يخترق قطار القدس الخفيف 23 محطة بطول 14 كيلو مترا ليربط شرق المدينة المقدسة بغربها، وذلك ضمن مخطط إسرائيلي للتوسع إلى 31 محطة بطول 21 كيلو مترا بحلول عام 2020، وهو ما يخدم الأهداف الإسرائيلية في تثبيت الوقائع على الأرض، وإحكام السيطرة على "القدس الموحدة" كعاصمة لإسرائيل، فهل يقضي هذا المخطط على أي أمل لدى السلطة الفلسطينية بإنشاء دولة مستقلة تكون القدسالشرقية عاصمة لها، حيث أن خط القطار يصل شرق القدس بغربها، هذا في الوقت الذي يرى فيه الفلسطينيون أن القطار مشروع سياسي بامتياز ولا يمكن اعتباره كمرفق عام؟. "أعتقد أنه يجب أن نخوض كل المعارك من أجل فعل أي شيء يساهم في تعزيز القدس وبناء القدس وتوسيع القدس، وبقائها إلى أبد الآبدين كعاصمة الشعب اليهودية والعاصمة الموحدة لدولة إسرائيل، وأنا أتعهد أمامكم بدعم كل جهد في هذا الإطار"، بهذه العبارة بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون خطابه في حفل توقيع اتفاقية بناء القطار في يوليو 2005، فيما تم الإعلان عن انطلاقه رسميا في 19 أغسطس 2011. ويتضمن المخطط الإسرائيلي مد خط القطار لمسافة 21 كيلو مترا، آخرها مستشفى "هداسا عين كارم" جنوبي القدسالمحتلة، بتكلفة تصل إلى 5ر2 مليار شيكل (نحو 650 مليون دولار أمريكي)، ويتم الانتهاء منه حسب التقديرات عام 2020. كما يشمل المخطط بناء خط قطار "الجامعة"، الذي سيربط بين حرمي الجامعة العبرية شرقي المدينة وغربها، إضافة إلى خط آخر يصل مستوطنة "رموت" في الشمال بمستوطنة "جيلو" في الجنوب، ومن المتوقع أن ينتهي العمل بهما عام 2025 بتكلفة 12 مليار شيكل (نحو 3 مليارات و110 ملايين دولار أمريكي). بالإضافة إلى 3 خطوط أخرى ما زالت تنتظر المصادقة النهائية على إنشائها، ليصل بذلك عدد خطوط القطار الخفيف إلى ستة، فيما تشمل الخطة الاستراتيجية دعم خطوط القطارات هذه بنظام مطور من خطوط الحافلات التي تضمن تغطية كاملة ومكثفة على مدار الساعة لجميع مناطق القدسالمحتلة. ويحقق الاحتلال الإسرائيلي هدفاً آخر من خلال قطار القدس وهو شق شوارع المدينة وإنشاء القطارات لتقييد قدرة الفلسطينيين على التوسع وتشكيل كتلة واحدة، حيث أن هذه المشروعات تحول بعض القرى والأحياء الفلسطينية في القدسالمحتلة إلى أحياء أصغر مفصولة عن امتداداتها الجغرافية والسكانية، في حين يؤكد القائمون على هذه الخطة باستمرار أن القدس هي المدينة الأكبر في إسرائيل من حيث عدد السكان، ولابد لها من شبكة مواصلات تليق بكونها "العاصمة الموحدة" للشعب الإسرائيلي، ويروجون لهذه الخطة على أنها ستسهل وصول الإسرائيليين إلى القدس وتنقلهم داخلها، كما ستجعلها تليق بالمستوى العالمي لاستقطاب السياح. و سطر القطار الخفيف أحياء شمال القدس وشوارعها بأطنان ثقيلة من الأسمنت والحديد رافضا أي مجال لأن يتم تقسم المدينة، فهو يشق منطقة المصرارة المحاذية للبلدة القديمة، ويكمل طريقة ليعبر الطريق التاريخي بين القدس ورام الله في شعفاط وبيت حنينا، في ما يعد في ظاهره خدمة المسافرين، وتحت ثناياه تعزيز الوجود الاستيطاني وفرض الأمر الواقع. ويقول الدكتور حنا عيسى الأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، في تصريح لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط برام الله، إن أساليب التهويد كثيرة في مدينة القدس، وأن سلطة الاحتلال لم تترك منحى وإلا تقوم بتهويده، مؤكدا أن القطار الخفيف هو بالأساس