجيه العدو نيرانه نحو المواقع الهيكلية يكشف بسهولة عن مصادرها أمام مدفعيتنا وصواريخنا الخارقة للدروع ويسهل كثيراً واجبها الذى ظلت تؤديه ليل نهار أكثر من شهر ونصف إستغرقتها إشتباكات عتاقة . لقد جهزت عبوة متفجرة وزعها أفرادنا على أماكن متفرقة وسط الجبل وتم توصيلها بأسلاك التفجير لإستخدامها فى خداع العدو وعندما زادت حدة الإشتباكات بدأ العدو فى فى ضرب الجبل بالمدفعية عيار 125 ملم ومع طلقات مدفعية العدو كان يتم تفجير بعض هذه العبوات ويرصدها العدو من بعيد ويتصورها نتيجة ضرب مدفعيته وقد جاءت بعيداً عن الأهداف ويعود العدو إلى تصحيح ضربات مدفعيته وقد جاءت بعيداً عن الأهداف . ويعود العدو إلى تصحيح ضربات مدفعيته لتعود طلقاته أكثر بعداً من الأولى وترتبك وحدات مدفعية العدو وتتوقف عن الإنطلاق ومع عودة الإشتباكات يكتشف العدو أنه لم ينال شيئاً من قوات عتاقة وتعود الجمال تحمل المزيد من الدعم والذخيرة لقوات عتاقة ، وتظل قوافل الدواب تنقل الحمولات من نهاية الطريق الذى مهد الرجال وسط الجبل لمسافة 12 كلم لتوصلها إلى مواقع الرجال وسط صخور الجبل. وفكر العدو فى أن يقوم بإنزال قواته أعلى الجبل بالطائرات الهليكوبتر ، وهى لعبة يعرفها العدو وسبق أن إستخدمها ، ويطلق عليها إسم (( الإقتحام الرأسى )) . وكان هناك المقاتل المصرى على صاروخ سام التكتيكية المضادة للطائرات والتى إكتسبت شهرتها العالمية من معارك 6 أكتوبر فى الجبهتين المصرية والسورية . وعندما حاول العدو إستخدام طائراته فى تصحيح ضربات مدفعيته تولت الصواريخ مرة أخرى إخراج طيرانه من المعركة . ولم يجد العدو امامه سوى تقديم الشكاوى إلى قوات الأممالمتحدة والتى بلغت 27 شكوى ضد(( كوماندوز عتاقة ))، قدم بعضهم إلى مراقب الإمم المتحدة القائد الإسرائيلى نفسه الذى كان يعرض عليهم يده المصابة بإحدى شظايا نيران عتاقة ..وعندما فشل العدو فى إستخدام الهليكوبتر ، وإنعدمت قدرته على الحركة لجأ إلى إعادة تجميع القوات فى المنطقة وأصبحت الأهداف الجديدة تشكل صيداً دسماً لقوات عتاقة التى بدأت فى إستخدام سلاح جديد على المنطقة نقلته البغال إلى أعلى الجبل ، وكان هذا السلاح الجديد هو الصواريخ التى شاركت فى العمليات منذ المرحلة الأولى للعبور .. والأسلحة المضادة للدبابات والتى يصعب إستخدامها من أعلى إلى أسفل ولكن مع قليل من التطوير والتجهيز تنطلق من أعلى الجبل لتصيب مدرعات العدو ودباباته التى أعد تجميعها فى المنطقة . وأمام إلحاح العدو فى طلب النجدة دفعت القيادة الإسرائلية وحدات مظلات إلى المنطقة فى محاولة لإقتحام الجبل بعملية هجومية تجذب بها قوات عتاقة إلى عمليات دفاعية بدلاً من مهاجمة الدبابات الإسرائلية ومناطق تجمع . وبقيت المظلات الإسرائلية أسفل الجبل فى مواقع دفاعية ضاعفت من خسائر العدو ولم تقلل منها . وتتطورت عمليات الصواريخ لتصيب دبابات العدو وعرباته المجنزرة ونقط ملاحظتة وتجهيزاته الهندسية ومراكزه الإدارية وتشوينات ذخيرته مع كل إشتباك كان العدو يخسر مابين 20 أو 25 فرداً وما بين 2 و 3 دبابات أو عربات حتى المخندقة منها (داخل خنادق) وتولى قناصة المظلات صيد الأفراد خلال كل إشتباك ظلت المعركة مستمرة 45 يوماً تستنزف العدو وتشكل عنصر ضاغطاً فى مباحثات الفصل بين القوات ، وقدرت خسائر العدو فى المنطقة بحوالى 450 فرداً بين قتيل وجريح . وعندما قدمت الكتيبة كشف خسائرها فى هذه الإشتباكات كان الكشف يضم سطراً واحداً يسجل أن كل خسائرها طول ال 6 أسابيع من الإشتباكات هو جمل واحد .