تتطور الفنون عبر العصور المختلفة وإن كانت تحتفظ بمقوماتها الأساسية، إلا أن الحداثة دائماً ما تتملك رغبة المجددين وأصحاب المذاهب الفكرية التنويرية التي تعمل على استحداث كل ما هو جديد لاستقطاب الجماهير بأشكال إبداعية غير مطروقة تلعب دوراً فى إحياء هذا الفن بالنسبة لمحبيه. ومن ضمن تلك الأنواع الفنية المسرح أبو الفنون الذى وصلت إليه الأشكال الحداثية فى القرن العشرين، ومن ضمنها ما قام به واحد من أشهر كتاب المسرح العالمي وهو الألماني برتولد بريخت المولود فى أوجسبورج عام 1898 والمتوفي في برلين عام 1956، حيث وضع أسس لبناء مذهب جديد حمل اسمه يقوم على فكرة هدم الجدار الرابع الوهمي في المسرح إذ اعتبر خشبة المسرح كغرفة ذات ثلاثة جدران وأسقط الجدار الرابع الوهمى أو الحاجز الذى يفصل بين الجمهور والممثلين وتعامل مع المشاهد كأهم عنصر فى تكوين العمل المسرحى فمن أجله تكتب المسرحية، حتى تثير لديه التأمل والتفكير فى الواقع، مع اتخاذ موقف ورأى من القضية المتناولة فى العمل بالإضافة للمزج بين الوعظ والتسلية، أو بين التحريض السياسى وبين السخرية. ومن ضمن الأعمال المسرحية المعروض خلال هذه الآونة عمل بعنوان "تحيا مصر" يقدم على مسرح الهناجر للفنون الذى تديره الدكتورة أمانى يوسف. والرواية المسرحية الذى بنى عليها العرض "باب المدينة" للكاتب الراحل الدكتور محسن مصيلحي وأعاد صياغتها الدكتور عاصم نجاتى فى شكل عمل مسرحى غنائى استعراضى بأسلوب ساخر، حيث تعامل مع بعض القضايا التاريخية فى عصر المماليك والعثمانيين رابطاً إياها بالظروف السياسية التي نمر بها مع بعض الإسقاط على الواقع الحالي، مخاطباً عقل الجماهير لاستثارة خيالاتهم فى حال تغيير بعض الأحداث التاريخية دون الاستخفاف بعقول المتفرجين. بل على العكس من ذلك فقد كان العرض ساخراً دون افتعال ودون تلفظ أو إسفاف وهو ما يحسب للقائمين على العمل والمشاركين فيه على حد سواء. وبالإضافة لإخراج نجاتى للعرض فقد شارك أيضاً فى البطولة بجانب كل من أحمد ثابت ،محمد عبد الرشيد ،أحمد ماجد ،أسامة عبد الله ،أحمد بسيم ،أحمد عزت ،محمد نشأت، وكذا العنصرين النسائيين في العرض وهما البطلتين جيهان سلامة وشيماء غالب. أما الأربعة المملوكين فرج، شيراز، فايز، جندى، وكان الأداء التمثيلى جيدا والميزانسين أو الحركة المسرحية للممثلين وكذلك الديكور البسيط للدكتور محمود سامى فى حركة طبيعية، واعتمد الديكور على أدوات غاية في البساطة يقوم الممثلون أنفسهم بتحريكها وهو ضمن المذهب البريختى المتبع لكسر الحاجز بين الفنان وجمهوره. كذلك كانت الاستعراضات ذات حركات أدائية راقصة ببساطة وخفة التى وضعها مايكل فايق ،والتى خلقت جواً ملطفاً لأجواء المسرحية بجانب الأغنيات المرافقة والتى كتب أشعارها الدكتور مصطفى سليم، أما الموسيقى لهشام طه فقد اعتمدت على الآلات الغربية الأوركسترالية فى المقام الأول كموسيقى مصاحبة للمسرحية، ونجد في بعض المواضع مشاركة من آلة البيانو، واستخدم التنافرات أحياناً لخلق حالة من التوتر والاضطراب كمكمل للأحداث الدرامية الموجودة على خشبة المسرح، لكن الألحان الغنائية وضع فيها المؤلف آلات شرقية وإيقاعات شرقية حتى تتناسب مع الاستعراضات وأيضاً للربط التاريخى بوضع البصمة الشرقية للتعبير عن الأجواء المصرية داخل العرض. ومن أجمل استعراضات العرض "يا قاهرة يا أم البلاد الطاهرة"، بينما اختتمت المسرحية باستعراض "مهما كان الظلم جاحد".. وبعد انتهاء العرض وجدت أن هناك جملة لا زالت تتردد داخلياً فى أعماقي، وذلك حينما عبر طومان باى عن قناعاته قائلاَ (مش هيحرك البلد دى إلا أهلها ومش هيحرك أهلها إلا فنها) وهو إسقاط على الأحوال الواقعية الآنية، والتي نتمنى أن تلعب فيها الثقافة والفن دور أساسى فى تحريك المجتمع المصرى لجعله حائط صد أمام الفكر المتطرف لمواجهة الإرهاب بكل صوره وأشكاله ..فنحن فى أمس الحاجة للفن الحقيقى لنلتف جميعاً حوله ويكون المحرك الأساسى للشعور الجمعى لدى المواطنين.