لتقسيم القدس إلى كانتونات وهذه الكانتونات هي القدس الكبرى التي تسعى إسرائيل إلى إقامتها وهي عبارة عن مساحة تبلع 1000 كيلو متر مربع بتعداد سكان ثلاثة ملايين نسمة على غرار لندن ويكون مكان الأقصى المبارك قلب العاصمة ويتم نقل العاصمة من تل أبيت إلى القدس مع هدم كل المساجد والكنائس المؤدية إلى قلب المدينة المسجد الأقصى المبارك. وحذر من عنوان المشروع الانتخابي لرئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة مارس 2015، والذي مفاداه أن القدس موحدة وتحت السيطرة الأبدية الإسرائيلية، منوها بأن كيان الاحتلال يقوم بأعمال عدة للسيطرة على القدس على أكثر من محور وبوسائل شتى، من حيث القرارات الدولية، سن القوانين الداخلية، التغيير الديمغرافي والجغرافي، وفرض الأمر الواقع على المدينة المقدسة. وقال عيسى "وضع نتنياهو القدس موحدة على رأس حملته الانتخابية مكررا ما فعله عام 1996، عندما استطاع الفوز على بيريز، تقع ضمن محاولات كيان الاحتلال المستمرة من أجل نزع الهوية العربية الإسلامية التاريخية من مدينة القدس وفرض طابع مستحدث جديد وهو الطابع اليهودي، وهذا هو هدف المشروع الصهيوني، لجعل القدس عاصمة لدولتهم اليهودية وبناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى". ويرى أن الاحتلال الإسرائيلي يقوم بتفريغ مدينة القدس من سكانها الأصليين واستبدالهم باليهود بطرق شتى منها مصادرة الأراضي والعقارات من أهلها، لا سيما الغائبين، وتهجير سكانها خارج المدينة، وذلك بسنّ قوانين تخدم مشروعهم، وفي نهاية المطاف منح هذه الأراضي لليهود من خلال إقامة مستوطنات في القدس وفي محيطها. وأكد أن كيان الاحتلال يهدف لتفريغ المدينة من أهلها من خلال تضييق الخناق على المقدسيين، وتقليل فرص العمل لديهم ليضطروهم إلى الهجرة خارج القدس، وبعزل أحياء مقدسيّة بجدار الفصل العنصري، واعتبارها خارج مدينة القدس، ومنع أهلها من دخول القدس على غرار "العيزرية" "أبو ديس"، "الرام" وضاحية "البريد" وغيرها، ومن خلال سحب الهويات المقدسية من أهلها، ومنعهم بعد ذلك من الإقامة في القدس. ويقول ناجي العزي من حملة "مقاطعة قطار القدس" ، إنه وعلى قدم وساق وفي جميع الأوقات وعلى مدار السنوات تقوم إسرائيل بما اصطلح على تسميته "سياسة فرض الأمر الواقع" في مدينة القدس، ولعل أهم وأوضح ما تغيره على أرض الواقع هي بناء المستوطنات وطرقها الالتفافية، وإحدى الطرق هي إقامة خط سكة الحديد الخفيف. وأكد أن الحملة أطلقت صرخة إلى الدول العربية والإسلامية طالبت فيها بمقاطعة شركتي "الستوم" و"فيوليا" الفرنسيتين المشاركتين في تشييد وإدارة مشروع القطار الخفيف الإسرائيلي الذي يخدم ويرسخ وجود المستعمرات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة في القدس وحولها، وطالبت باستثناء الشركتين من جميع العقود التجارية العامة بسبب مخالفتهما للقانون الدولي ولحقوق الشعب الفلسطيني. وترغب إسرائيل من خلال مشروع القطار الخفيف تأكيد سيطرتها على القدسالشرقية، من خلال فرض الأمر الواقع على الأرض وإخضاع الحياة الفلسطينية بمركباتها المختلفة للقانون الإسرائيلي، هذا في الوقت الذي يرى فيه الكثير من الفلسطينيين أن القدس مدينة محتلة وأن إجراءات إسرائيل فيها إجراءات تخدم الاحتلال بشكل أو بآخر وليس الهدف منها تسهيل الحركة وجذب السياح ولكنها تخدم مخطط "القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل".